البلدة العرقوبية على تخوم الجولان المحتل تحولت رئة تتنفس منها المعارضة وسط «شظايا» الأزمة
شبعا اللبنانية «تفيض» بالنازحين وجرحاهم و... بوهج الصراعات السورية

البغال من وسيلة للتهريب الى وسيلة لنقل الجرحى

نازحات

عناية «بما تيسر» بالاطفال السوريين

اسعاف احد الجرحى في شبعا








| بيروت - من اسامة القادري |
معركة «عرنة» السورية قاب قوسين او ادنى، تتحضر «المعارضة» في تخوم شبعا اللبنانية وبيت جن السورية لاقتحامها، ما قد يكون الفتيل لفتنة «سنية درزية»** في العرقوب والبقاع الغربي.
... صعوبة الطريق الى بلدة شبعا العرقوبية في الجنوب الشرقي اللبناني، عند تخوم الجولان المحتل، وجغرافيا المنطقة بتعرجاتها صعوداً حيناً ونزولاً احياناً، لم تجعلها بمنأى عن الازمة السورية وتشظياتها.
تلك البلدة الحدودية النائية، والتي عانت ما عانته إبان الاحتلال الاسرائيلي، فرض عليها اليوم ايضاً موقعها الجغرافي والطائفي ان تتحمل وزر ضغوط النازحين السوريين اليها، بامكانات جداً ضئيلة امام ضغط اللاجئين الهائل والذين يبلغ عددهم نحو 5 الاف، وسط ترجيحات بان يزداد العدد كلما اشتدت المعارك في المقلب الآخر داخل الحدود السورية في ريف دمشق الجنوبي الغربي.
طريق جبلية وعرة عند تخوم جبل الشيخ، كانت قبل العام 2000، اي قبل التحرير من الاحتلال الاسرائيلي، متنفساً لأبناء شبعا الى سورية للتهريب بالاتجاهين عبر «البهائم» (البغال)، لتتحول اليوم رئةً تتنفس منها المعارضة السورية وأبناء القرى المقابلة في الجانب السوري الذين لجأوا الى شبعا التي صارت تبدو لكل مَن يقصدها، كأنها بلدة سورية، بعدما بات عدد النازحين فيها أضعاف ابنائها المقيمين فيها ولا سيما في فصل الشتاء، علماً ان تعداد أبنائها هو نحو 40 الف نسمة، قرابة 90 في المئة منهم اختاروا إما الهجرة الى الخارج او النزوح الى المدن اللبنانية نتيجة الاحتلال الذي كان قائماً وفقدان ادنى مقومات الحياة.
مَن يقصد شبعا لا يمكنه الا التوقف عند الطريق التي تربطها ببيت جن (الموالية للمعارضة السورية) السورية والتي تحولت «قنبلة مذهبية» وخرجت الى الضوء مع اعلان الوزير السابق وئام وهاب (الدرزي القريب من النظام السوري) «ان البعض يستغل شبعا (ذات الغالبية السنية ) لإمداد المسلحين في سورية الذين يقتلون أهلنا في حضر وعرنة (الاخيرة ذات اكثرية درزية) وهذا أمر غير مقبول»، محذراً من ان «ذلك يمكن أن يخلق فتنة كبيرة في منطقة العرقوب وحاصبيا (ذات الغالبية الدرزية)»، وهو ما قرع «جرس الإنذار» من امكان ان ينتقل التوتر في العلاقة بين بعض المناطق السنية والدرزية على الجانب السوري من الحدود الى المقلب اللبناني، رغم ان العلاقة بين «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) والزعيم الدرزي وليد جنبلاط تبقى، وفوق الافتراق السياسي، بمثابة «شبكة امان» لمنع اي «تسرُّب» فتنوي الى منطقة جنوب شرق لبنان التي يوجد فيها سنة ودروز.
وقوبل تحذير وهاب باعتراض كبير من اهالي شبعا الذين اكدوا انهم يقدمون مساعدة اغاثية وانسانية للنازحين والجرحى، متحدثين عن رغبة عارمة في دفع البلدة الى وقف اسعاف الجرحى وعمليات نقلهم الى مستشفيات البقاع عبر طريق حاصبيا وراشيا الوادي (ذات الغالبية الدرزية) باعتبار ان هؤلاء الجرحى يقتلون الدروز في بلدات عرنة وبقعسم.
وكانت تقارير عدة اشارت الى ان عرنة ذات طابع استراتيجي وان سقوطها بيد المعارضة السورية، يعني بالعلم العسكري وصولها على بعد 7 كيلومترات عن دمشق، لان هذه البلدة الدرزية تقع في محيط معارض للنظام السوري، وهي على مقربة أيضاً من القنيطرة، ولذلك هي تتعرض لهجمات من المعارضين لاسقاطها وهو ما دفع الوزير وهاب الى إشراك عناصر من حزبه (التوحيد العربي) في معركة منع اسقاطها ولا سيما بعدما حاول المعارضون قبل فترة التقدم باتجاهها فتم التصدي لهم حيث سقط الاربعة من «حزب التوحيد العربي» الذين نعاهم علناً.
«الراي» جالت في المنطقة ووصلت الى تخوم شبعا، حيث كان شبان من الجماعة الاسلامية وجمعيات خيرية اخرى وبرفقتهم سيارات الصليب الاحمر اللبناني والدولي، منهمكين باجلاء الجرحى والعائلات النازحة من منطقة بيت جن وجباتا الخشب والقرى المجاورة لها، فيما كان عناصر الجيش اللبناني يتولون تسجيل اسماء كل مَن يدخل الاراضي اللبنانية، وتفتيش الدواب التي تنقل المصابين.
ويقول الشاب «ملحم» ان جل ما يقومون به هو اغاثة الجرحى والاطفال والنساء الهاربين من الموت. ويستعرض الشاب «المهمات الثقيلة التي نقوم بها لبلسمة جزء من معاناة النازحين»، منتقداً تهديدات وهاب التي اعتبر انها «لغاية في نفس «معلمه»(الرئيس) بشار الاسد بإشعال المنطقة كما يفعل في طرابلس وعرسال، بهدف اضعاف المعارضة على طول السلسلة الشرقية، باعتبار ان الريف الغربي الجنوبي لدمشق هو امتداد للقلمون»، ليختم: «لن نتخلى عن واجبنا الانساني كرمى لعيون وهاب وغيره».
بدوره رأى مسؤول الجماعة الاسلامية علي ابو ياسين، في اتهامات مؤيدي النظام السوري انها «مجرد اتهامات متناقضة مع عملنا الانساني والاغاثي»، وقال: «لا ننكر اننا نؤيد المعارضة السورية، ونغيث المصابين مدنيين ومقاتلين، انما هذا ليس مبرراً لأن يستنفر مسلحو النظام في لبنان كي يقطعوا الطريق امام سيارات الاسعاف، هذا عمل ملحق بإجرام الأسد»، نافياً ان يكون في المنطقة ظهور مسلح كما يدعي البعض «فنحن لا نقبل ان ننقل الصراع من سورية الى لبنان، مهما كلف الامر، وايضاً لن نقبل ان نكون اداة تخدم النظام السوري في تحويل ثورة شريفة الى طائفية ومذهبية».
وما ينفيه مسؤولو الجماعات الاسلامية والسلفية عن ايواء وحماية العشرات من عناصر «جبهة النصرة» و«الجيش السوري الحر»، يتمسك بتأكيده أكثر من مصدر امني وحزبي في البلدة لافتين الى «ان العشرات دخلوا شبعا، ومنهم اتوا كجرحى، ومنهم دخلوا مع عائلاتهم كنازحين وعلى رأسهم اياد كمال قائد لواء الجيش الحر في منطقة جباتا الخشب وبيت جن، الملقب بـ «مارو»، وهو كان دخل شبعا جريحاً قبل اربعة اشهر وما لبث ان اعاد تنظيم العناصر الذين يُقدر عددهم بنحو 260 ليتم تقسيمهم الى ثلاثة افواج، يتناوبون على الخدمة والمشاركة في المعارك في منطقة ريف دمشق الغربي في شكل اسبوعي، ثم يعودون الى عائلاتهم في شبعا للاستراحة دون ظهور مسلح، الى ان وقعت معركة «بلدة عرنة الدرزية» قبل نحو ثلاثة اسابيع اثر محاولة الجيش الحر و«جبهة النصرة» اقتحامها، بعد سيطرتهم على تلة حربون، ما ادى الى سقوط عشرات القتلى والجرحى من «الثوار»، وبينهم بحسب احد الجرحى امير «جبهة النصرة» في قطنا احمد القادري ونائبه، قبل ان يتم نقل الجرحى الى شبعا ومن ثم الى مستشفيات البقاع الغربي والاوسط».
وقد اثارت هذه المعركة حفيظة ابناء قرى حاصبيا وراشيا الوادي، من الطائفة الدرزية، فنزلوا الى الشارع وقطعوا الطريق الرئيسية في عين عطا وحاصبيا امام سيارات الصليب الاحمر التي كانت تقل 86 جريحاً تَسلمهم من الجيش اللبناني بعد وصولهم على ظهر «البغال» من بيت جن، ما اضطر الى تدخل الجيش وتحويل وجهة سيرها الى طريق شبعا كفرشوبا الهبارية ذات الغالبية السنية، مروراً بسوق الخان وصولاً الى الرفيد ومن ثم الى مستشفى جب جنين في البقاع الغربي. ومع هذه المسافة الطويلة قضى جريح متأثراً بطول الوقت للوصول الى المستشفى، وهو ما ادى الى تفاقم الامور، وسط مخاوف من ان تتحول شبعا الى «عرسال» ثانية، او ارتسام «خط تماس» جديد اشبه بمحاور باب التبانة - جبل محسن، بوجه طائفي آخر، (سني درزي)، ما وضع المنطقة على صفيح ساخن، استنفرت حياله جميع القوى الحزبية والسياسية في مسعى لتهدئة الاجواء.
وبحسب مصادر قريبة من النائب وليد جنبلاط، فإن حماوة الوضع ونزول مناصرين له الى جانب خصومه من القوى الدرزية الاخرى والحزب السوري القومي الاجتماعي ليعملوا على منع سيارات الاسعاف، مبررين تحركهم بأن المصابين يقتلون دروز عرنة السورية، دفع الزعيم الدرزي الى إرسال موفد من جانبه بهدف اضفاء التهدئة بين محازبيه الذين لم يمتثلوا لمسؤولي «الحزب التقدمي الاشتراكي» في المنطقة، فعُقد اجتماع مع مشايخ خلوات البياضة سمع خلاله الموفد الجنبلاطي رسالة الى «البيك» (جنبلاط) من كبار المشايخ المحسوبين عليه في منطقة حاصبيا راشيا مفادها: «اما ان يتم وقف الامداد للمسلحين في بيت جن وقطنا وجباتا الخشب عبر شبعا من الداخل اللبناني، وإما سنضطر لتوقيفه بانفسنا ولن نكون لقمة سائغة».
وهذه العبارات كانت كافية لان يقرع جنبلاط «ناقوس الخطر» ويكلف قيادة الحزب الاشتراكي في راشيا بشخص الوزير وائل ابو فاعور عقد اجتماع موسع مع قيادة الجماعة الاسلامية، فتمّ الاتفاق على لقاء اوسع مع احزاب وفعاليات المنطقة في بلدة مرج الزهور الواقعة بين منطقة راشيا والعرقوب.
وحصل الاجتماع بين الاشتراكي وتيار المستقبل والجماعة الاسلامية، وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلي جمعيات اسلامية خيرية بغية الاتفاق على استمرار عملية الاغاثة وتأمين طريق اسعاف الجرحى الى مستشفيات البقاع الغربي دون ان يعترضها احد، على حد تعبير ابو فاعور في كلمته خلال اللقاء الذي لم يحضره اي من الاحزاب الدرزية المحسوبة على قوى 8 آذار التي وصفته بـ «اللقاء الفاشل، ما دامت قوى اساسية غابت عنه»، على حد تعبير النائب السابق فيصل الداوود.
ولم يمر وقت قبل ان تصدر تهديدات من بعض الاطراف التي لم تشارك في لقاء مرج الزهور بأنه ما لم يتوقف مرور سيارات الاسعاف سيضطرون الى وقفها بالقوة، ولا سيما بعد ورود معلومات عن أن فصائل المعارضة السورية بصدد هجوم آخر على بلدة عرنة، ما ينذر بعودة حركة اجلاء الجرحى ونقلهم من شبعا الى مستشفيات البقاع الغربي.
في موازاة ذلك، استعاد «احمد» احد المقاتلين الجرحى الذين تم اسعافهم الى مستشفى جب جنين ( البقاع) كيف تدخلت طائرات «النظام» و«قصفتنا في عرنة»، مؤكداً ان إصابته في بطنه لن تردعه عن معاودة القتال و«تحرير عرنة وحضر وبقعسم من الاحتلال الاسدي»، ونافياً ان تكون المعارك التي يخوضها الجيش الحرّ تتخذ بعداً طائفياً أو مذهبياً، كما يحاول البعض تصويره، ومشيراً الى انه شارك بالقتال في قرى ذات غالبية سنية «نحن نحارب النظام ولا نحارب طوائف ومذاهب، النظام واذنابه في لبنان يتعاملون مع السنّة على انهم اعداء. ونحن ليست لدينا طائفة عدوة، وجل ما نريده تحرير بلادنا من المجرمين».
وعما يشاع عن انهم يدخلون شبعا بسلاحهم، قال: «كنا نأتي الى شبعا لزيارة عائلاتنا. نترك سلاحنا داخل الاراضي السورية، «هون ما لنا حاجة فيه، حاجتنا اليه في المعارك».
كلام الجريح احمد يؤكده ما يتسرب من معلومات عن أعداد المقاتلين الذين يجدون من الممر بالقرب من الموقع الاسرائيلي الرابض في جبل الشيخ، والمطل على مساحة واسعة من الاراضي السورية، مستقراً آمناً لأن يتجمع نحو 1000 مقاتل بمحاذاة الشريط الشائك، بأسلحتهم وعتادهم بهدف الانقضاض على «عرنة» من جديد، خلال الايام المقبلة، قبل تساقط الثلوج وانسداد الطريق واعاقة هجومهم على عرنة كونها تشكل حاجزاً امام الوصول الى قطنا وخط دمشق امتداداً الى القلمون والسلسلة الشرقية.
ويقول مازن الجولاني، المسؤول العسكري الاول في حركة النضال التابعة للنائب السابق فيصل الداوود، المؤيدة للرئيس الاسد في منطقة وادي التيم، انه بحال وقعت معركة عرنة وبدأت وفود الجرحى تتوافد الى المنطقة عبر جرود شبعا بيت جن، فان هذا يضع شبعا والعرقوب والقرى السنية في منطقة راشيا امام آتون فتنة، بوجه القرى الدرزية، في منطقتي حاصبيا وراشيا الوادي، مضيفاً: «فشلت مساعي السياسيين بمنع اجلاء الجرحى، وايضاً فشلت بوقف الامداد العسكري واللوجستي الى المجموعات الارهابية في بيت جن، من قرى البقاع الغربي مروراً بقرى راشيا وحاصبيا وصولاً الى شبعا، ومن ثم الى المسلحين، وبحال عاودوا اقتحام عرنة، يعني ان مواكب الجرحى ستمر من قرانا في حاصبيا وراشيا، هذا قد يشعل المنطقة بنار الفتنة عند اي احتكاك خلال اجلاء جرحى او نقل اسلحة وأعتدة بحجة انها مساعدات اغاثية».
واذ لفت الجولاني ان لقاء مرج الزهور، وما انبثق عنه «لا يعنينا لانه كان بمثابة مَن يحاور نفسه»، قال «عمر» المنتمي لاحد التيارات السلفية ان «تهديدات وهاب ما هي الا جعجعة، لن تخيفنا، بل تزيد من عزيمتنا على مواجهة الطاغية واعوانه»، واضاف: «مساعدة الثوار والنازحين واجب علينا. وبحال اقفلوا الطريق في حاصبيا وراشيا امام سيارات الاسعاف، سنقفل الطريق بوجههم على طول خطي البقاع من الرفيد حتى مجدل عنجر في البقاع الاوسط»، لافتاً الى «ان كل ما نقوم به لا يتعدى المساعدات الاغاثية، فالثوار لا يحتاجون رجالاً ونحن فقط نجلي الجرحى، ونغيث الهاربين من دموية بشار، وان اضطر الامر للرد على وهاب وغيره بحال تطاولوا على ابناء شبعا والسنة في المنطقة، فلن نقف مكتوفي الايدي».
معركة «عرنة» السورية قاب قوسين او ادنى، تتحضر «المعارضة» في تخوم شبعا اللبنانية وبيت جن السورية لاقتحامها، ما قد يكون الفتيل لفتنة «سنية درزية»** في العرقوب والبقاع الغربي.
... صعوبة الطريق الى بلدة شبعا العرقوبية في الجنوب الشرقي اللبناني، عند تخوم الجولان المحتل، وجغرافيا المنطقة بتعرجاتها صعوداً حيناً ونزولاً احياناً، لم تجعلها بمنأى عن الازمة السورية وتشظياتها.
تلك البلدة الحدودية النائية، والتي عانت ما عانته إبان الاحتلال الاسرائيلي، فرض عليها اليوم ايضاً موقعها الجغرافي والطائفي ان تتحمل وزر ضغوط النازحين السوريين اليها، بامكانات جداً ضئيلة امام ضغط اللاجئين الهائل والذين يبلغ عددهم نحو 5 الاف، وسط ترجيحات بان يزداد العدد كلما اشتدت المعارك في المقلب الآخر داخل الحدود السورية في ريف دمشق الجنوبي الغربي.
طريق جبلية وعرة عند تخوم جبل الشيخ، كانت قبل العام 2000، اي قبل التحرير من الاحتلال الاسرائيلي، متنفساً لأبناء شبعا الى سورية للتهريب بالاتجاهين عبر «البهائم» (البغال)، لتتحول اليوم رئةً تتنفس منها المعارضة السورية وأبناء القرى المقابلة في الجانب السوري الذين لجأوا الى شبعا التي صارت تبدو لكل مَن يقصدها، كأنها بلدة سورية، بعدما بات عدد النازحين فيها أضعاف ابنائها المقيمين فيها ولا سيما في فصل الشتاء، علماً ان تعداد أبنائها هو نحو 40 الف نسمة، قرابة 90 في المئة منهم اختاروا إما الهجرة الى الخارج او النزوح الى المدن اللبنانية نتيجة الاحتلال الذي كان قائماً وفقدان ادنى مقومات الحياة.
مَن يقصد شبعا لا يمكنه الا التوقف عند الطريق التي تربطها ببيت جن (الموالية للمعارضة السورية) السورية والتي تحولت «قنبلة مذهبية» وخرجت الى الضوء مع اعلان الوزير السابق وئام وهاب (الدرزي القريب من النظام السوري) «ان البعض يستغل شبعا (ذات الغالبية السنية ) لإمداد المسلحين في سورية الذين يقتلون أهلنا في حضر وعرنة (الاخيرة ذات اكثرية درزية) وهذا أمر غير مقبول»، محذراً من ان «ذلك يمكن أن يخلق فتنة كبيرة في منطقة العرقوب وحاصبيا (ذات الغالبية الدرزية)»، وهو ما قرع «جرس الإنذار» من امكان ان ينتقل التوتر في العلاقة بين بعض المناطق السنية والدرزية على الجانب السوري من الحدود الى المقلب اللبناني، رغم ان العلاقة بين «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) والزعيم الدرزي وليد جنبلاط تبقى، وفوق الافتراق السياسي، بمثابة «شبكة امان» لمنع اي «تسرُّب» فتنوي الى منطقة جنوب شرق لبنان التي يوجد فيها سنة ودروز.
وقوبل تحذير وهاب باعتراض كبير من اهالي شبعا الذين اكدوا انهم يقدمون مساعدة اغاثية وانسانية للنازحين والجرحى، متحدثين عن رغبة عارمة في دفع البلدة الى وقف اسعاف الجرحى وعمليات نقلهم الى مستشفيات البقاع عبر طريق حاصبيا وراشيا الوادي (ذات الغالبية الدرزية) باعتبار ان هؤلاء الجرحى يقتلون الدروز في بلدات عرنة وبقعسم.
وكانت تقارير عدة اشارت الى ان عرنة ذات طابع استراتيجي وان سقوطها بيد المعارضة السورية، يعني بالعلم العسكري وصولها على بعد 7 كيلومترات عن دمشق، لان هذه البلدة الدرزية تقع في محيط معارض للنظام السوري، وهي على مقربة أيضاً من القنيطرة، ولذلك هي تتعرض لهجمات من المعارضين لاسقاطها وهو ما دفع الوزير وهاب الى إشراك عناصر من حزبه (التوحيد العربي) في معركة منع اسقاطها ولا سيما بعدما حاول المعارضون قبل فترة التقدم باتجاهها فتم التصدي لهم حيث سقط الاربعة من «حزب التوحيد العربي» الذين نعاهم علناً.
«الراي» جالت في المنطقة ووصلت الى تخوم شبعا، حيث كان شبان من الجماعة الاسلامية وجمعيات خيرية اخرى وبرفقتهم سيارات الصليب الاحمر اللبناني والدولي، منهمكين باجلاء الجرحى والعائلات النازحة من منطقة بيت جن وجباتا الخشب والقرى المجاورة لها، فيما كان عناصر الجيش اللبناني يتولون تسجيل اسماء كل مَن يدخل الاراضي اللبنانية، وتفتيش الدواب التي تنقل المصابين.
ويقول الشاب «ملحم» ان جل ما يقومون به هو اغاثة الجرحى والاطفال والنساء الهاربين من الموت. ويستعرض الشاب «المهمات الثقيلة التي نقوم بها لبلسمة جزء من معاناة النازحين»، منتقداً تهديدات وهاب التي اعتبر انها «لغاية في نفس «معلمه»(الرئيس) بشار الاسد بإشعال المنطقة كما يفعل في طرابلس وعرسال، بهدف اضعاف المعارضة على طول السلسلة الشرقية، باعتبار ان الريف الغربي الجنوبي لدمشق هو امتداد للقلمون»، ليختم: «لن نتخلى عن واجبنا الانساني كرمى لعيون وهاب وغيره».
بدوره رأى مسؤول الجماعة الاسلامية علي ابو ياسين، في اتهامات مؤيدي النظام السوري انها «مجرد اتهامات متناقضة مع عملنا الانساني والاغاثي»، وقال: «لا ننكر اننا نؤيد المعارضة السورية، ونغيث المصابين مدنيين ومقاتلين، انما هذا ليس مبرراً لأن يستنفر مسلحو النظام في لبنان كي يقطعوا الطريق امام سيارات الاسعاف، هذا عمل ملحق بإجرام الأسد»، نافياً ان يكون في المنطقة ظهور مسلح كما يدعي البعض «فنحن لا نقبل ان ننقل الصراع من سورية الى لبنان، مهما كلف الامر، وايضاً لن نقبل ان نكون اداة تخدم النظام السوري في تحويل ثورة شريفة الى طائفية ومذهبية».
وما ينفيه مسؤولو الجماعات الاسلامية والسلفية عن ايواء وحماية العشرات من عناصر «جبهة النصرة» و«الجيش السوري الحر»، يتمسك بتأكيده أكثر من مصدر امني وحزبي في البلدة لافتين الى «ان العشرات دخلوا شبعا، ومنهم اتوا كجرحى، ومنهم دخلوا مع عائلاتهم كنازحين وعلى رأسهم اياد كمال قائد لواء الجيش الحر في منطقة جباتا الخشب وبيت جن، الملقب بـ «مارو»، وهو كان دخل شبعا جريحاً قبل اربعة اشهر وما لبث ان اعاد تنظيم العناصر الذين يُقدر عددهم بنحو 260 ليتم تقسيمهم الى ثلاثة افواج، يتناوبون على الخدمة والمشاركة في المعارك في منطقة ريف دمشق الغربي في شكل اسبوعي، ثم يعودون الى عائلاتهم في شبعا للاستراحة دون ظهور مسلح، الى ان وقعت معركة «بلدة عرنة الدرزية» قبل نحو ثلاثة اسابيع اثر محاولة الجيش الحر و«جبهة النصرة» اقتحامها، بعد سيطرتهم على تلة حربون، ما ادى الى سقوط عشرات القتلى والجرحى من «الثوار»، وبينهم بحسب احد الجرحى امير «جبهة النصرة» في قطنا احمد القادري ونائبه، قبل ان يتم نقل الجرحى الى شبعا ومن ثم الى مستشفيات البقاع الغربي والاوسط».
وقد اثارت هذه المعركة حفيظة ابناء قرى حاصبيا وراشيا الوادي، من الطائفة الدرزية، فنزلوا الى الشارع وقطعوا الطريق الرئيسية في عين عطا وحاصبيا امام سيارات الصليب الاحمر التي كانت تقل 86 جريحاً تَسلمهم من الجيش اللبناني بعد وصولهم على ظهر «البغال» من بيت جن، ما اضطر الى تدخل الجيش وتحويل وجهة سيرها الى طريق شبعا كفرشوبا الهبارية ذات الغالبية السنية، مروراً بسوق الخان وصولاً الى الرفيد ومن ثم الى مستشفى جب جنين في البقاع الغربي. ومع هذه المسافة الطويلة قضى جريح متأثراً بطول الوقت للوصول الى المستشفى، وهو ما ادى الى تفاقم الامور، وسط مخاوف من ان تتحول شبعا الى «عرسال» ثانية، او ارتسام «خط تماس» جديد اشبه بمحاور باب التبانة - جبل محسن، بوجه طائفي آخر، (سني درزي)، ما وضع المنطقة على صفيح ساخن، استنفرت حياله جميع القوى الحزبية والسياسية في مسعى لتهدئة الاجواء.
وبحسب مصادر قريبة من النائب وليد جنبلاط، فإن حماوة الوضع ونزول مناصرين له الى جانب خصومه من القوى الدرزية الاخرى والحزب السوري القومي الاجتماعي ليعملوا على منع سيارات الاسعاف، مبررين تحركهم بأن المصابين يقتلون دروز عرنة السورية، دفع الزعيم الدرزي الى إرسال موفد من جانبه بهدف اضفاء التهدئة بين محازبيه الذين لم يمتثلوا لمسؤولي «الحزب التقدمي الاشتراكي» في المنطقة، فعُقد اجتماع مع مشايخ خلوات البياضة سمع خلاله الموفد الجنبلاطي رسالة الى «البيك» (جنبلاط) من كبار المشايخ المحسوبين عليه في منطقة حاصبيا راشيا مفادها: «اما ان يتم وقف الامداد للمسلحين في بيت جن وقطنا وجباتا الخشب عبر شبعا من الداخل اللبناني، وإما سنضطر لتوقيفه بانفسنا ولن نكون لقمة سائغة».
وهذه العبارات كانت كافية لان يقرع جنبلاط «ناقوس الخطر» ويكلف قيادة الحزب الاشتراكي في راشيا بشخص الوزير وائل ابو فاعور عقد اجتماع موسع مع قيادة الجماعة الاسلامية، فتمّ الاتفاق على لقاء اوسع مع احزاب وفعاليات المنطقة في بلدة مرج الزهور الواقعة بين منطقة راشيا والعرقوب.
وحصل الاجتماع بين الاشتراكي وتيار المستقبل والجماعة الاسلامية، وشخصيات سياسية واجتماعية وممثلي جمعيات اسلامية خيرية بغية الاتفاق على استمرار عملية الاغاثة وتأمين طريق اسعاف الجرحى الى مستشفيات البقاع الغربي دون ان يعترضها احد، على حد تعبير ابو فاعور في كلمته خلال اللقاء الذي لم يحضره اي من الاحزاب الدرزية المحسوبة على قوى 8 آذار التي وصفته بـ «اللقاء الفاشل، ما دامت قوى اساسية غابت عنه»، على حد تعبير النائب السابق فيصل الداوود.
ولم يمر وقت قبل ان تصدر تهديدات من بعض الاطراف التي لم تشارك في لقاء مرج الزهور بأنه ما لم يتوقف مرور سيارات الاسعاف سيضطرون الى وقفها بالقوة، ولا سيما بعد ورود معلومات عن أن فصائل المعارضة السورية بصدد هجوم آخر على بلدة عرنة، ما ينذر بعودة حركة اجلاء الجرحى ونقلهم من شبعا الى مستشفيات البقاع الغربي.
في موازاة ذلك، استعاد «احمد» احد المقاتلين الجرحى الذين تم اسعافهم الى مستشفى جب جنين ( البقاع) كيف تدخلت طائرات «النظام» و«قصفتنا في عرنة»، مؤكداً ان إصابته في بطنه لن تردعه عن معاودة القتال و«تحرير عرنة وحضر وبقعسم من الاحتلال الاسدي»، ونافياً ان تكون المعارك التي يخوضها الجيش الحرّ تتخذ بعداً طائفياً أو مذهبياً، كما يحاول البعض تصويره، ومشيراً الى انه شارك بالقتال في قرى ذات غالبية سنية «نحن نحارب النظام ولا نحارب طوائف ومذاهب، النظام واذنابه في لبنان يتعاملون مع السنّة على انهم اعداء. ونحن ليست لدينا طائفة عدوة، وجل ما نريده تحرير بلادنا من المجرمين».
وعما يشاع عن انهم يدخلون شبعا بسلاحهم، قال: «كنا نأتي الى شبعا لزيارة عائلاتنا. نترك سلاحنا داخل الاراضي السورية، «هون ما لنا حاجة فيه، حاجتنا اليه في المعارك».
كلام الجريح احمد يؤكده ما يتسرب من معلومات عن أعداد المقاتلين الذين يجدون من الممر بالقرب من الموقع الاسرائيلي الرابض في جبل الشيخ، والمطل على مساحة واسعة من الاراضي السورية، مستقراً آمناً لأن يتجمع نحو 1000 مقاتل بمحاذاة الشريط الشائك، بأسلحتهم وعتادهم بهدف الانقضاض على «عرنة» من جديد، خلال الايام المقبلة، قبل تساقط الثلوج وانسداد الطريق واعاقة هجومهم على عرنة كونها تشكل حاجزاً امام الوصول الى قطنا وخط دمشق امتداداً الى القلمون والسلسلة الشرقية.
ويقول مازن الجولاني، المسؤول العسكري الاول في حركة النضال التابعة للنائب السابق فيصل الداوود، المؤيدة للرئيس الاسد في منطقة وادي التيم، انه بحال وقعت معركة عرنة وبدأت وفود الجرحى تتوافد الى المنطقة عبر جرود شبعا بيت جن، فان هذا يضع شبعا والعرقوب والقرى السنية في منطقة راشيا امام آتون فتنة، بوجه القرى الدرزية، في منطقتي حاصبيا وراشيا الوادي، مضيفاً: «فشلت مساعي السياسيين بمنع اجلاء الجرحى، وايضاً فشلت بوقف الامداد العسكري واللوجستي الى المجموعات الارهابية في بيت جن، من قرى البقاع الغربي مروراً بقرى راشيا وحاصبيا وصولاً الى شبعا، ومن ثم الى المسلحين، وبحال عاودوا اقتحام عرنة، يعني ان مواكب الجرحى ستمر من قرانا في حاصبيا وراشيا، هذا قد يشعل المنطقة بنار الفتنة عند اي احتكاك خلال اجلاء جرحى او نقل اسلحة وأعتدة بحجة انها مساعدات اغاثية».
واذ لفت الجولاني ان لقاء مرج الزهور، وما انبثق عنه «لا يعنينا لانه كان بمثابة مَن يحاور نفسه»، قال «عمر» المنتمي لاحد التيارات السلفية ان «تهديدات وهاب ما هي الا جعجعة، لن تخيفنا، بل تزيد من عزيمتنا على مواجهة الطاغية واعوانه»، واضاف: «مساعدة الثوار والنازحين واجب علينا. وبحال اقفلوا الطريق في حاصبيا وراشيا امام سيارات الاسعاف، سنقفل الطريق بوجههم على طول خطي البقاع من الرفيد حتى مجدل عنجر في البقاع الاوسط»، لافتاً الى «ان كل ما نقوم به لا يتعدى المساعدات الاغاثية، فالثوار لا يحتاجون رجالاً ونحن فقط نجلي الجرحى، ونغيث الهاربين من دموية بشار، وان اضطر الامر للرد على وهاب وغيره بحال تطاولوا على ابناء شبعا والسنة في المنطقة، فلن نقف مكتوفي الايدي».