الأجوبة المفيدة / عن أسئلة العقيدة

u0627u0644u062fu0643u062au0648u0631 u0648u0644u064au062f u0627u0644u0639u0644u064a
الدكتور وليد العلي
تصغير
تكبير
زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أسئلة تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، واستاذ العقيدة بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.

وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة

([email protected]) أو فاكس رقم: (24815921)

الاستعاذة من جار السوء

أخرج النَّسائيُّ عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعوَّذوا بالله من جار السُّوء في دار المُقام، فإنَّ جار البادية يتحوَّل عنك).

فقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (تعوَّذوا بالله): أمرٌ بالاستجارة والاعتصام بالله السَّميع البصير، فهُو سُبحانه المُستعان فنعم المولى ونعم النَّصير.

وقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (من جار السُّوء في دار المُقام): لأنَّ جار السُّوء بلاءٌ قائمٌ، ومُجاورة دارك لداره شرٌّ دائم.

وقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (فإنَّ جار البادية يتحوَّل عنك): لأنَّ مُدَّة إقامة جار البادية قصيرةٌ فيمكن تحمُّل ما وراءه من الأضرار، لأنَّه ينتجع من محلٍّ لآخر بخلاف جار المُقام المستوطن في الأمصار.

وإنَّ من إساءة الجار إلى الجيران: أن يشبع وجاره المُجاور جوعان، فعن عبدالله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (ليس المُؤمن الذي يشبع وجاره جائعٌ) أخرجه البُخاريُّ في الأدب المُفرد.

وَكَيْفَ يُسِيغُ المَرْءُ زَاداً وَجَارُهُ

خَفِيفُ المِعَى بَادِي الخَصاصَةِ والجَهْدِ

وإنَّ من أمارة جار السُّوء في دار المُقام: أن يُؤذي جيرانه بلسانه ويفجر في الخصام، فعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: (قال رجلٌ: يا رسول الله؛ إنَّ فُلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنَّها تُؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في النَّار. قال: يا رسول الله؛ فإنَّ فُلانة يُذكر من قلَّة صيامها وصدقتها وصلاتها وإنَّها تصدَّق بالأثوار من الأقط ولا تُؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في الجنَّة) أخرجه أحمد.

وأعظم من أذيَّة الجار لجاره ببذاءة اللِّسان: أن ينتهك حُرمة عرضه وماله بالإثم والعُدوان، فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه: (ما تقولون في الزِّنا؟ قالوا: حرَّمه الله ورسوله، فهو حرامٌ إلى يوم القيامة. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه: لأن يزني الرَّجل بعشرة نسوةٍ أيسرُ عليه من أن يزني بامرأة جاره. فقال: ما تقولون في السَّرقة؟ قالوا: حرَّمها الله ورسوله، فهي حرامٌ. قال: لأن يسرق الرَّجل من عشرة أبياتٍ أيسرُ عليه من أن يسرق من جاره) أخرجه أحمد.

لذلك كانت أذيَّة الجار: سبباً للُحوق لعنة الجبَّار، فعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يشكو جاره، فقال: اذهب فاصبر. فأتاه مرَّتيْن أو ثلاثاً، فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطَّريق. فطرح متاعه في الطَّريق، فجعل النَّاس يسألونه، فيُخبرهم خبره، فجعل النَّاس يلعنونه: فعل الله به؛ وفعل وفعل. فجاء إليه جاره فقال له: ارجع؛ لا ترى مني شيئاً تكرهه) أخرجه أبوداود.

يَلُومُونَنِي أَنْ بِعْتُ بالرُّخْصِ مَنْزِلِي

وَلَمْ يَعْلَمُوا جَاراً هُنَاكَ يُنَغِّصُ

فَقُلْتُ لَهُمْ كُفُّوا المَلامَ فَإِنَّهَا

بِجِيرَانِهَا تَغْلُوا الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ

فهذه بعض صُور الإساءة التي يُسيء بها الجار للجار، وهي من الشُّرور التي تمنع من دُخول الجنَّة دار القرار، فعن أبي هُريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (لا يدخل الجنَّة من لا يأمن جاره بوائقه) أخرجه مُسلمٌ.

فلو كُلِّف المرء أن ينقل جبلاً لكان أخفَّ على نفسه من احتمال إساءة الجار، وهذا يشمل كُلَّ من ابتليت بمُجاورتهم في بيتك أو عملك أو وطنك من الأشرار، قال الحسن البصريُّ رحمه الله تعالى: (قال لُقمان لابنه: يا بُنيَّ؛ حملت الجندل والحديد؛ فلم أر شيئاً أثقل من جار سُوءٍ، وذُقت المرار كُلَّه؛ فلم أر شيئاً أمرَّ من التجبُّر) أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقيُّ.

فجار السُّوء في دار المُقام من البلاء الذي يستوجب الصَّبر، والجار الصَّالح في دار المُقام من النَّعماء التي تستوجب الشُّكر، فعن نافع بن عبدالحارث رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (من سعادة المرء المُسلم: المسكن الواسع، والجار الصَّالح، والمركب الهنيء) أخرجه البُخاريُّ في الأدب المُفرد.

وإنَّ من آثار هذا الجار الحسنة؛ ومن مآثره الصَّالحة المُستحسنة: أن يتعاهد جيرانه بالهدايا؛ وأن يُفرِّق بينهم بالعطايا، قال مُجاهد بن جبرٍ رحمه الله تعالى: (إنَّ عبدالله بن عمرو ذُبحت له شاةٌ في أهله، فلمَّا جاء قال: أهديتم لجارنا اليهوديِّ؟ أهديتم لجارنا اليهوديِّ؟ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ما زال جبريل يُوصيني بالجار حتَّى ظننت أنَّه سيُورِّثه) أخرجه أبوداود والتِّرمذيُّ.

فتعاهد الجار بالإكرام والإحسان: إنَّما هُو شُعبةٌ من شُعب الإيمان، قال أبوشُريحٍ العدويُّ رضي الله عنه: (سمعت أُذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: من كان يُؤمن بالله واليوم الآخر: فليُكرم جاره، ومن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر: فليُكرم ضيفه جائزته. قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومٌ وليلةٌ، والضِّيافة ثلاثة أيَّامٍ، فما كان وراء ذلك: فهو صدقةٌ عليه، ومن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر: فليقل خيراً أو ليصمت) أخرجه البُخاريُّ ومُسلمٌ.

فإكرام الجار لجاره من الصَّدقة، وهو إنَّما يتحقَّق ولو بماء المرقة، فعن أبي ذرٍّ الغفاريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (يا أبا ذرٍّ؛ إذا طبخت مرقة: فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) أخرجه مُسلمٌ.

فالمُحسن لجيرانه من خيار النَّاس، والمُسيء لهم قد تدثَّر بشرِّ اللِّباس، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (خير الأصحاب عند الله: خيره لصاحبه، وخير الجيران عند الله: خيرهم لجاره) أخرجه أحمد والتِّرمذيُّ.

ولأهميَّة اختيار الجار الصَّالح ومُجانبة الجيران الأشرار: كانت العرب تقول في أمثالها: الجار قبل الدَّار، ومصداق هذا المثال في كلام الله العزيز الغفَّار: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».

فتأمَّلوا كيف اختارت امرأة فرعون جوار الرَّحمن: قبل حُسن اختيارها لسُكنى الدَّار بأعلى الجِنان، فاختارت الجار بقولها: «رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ». قبل اختيارها الدَّار بقولها: «بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ».

يَقُولُونَ قَبْلَ الدَّار جَارٌ مُوَافِقٌ وَقَبْلَ الطَّرِيقِ النَّهْجِ أُنْسُ رَفِيقِ.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي