« بعد ذلك سأله غولدبرغ عن رأي «الشارع العربي» في هذه الحال، فقال الامير ان «المسلمين السنة سيحبّونها»، مضيفا ان «المسلمين السنة معادون كثيرا للشيعة ومعادون كثيرا جدا لايران».
وسأله غولدبرغ عما اذا كان متأكدا من ان العرب يكرهون ايران اكثر من اسرائيل، فقال: «انظر. ايران تاريخيا تهديد كبير. الامبراطورية الفارسية كانت دائما ضد الامبراطورية العربية الاسلامية وخصوصا ضد السنة. التهديد يأتي من فارس وليس من اسرائيل».
ما سبق هو منقول حرفيا من الحوار الذي دار بين صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال مع الصحافي الأميركي جيفري جولدبرغ، والذي نحترم بالمناسبة انتماءه للديانة اليهودية الكريمة، ولكن لا يفوتنا طبعا الاشارة لارتباط الكثير من العاملين في المجال الاعلامي الأميركي وخصوصا اليهود منهم باللوبي الصهيوني وخدمة مصالحه وتنفيذ أجنداته، والتي بدورها لا تخدم بلداننا أو تراعي مصالح «شعوبها».
هذا الحوار الخطير، وما جاء فيه من تصريحات بائسة، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، إذ أنه يكشف عن الكثير مما كان يحدث خلف الأبواب المغلقة، ولكن تسارع الأحداث في المنطقة، وخصوصا مع ضيق صدر بعض الأطراف الإقليمية بالاتفاق الأخير بين إيران والدول الكبرى قد أفضى لحالة من الهستيريا الغريبة دفعت بهم للتصعيد المحموم ضد ايران والادارات الغربية، وهو ما لم يكن ليثيرنا كثيرا لولا اشتماله على جر المجتمع بمكوناته المتعددة لمواجهة خطيرة تعتمد سلاحي المذهب والأصول العرقية في مواجهة لا تبقي ولا تذر!
لا نعلم في الحقيقة عن اهتمامات سمو الأمير بعلم التاريخ والأديان، لكن تصريحات من هذا النوع تكشف عن واقع فكري وثقافي مقلق لمن نخالهم من علية القوم، إذ أن الحديث عن امبراطورية فارسية في مقابل أخرى عربية و«إسلامية»، يلغي بجرة قلم ألف عام من إيران السنية، ويتناسى حقيقة أن معظم الأسماء البارزة في علوم الفقه والحديث الإسلامية السنية، بل وحتى في علوم اللغة العربية نفسها، كانوا فرسا «أقحاح»، وأن تاريخ إيران الشيعية هو حديث وقصير نسبيا بالمقارنة مع تاريخها السني، بل ويا للمفارقة، فإن ايران تحولت للمذهب الشيعي على يد أسرة أبناء صفي الدين الأردبيلي سنية المذهب بالأساس، وأن تلك الأسرة استعانت بعلماء دين شيعة عربا من البحرين وجنوب لبنان للمساهمة في نشر المذهب الشيعي في ايران!
إن رد الصراعات والخلافات السياسية والاقتصادية لجذور عرقية وطائفية هي لعبة قديمة وسخيفة جدا لدرجة كارثية، وقد أدركت الأمم المتحضرة حقيقة الطموحات المادية التي تكمن في جوهر كل صراع يرفع أطرافه شعارات زائفة و«كلام كبير» يخفي من ورائه كما رهيبا ومخيفا من الطمع والجشع الذي لا يخدم إلا مصالح فئة قليلة تتكسب على حساب الشعوب وآمالها وآلامها.
صاحب السمو الملكي الأمير الوليد يعلن بطريقة واثقة ومخيفة أن المسلمين السنة معادون كثيرا للشيعة، ولا ندري من فوضه لإطلاق هكذا تعميم خطير، إلا إن كان سموه يعتبر ما يعتمل في صدره مثلا معبرا عن عموم السنة في مقابل عموم الشيعة، وهو أمر جد مقلق صدوره ممن هو في مكانة سموه ووضعه، نقول هذا ولا يسعنا المقال اليوم للتطرق لغزل سموه بإسرائيل والذي نتركه للمهتمين للتعامل معه.
د. سليمان الخضاري
Twitter: @alkhadhari