ما يواجهه أفراد الشعب العراقي، نساء ورجالا وأطفالا، من قتل وتفجير في مواكب العزاء الحسينية أو في حركته في كسب عيشه في الشوارع والاسواق، هذا القتل لم يزعزعه عن خياراته، فقد ازداد عدد الزوار و«المشايه» للعتبات المقدسة بل وزاد معهم عدد الزوار و«المشايه» من الدول الأخرى المجاورة والبعيدة، وظلت الخيارات السياسية للشعب العراقي نفسها لم تتغير، نعم... هم ينتقدون ويطالبون السياسيين والتيارات السياسية ولكن نقدهم ومطالباتهم ليست لتغيير خياراتهم السياسية بل بالعكس، هم ينتقدون الطبقة السياسية لعدم تطبيقها لهذه الخيارات تطبيقا فعالا وصحيحا.
من قام ويقوم بتمويل وتشجيع قتل الشعب العراقي بالمفخخات والانتحاريين هي جهات فشلت في استخدام الأدوات والوسائل الحضارية لكسب نفوذ وتأثير في الساحة العراقية، فالتجأت الى هذه الاساليب الاجرامية التي ثبت فشلها وعدم فاعليتها في البيئة العراقية، هذه البيئة التي فيها تقبل مفهوم الشهادة والتضحية أعلى من بيئات أخرى على مستوى العالم، ولكن يبدو أن إفلاس هذه الجهات الإجرامية من أي اساليب أخرى جعلها تصر على اتباع القتل والتفخيخ والتفجير في العراق.
هذه العقلية المفلسة والمجرمة أخذت تستعمل الأسلوب الفاشل نفسه في لبنان حيث توجد البيئة المشابهة للبيئة العراقية وهما البيئتان اللتان تتخذان من الشعارات الحسينية «هيهات منا الذلة» و«القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة» دستورا ومنهج حياة، وستفشل في لبنان كذلك. يروي الصحافي البريطاني المشهور روبرت فيسك عن مشاهداته في يوم التصويت على الدستور العراقي قبل سنوات حين طلبت المرجعية الدينية من الشعب العراقي الخروج والتصويت وطلبت القوى التكفيرية والبعثية من الشعب عدم الخروج والا فإنها ستقوم بتفجيره في الشوارع والمراكز الانتخابية، يروي فيسك بأن الشعب العراقي تعامل مع ذلك اليوم وكأنه يوم نزهة «A day out» حيث كانت الأمهات والآباء يخرجون مصطحبين أبناءهم الصغار متوجهين لمراكز الاقتراع سيرا على الاقدام ما أذهله وأذهل العالم خصوصا الأميركان.
مثل هذه البيئة لا تخضعها التفجيرات والقتل والدماء... نعم تؤلمها ولكن لا تجعلها تغير خياراتها الدينية والسياسية بل ربما أدت الى العكس، وقد فعلت، بحيث أنها أثبتت صحة خياراتها ودفعتها للتمسك بها بشكل أكبر فلا يمكن بأن تعاديها قوى الشر المتمثلة بقوى التكفير والصهيونية وحلفائها... إلا لأن خياراتها التي تبنتها صحيحة وإلا لما كانت لتستهدفها بإجرامها.
يبدو بأن الولايات المتحدة والغربيين قد اقتنعوا، ببراغماتيتهم، بأن خيار التصادم مع هذه البيئة هو خيار خاسر وغير مجد، ولكن الصهاينة وحلفاءهم وبسبب إفلاسهم من أي خيارات أخرى وكذلك بسبب ثقافتهم العدوانية فإنهم اختاروا طريق المواجهة، وهذا الطريق يعني في الواقع الحالي الانتحار في حال تخلت عنهم الولايات المتحدة والغرب، وقد أوصلوا لهم هذه الرسالة، ما عدا فرنسا، حيث أبلغوهم بأنكم لوحدكم في هذا الطريق.
بقي أن ننتظر ما الذي ستنتجه المعارك الحاسمة في سورية خصوصا معارك «القلمون»، وهل ستكون نهايتها بداية الصدام المباشر، وكيف سيكون تأثير هذا الصدام على المنطقة.
***
ومضة محلية
يبدو بأن هنالك جهات في مكان ما تحاول أن تربط نفسها وتجر الوضع المحلي للارتباط بأجندة جهات معينة في الاقليم وذلك بإثارة الفتن الطائفية والمذهبية، وإلا فبماذا نفسر ما حصل مع المضايف الحسينية المرخصة خصوصا أن هذه الجهات تعلم علم اليقين بأن هذا الفعل يتعارض مع سياسة القيادة السياسية وهي تهدئة الأوضاع في كل الاوقات خصوصا في الفترة التي تستضيف فيها البلاد الزعماء الآسيويين والافارقة في مؤتمرهم الدولي.
لقد فشل مسعى هذه الجهات المحلية في إثارة الفتنة وتخريب أجواء المؤتمر فكيف سيتم التعامل معهم؟... نحن في الانتظار.
بقلم د. ياسر الصالح
yasseralsaleh@hotmail.com