يثار بين حين وآخر تساؤلات حول حجم الموجودات الحكومية وآلية الحفاظ عليها وضبط إيقاعاتها على ميزان الإيرادات والمصروفات والاستثمار. لكن ما هي هذه الموجودات؟ وكيف يمكن حمايتها من العبث والضياع؟ عموما تتشكل الموجودات الحكومية من الإيرادات النفطية ومشتقاتها السنوية، والممتلكات المادية العامة والأموال المستثمرة بأصولها وفوائدها. وهذه الموجودات بطبيعة الحال ليست ثابتة، فالمفترض أن تتزايد مع الزمن في إطار المعادلة بين الإيرادات والمصروفات والتغيرات في حجم سلة الممتلكات العامة بمختلف أنواعها. فرأس مال الدولة ليس هو ما يرد إليها فقط من أموال جراء بيع النفط، وإنما أيضاً كل ما تملكه الدولة في الداخل والخارج، وتساهم في تفعيل الإيراد وزيادة حجم رأس المال والممتلكات.
هذه الموجودات من حيث هيكلتها وحجمها تحتاج إلى نظام محكم يمنع العبث فيها أو استغلالها في غياب التشريع والرقابة، خصوصاً وأن إيرادات الدولة المالية في ارتفاع بسبب الفوائض المالية جراء بيع النفط. كما أن سهولة الهدر الناجم أيضاً من اتخاذ قرارات غير مدروسة تفتح المجال أكثر إلى ضياع المال العام كما يحدث عادة في رفع الرواتب، والهبات، والمساعدات المالية في الداخل والخارج، وحتى في اتخاذ قرارات خاطئة. وتشير الصحافة بين حين وآخر إلى جوانب تمثل العبث في المال العام، أو الفساد في الذمم تتجلى في أمور كثيرة مثل بيع الديزل المهرب، وأزمة الداوكيميكال، وتضخم إيداعات بعض أعضاء المجلس النيابي، والتلاعب في بعض عقود المشاريع الحكومية، واستغلال الممتلكات العامة بطريقة غير مشروعة، وغيرها...
إن غياب الشفافية في الحفاظ على المال العام، وضعف الرقابة عليه، وحجب المعلومات عن الهيكلة العامة للموجودات، وعدم اطلاع المجلس النيابي الذي يفترض فيه أن يكون على بينة كاملة بتفاصيل هذه الموجودات مسألة لا بد أن يتوقف عندها المجلس مهما كانت المبررات المانعة كالقول إنها سرية أو تمس الأمن الوطني الذي نقدر أهميته، لكننا في الوقت نفسه نعارض استغلال القصد لتجنب الأخطاء أو التكسب غير المشروع أو الالتفاف على القانون...
إن المجلس النيابي معني بالدرجة الأولى ووفق الدستور الذي ينص على دوره في الرقابة والتشريع أن يكون على معرفة تامة بالموجودات من أموال وممتلكات وأصول واستثمارات بفوائدها أو خسائرها وغيرها من مكونات تشكل عناصر أساسية ثابتة ومتغيرة في سلة الموجودات الحكومية. كذلك لا بد من التعرف على المتغيرات التي تحدث لها في فترات زمنية مختلفة مما يوفر معلومات حقيقية عن تلك المتغيرات التي ينبغي أن تؤدي إلى تحليلات موضوعية يقودها المجلس النيابي في مساءلته الموضوعية للحكومة عن أي خطأ أو اختلال واضح لمختلف الموجودات.
لا نريد أن ينتظر المجلس ليقدم الاستجوابات بعد الوقوع في الأخطاء، وإنما المهم أن يتم تقييم الواقع والمتغيرات وتصويب أعمال الوزراء أولاً بأول. فالتعاون مع الحكومة وتوجيهها من البداية وبشكل موضوعي بلا شك يساعد على اتخاذ الاحتياطات والانتباه تجنباً من الوقوع في الخطأ أو الخلل. فتفادي الأخطاء كلما أمكن باتباع الأساليب العلمية له أهمية بالغة لحماية الموجودات الحكومية التي، مع الأسف، يكثر الحديث وأحياناً الإشاعات عند الناس من أنها معرضة للنهب والفساد...
د.يعقوب أحمد الشراح
[email protected]