بروفايل / موت شقيقته أسمهان ترك أثراً عميقاً في قلبه

فريد الأطرش... موسيقار خسر في القمار وربح الفن

تصغير
تكبير
حفل الزمان الجميل بابدعات عمالقة الفن والغناء في عالمنا العربي الى جانب نجوم العالم الغربي فقدموا الكثير خلال مسيرتهم التي كانت في بعض الأحيان مليئة بالمطبات والعثرات. منهم من رحل عن هذه الدنيا مخلفاً وراءه فنّه فقط، وآخرون ما زالوا ينبضون عطاء الى يومنا الحالي.
البعض من جيل اليوم نسي ابداعات هؤلاء العمالقة وتجاهلوا مسيرة حافلة من أعمال تركتها بصمة قوية، وفي المقابل يستذكر آخرون عطاءات نجوم الأمس من خلال الاستمتاع بأعمالهم الغنائية أو التمثيلية، وقراءة كل ما يخصّ حياتهم الفنية أو الشخصية.
وفي زاوية «بروفايل» نبحر في بحار هؤلاء النجوم ونتوقف معهم ابتداء من بداياتهم الى آخر مرحلة وصلوا اليها، متدرجين في أهم ما قدّموه من أعمال مازالت راسخة في مسيرة الفن... وفي بروفايل اليوم نستذكر أهم محطات الفنان الراحل فريد الاطرش:


لم تكن حياة الفنان الراحل فريد الأطرش عادية، قبل الشهرة وبعدها، فخلالها مرّ قطار حياته بالعديد من المحطات التي تركت آلاماً وفرحاً... دموعاً وابتسامات، تماماً مثل أغانيه وعزفه على أوتار عوده.
ينتمي الفنان فريد الاطرش إلى آل الأطرش، وهي إحدى العائلات العريقة في جبل العرب جنوب سورية، والده فهد فرحان إسماعيل الأطرش والذي تزوج ثلاث مرات؛ الأولى سنة 1899 وكانت زوجته طرفة الأطرش وأنجب منها ابنه طلال، والثانية سنة 1909 وكانت زوجته علياء المنذر، وأنجب منها خمسة أولاد؛ ثلاثة ذكور وهم أنور وفريد وفؤاد وبنتان وهما: وداد وآمال وهي المطربة الشهيرة باسم أسمهان، وفي سنة 1921 تزوج ميسرة الأطرش وأنجب منها أربعة أولاد؛ منير ومنيرة وكرجية واعتدال. أما والدته، فهي الأميرة علياء حسين المنذر وهي مطربة تمتعت بصوت جميل قادر على تأدية العتابا والميجانا، وهو لون غنائي معروف في سورية ولبنان والأردن وفلسطين، تأثرت بمطرب العتابا اللبناني يوسف تاج الذي اتبّعت أسلوبه في ما بعد المطربة صباح. وتوفيت سنة 1968 ودفنت في بلدة شويت في جبل لبنان حيث كان للعائلة منزل هناك إضافة إلى منزلهم الكبير في بلدة القريا في (السويداء).
ولد فريد الأطرش في العام 1910 في بلدة القريا، وقد عانى حرمان رؤية والده واضطراره إلى التنقل والسفر منذ طفولته، من سورية إلى القاهرة مع والدته هرباً من الفرنسيين المعتزمين اعتقاله وعائلته انتقاماً لمواقف والده فهد الأطرش وعائلة الأطرش في الجبل الذين قاتلوا ضد الفرنسيين. عاش فريد في القاهرة في حجرتين صغيرتين مع والدته علياء بنت المنذر وشقيقه فؤاد وأسمهان، والتحق بإحدى المدارس الفرنسية «الخرنفش» واضطر إلى تغيير اسم عائلته فأصبحت كوسا بدلاً من الأطرش، وهذا ما كان يضايقه كثيراً. وذات يوم زار المدرسة هنري هوواين فأعجب بغناء فريد وراح يشيد بعائلة الأطرش أمام أحد الأساتذة، فطرد فريد من المدرسة، التحق بعدها بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك.
نفد المال الذي كان بحوزة والدته وانقطعت أخبار الوالد، وهذا ما دفعها إلى الغناء في روض الفرح لأن العمل في الأديرة لم يعد يكفي. وافق فريد وفؤاد على هذا الأمر بشرط مرافقتها حيثما تذهب.
حرصت والدة فريد على بقائه في المدرسة، غير أن زكي باشا أوصى مصطفى رضا بأن يدخله معهد الموسيقى، فعزف فريد في المعهد وتم قبوله فأحس كأنه ولد في تلك اللحظة.
وإلى جانب المعهد بدأ ببيع القماش وتوزيع الإعلانات من أجل إعالة الأسرة، وبعد عام بدأ بالتفتيش عن نوافذ فنية ينطلق منها حتى التقى بفريد غصن والمطرب إبراهيم حمودة الذي طلب منه الانضمام إلى فرقته للعزف على العود.
أقام زكي باشا حفلة يعود ريعها إلى الثوار، وأطل فريد تلك الليلة على المسرح وغنّى أغنية وطنية ونجح في إطلالته الأولى. وبعد جملة من النصائح، اهتدى إلى بديعة مصابني التي ألحقته مع مجموعة المغنين ونجح أخيراً في إقناعها بأن يغني بمفرده. ولكن عمله هذا لم يكن يدرّ عليه المال، بل كانت أموره المالية تتدهور إلى الوراء. فبدأ العمل في محطة شتال الأهلية حتى تقرر امتحانه في المعهد ولسوء حظه أصيب بزكام وأصرّت اللجنة على عدم تأجيله ولم يكن غريباً أن تكون النتيجة فصله من المعهد.
ولكن مدحت عاصم طلب منه العزف على العود للإذاعة مرة في الأسبوع، فاستشاره فريد في ما يخص الغناء، خصوصاً بعد فشله أمام اللجنة فوافق مدحت بشرط الامتثال أمام اللجنة وكانو الأشخاص أنفسهم الذين امتحنوه سابقاً، إضافة إلى مدحت. غنّى أغنية «الليالي» والموال لينتصر أخيراً ويبدأ في تسجيل أغنياته المستقلة. سجل أغنيته الأولى «يا ريتني طير لأطير حواليك» من كلمات وألحان يحيى اللبابيدي، فأصبح يغني في الإذاعة مرتين في الأسبوع، لكن ما كان يقبضه كان زهيداً جداً.
استعان فريد بفرقة موسيقية وبأشهر العازفين كأحمد الحفناوي ويعقوب طاطيوس وغيرهما وزود الفرقة بآلات غربية إضافة إلى الآلات الشرقية وسجّل الأغنية الأولى وألحقها بثانية «بحب من غير أمل» وبعد التسجيل خرج خاسراً، لكن تشجيع الجمهور عوّض خسارته وعلم أن الميكروفون هو الرابط الوحيد بينه وبين الجمهور، ولُقّب بـ «ملك العود» و«موسيقار الأزمان».
نجاح سينمائي
وفي عالم السينما؛ شارك فريد في 31 فيلماً سينمائياً كان بطلها جميعاً، وقد أنتجت هذه الأفلام في الفترة الممتدة من السنة 1941 حتى السنة 1975. أشهر الأفلام على الإطلاق والذي جنى بسببه أرباحاً طائلة هو فيلم «حبيب العمر»، لأنه مثّل قصة حب حقيقية.
ولفيلم «عهد الهوى» المقتبس عن الكسندر توماس الصغير عن روايته غادة الكاميليا قصة، ففي العشرينات من القرن الماضي، قام يوسف وهبي بعرض مسرحية حول مادة الرواية، وشاركته البطولة الفنانة روز اليوسف واسمها مارغريت أما اسمه أرمان، وكان هذا العرض قد أثار ضجة كبيرة وحقق أرباحاً طائلة وهو من أوائل العروض المسرحية الكبيرة ليوسف وهبي، وبعد سنوات طويلة قام يوسف وهبي بإقناع فريد بدور أرمان ومريم فخر الدين بدور مارغريت، أما يوسف وهبي نفسه فاكتفى بدور الأب.
كان فريد الأطرش يختار القصص بعناية، وبالذات القصص التي تتقاطع ولو قليلاً مع قصة حياته. ففيلم «عهد الهوى» يمثل فقدان الحبيب بعد أن غفر له كل زلاته أو حتى كبائره، وخداع الآخرين له. وفيلم «حكاية العمر كله»، وهو من الأفلام المهمة لفريد يمثل ضياع العمر بالنسبة إليه، وعدم جدوى فائدة البحث عن الحبيب بعد ذلك. أما فيلم «ودعت حبك»، والذي أثار ضجة كبيرة حين عُرِض بسبب وفاة البطل في النهاية، فلم يقنع المتفرجين سوى خروج فريد فاتحاً الستار ليقول للمتفرجين ها أنا ذا لم أمت. وفي فيلم «رسالة من امرأة مجهولة»، تقاطعت الأحداث مع قصة حياة الموسيقار فريد الأطرش. وكان الفيلم هذا تحولاً في حياة الفنانة التي شاركته بطولة الفيلم، لبنى عبد العزيز، وغرس حب الموسيقار وطيبته. والتي طالما أنصفته وتكلمت بجرأة عنه غير مهتمة بآراء الآخرين التي تريد تذويب قيمة فن ومشوار هذا الموسيقار الكبير.
فريد... والحب
عاش فريد الأطرش قصص حب لم تكلل بالزواج، فقد عرّفه صديقه إلى حسناء في ميدان السباق، فحدث بينهما الإعجاب وتطوّر اللقاء الى حب، فأصبحت حياته رائعة، ولكن ما أتى به من الحب أخذته الغيرة العمياء.
وتعرّف أيضا أثناء تصويره فيلم «انتصار الشباب» إلى فتاة تفتّش عن دور لها في الفيلم، تطوّرت العلاقة بينهما، وما أن علمت أن لا أمل من زواجها به حتى تزوجت من الأمير كي شرند كينغ.
وتعرّف إلى الراقصة الجزائرية ناريمان خلال عودته من باريس وأعجب بها، وكان ينوي الزواج بها ولكن والدتها صرحت في إحدى الصحف بأنه غير كفؤ للزواج من ابنتها، إذ لا يجدر بالفنان أن يتزوج ملكة سابقة، وهكذا نسي أمر زواجه.
طلب من أخيه وزوجته أن يذهبا ليخطبا له فتاة رآها في مجلة قرأها، تعجّبا لطلبه لكنهما ذهبا بعد إصراره، فرجعا خائبين إذ إن الفتاة مخطوبة وزواجها قريب. وخلال مرضه حطّت على قلبه المتعب قصة حب أخيرة أعادت إليه البسمة، وكان حبه هذه المرة للفنانة شادية.
عُرِف عن فريد عادات جميلة وأخرى سيئة، فكان إدمانه على القمار من تلك العادات السيئة، وعرف أيضاً حبه للخيل. ذات يوم، وفيما كان في ميدان السباق، راهن على حصان وكسب الجائزة وعلم في الوقت عينه بوفاة أخته أسمهان في حادث سيارة، فترك موت أخته أثراً عميقاً في قلبه وخُيّل إليه أن المقامرة بعنف ستنقذه.
تعرّض لذبحة صدرية وبقي سجين غرفته، تسليته الوحيدة كانت التحدث مع الأصدقاء وقراءة المجلات، اعتبر أن علاجه الوحيد هو العمل، وبينما كان يكدّ في عمله سقط من جديد واعتبر الأطباء سقطته هذه النهائية، ولكن في الليلة نفسها أراد الدخول إلى الحمام فكانت السقطة الثالثة وكأنها كانت لتحرك قلبه من جديد وتسترد له الحياة، فطلب منه الأطباء الراحة والرحمة لنفسه لأن قلبه يتربص به، وهكذا بعد كل ما ذاقه من تجارب وما صادف من عقبات عرف حقيقة لا يتطرق إليها شك، وهي أن البقاء للأصح. وقد توفي في مستشفى الحايك في بيروت إثر أزمة قلبية وذلك في العام 1974 عن عمر 64 سنة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي