عطف الخبر / ضراوة الاستلاب

فاضل الزباد


| فاضل الزباد * |
قلما نجد إنسانا يفرط في تكيفه مع واقع جديد حين يزاول مهنة التذكر بلا انقطاع، وما اكثر من يجد تبريرا قويا لاستشعار مضامين** التخيل، تلك حالة وجدانية يستحيل رميها بعيدا لان احداث تلك الاستحالة هي كنز ثمين ماثل دائما امام مصدر انشأ تلك الملكة وذلك العطاء، وكونه عطاء فإن الانسان يقع في دائرة التقاط ذكية متوثبة قادرة على نقل الانشغال بالمعايشة الى واقع يرهن النفوس، فهي ليست طارقا عارضا يتشدق بالمفارقات ويذبل عندما يصاب بجمرات النسيان، فالعصر الذي يعيشه انسان ما لا يكون تليداً في ذكراه ولا تكون وقائعه مركونة ومرفوضة في ذهنه، لان كل ما ناله من قبل يحتسب ككتلة تذكرية تتطور وتدوم وتحتبلها خلايا غير ميتة في عقله الباطن، غير ان نشأة الامس تصبح نشأة منتشية، واصالة الامس تصبح بردة ً يرتديها دون ان يفكر في خلعها.
ليس هناك احتمالات بالنسيان، نسيان مرحلة عمرية متأسسة على ترسيخ الصفات والعادات ومغامرات الاقران، فالمشكلة لا تكمن في تلك فقط بل تكمن في الادوار التي كان يقوم بها ذلك الانسان والتي لولاها ما كان لوجوده مبرر في مجتمع يفرض عليه ان يشارك ويتفاعل لا ان ينعزل ويتوحد، لذا فان كتلة التذكر تلك كانت بمثابة بناء علاقات وبناء عائلات وأداء رسالة وتحقيق طموح وتطلعات بشيء كبير من تحقيق الذات، لذا فان من الصعب بل ومن عدم الوفاء ان تترك سدى ويكون الحض على سلخها امراً واهماً ولا يقوم على بينة مقنعة، فشعور العزلة هو شعور محفوف بمخاطر التأثر الشديد ومخاطر اليأس ما يؤدي الى تكالب الاسقام والتصرفات الرافضة للتأقلم وحتى الى رفض المخالطات الجديدة او تواجدات المناسبات العديدة، فلم يكن يدور في خلد ذلك الانسان ان يوعد بمثل هذا فعندما كان يفكر بالافضل فانه يفاجأ بأنه انزوى تحت سقوف الرهن الجسدي وحيطان التجريد من الضلوع في تأكيد سيادة كلامه واحترام رأيه، لذا فان ابشع ما يفقده الانسان هو انتقاص دوره حيث لا يجد موقفا يجدد فيه ثقته بنفسه ربما يكون الآخرون والمقربون هم السبب وهم الراغبون باطاحته اجتماعيا وتهميشه فذلك مبلغ من العلم لا يرتكز الا على تزحزح في فهم خصوصية الذات وآفاق النفس التي لا ترغب بالتقطيع ولا بالتطويع ولا بالتطليق الذي يسلب لب العقل، فإذا كانت الروح مغلفة بالمجاملة والحشر مع الناس فانها لا تلام ان شعرت بخيبة كبيرة جرّاء تلك النقلة التي لا يستسيغ معها التكيف ولا الجلد الذي يقف امامه الحنين حائرا من كثرة السخط او من كثرة الجراح التي سببها نزوحه القسري ما لم يدع مجالا للشك انه ندم متأخر على فعلة التحول والانتقال.
فهل هذا مأزق لا يقتدر على التأقلم ولا ينتصر للاحاسيس والمشاعر، ربما تكون لائمة ذلك على اذكاء جذوة التعطيل الاجتماعي بما يرافقه من انعزال واحاطة كابوسية جسيمة وبهذا يعيش التفكير في حداد دائم وانقسام لا مجال لمقارنته مع حيوية سابقة ملغاة، ادّيا الى بلبلة نفسية عززت ضراوة الاستلاب وحرارة الانتحاب.
* شاعر وكاتب
Fadel_al_subae@hotmail.com
Twitter: @hiwaralfikr
قلما نجد إنسانا يفرط في تكيفه مع واقع جديد حين يزاول مهنة التذكر بلا انقطاع، وما اكثر من يجد تبريرا قويا لاستشعار مضامين** التخيل، تلك حالة وجدانية يستحيل رميها بعيدا لان احداث تلك الاستحالة هي كنز ثمين ماثل دائما امام مصدر انشأ تلك الملكة وذلك العطاء، وكونه عطاء فإن الانسان يقع في دائرة التقاط ذكية متوثبة قادرة على نقل الانشغال بالمعايشة الى واقع يرهن النفوس، فهي ليست طارقا عارضا يتشدق بالمفارقات ويذبل عندما يصاب بجمرات النسيان، فالعصر الذي يعيشه انسان ما لا يكون تليداً في ذكراه ولا تكون وقائعه مركونة ومرفوضة في ذهنه، لان كل ما ناله من قبل يحتسب ككتلة تذكرية تتطور وتدوم وتحتبلها خلايا غير ميتة في عقله الباطن، غير ان نشأة الامس تصبح نشأة منتشية، واصالة الامس تصبح بردة ً يرتديها دون ان يفكر في خلعها.
ليس هناك احتمالات بالنسيان، نسيان مرحلة عمرية متأسسة على ترسيخ الصفات والعادات ومغامرات الاقران، فالمشكلة لا تكمن في تلك فقط بل تكمن في الادوار التي كان يقوم بها ذلك الانسان والتي لولاها ما كان لوجوده مبرر في مجتمع يفرض عليه ان يشارك ويتفاعل لا ان ينعزل ويتوحد، لذا فان كتلة التذكر تلك كانت بمثابة بناء علاقات وبناء عائلات وأداء رسالة وتحقيق طموح وتطلعات بشيء كبير من تحقيق الذات، لذا فان من الصعب بل ومن عدم الوفاء ان تترك سدى ويكون الحض على سلخها امراً واهماً ولا يقوم على بينة مقنعة، فشعور العزلة هو شعور محفوف بمخاطر التأثر الشديد ومخاطر اليأس ما يؤدي الى تكالب الاسقام والتصرفات الرافضة للتأقلم وحتى الى رفض المخالطات الجديدة او تواجدات المناسبات العديدة، فلم يكن يدور في خلد ذلك الانسان ان يوعد بمثل هذا فعندما كان يفكر بالافضل فانه يفاجأ بأنه انزوى تحت سقوف الرهن الجسدي وحيطان التجريد من الضلوع في تأكيد سيادة كلامه واحترام رأيه، لذا فان ابشع ما يفقده الانسان هو انتقاص دوره حيث لا يجد موقفا يجدد فيه ثقته بنفسه ربما يكون الآخرون والمقربون هم السبب وهم الراغبون باطاحته اجتماعيا وتهميشه فذلك مبلغ من العلم لا يرتكز الا على تزحزح في فهم خصوصية الذات وآفاق النفس التي لا ترغب بالتقطيع ولا بالتطويع ولا بالتطليق الذي يسلب لب العقل، فإذا كانت الروح مغلفة بالمجاملة والحشر مع الناس فانها لا تلام ان شعرت بخيبة كبيرة جرّاء تلك النقلة التي لا يستسيغ معها التكيف ولا الجلد الذي يقف امامه الحنين حائرا من كثرة السخط او من كثرة الجراح التي سببها نزوحه القسري ما لم يدع مجالا للشك انه ندم متأخر على فعلة التحول والانتقال.
فهل هذا مأزق لا يقتدر على التأقلم ولا ينتصر للاحاسيس والمشاعر، ربما تكون لائمة ذلك على اذكاء جذوة التعطيل الاجتماعي بما يرافقه من انعزال واحاطة كابوسية جسيمة وبهذا يعيش التفكير في حداد دائم وانقسام لا مجال لمقارنته مع حيوية سابقة ملغاة، ادّيا الى بلبلة نفسية عززت ضراوة الاستلاب وحرارة الانتحاب.
* شاعر وكاتب
Fadel_al_subae@hotmail.com
Twitter: @hiwaralfikr