مشاهد / الهروب للتاريخ



أخذنا مسلسل «الملك فاروق»... من واقعنا الراهن بكل إحباطاته ومشاكله إلى رحاب التاريخ. وهو المسلسل الذي عرضته فضائية الـ «M.B.C» في رمضان الماضي، وحطم مقولة طالت أكثر مما ينبغي... تقول «إن العرض الأرضي في التلفزيونات هو الأساس، وان العرض الفضائي تأتي أهميته بعد ذلك».
في رمضان الماضي كان مسلسل «الملك فاروق» يعرض على الـ «M.B.C» وفي الوقت نفسه على قناة مسلسلات الأوربت. وكلتاهما «فضائية»... الأولى مفتوحة. والثانية مشفرة.
ومع هذا فإن حجم رد الفعل الذي تم خلال هذا العرض. «المشفر والفضائي» فاق كل التوقعات. وفي اليوم الأخير من رمضان.
أعلن عن إعادة عرضه على ثلاث قنوات، هي: قناة الدراما في القنوات الأرضية المصرية بقرار من رئيس القنوات المتخصصة الجديد أسامة الشيخ، وهو قرار اختراقي. أعتقد أن هدفه كان الدفاع عن كرامة التلفزيون المصري. لأنه لم ينتج مثل هذا العمل.
ومعروف تاريخياً أن كاتبة هذا العمل الدكتورة لميس جابر«زوجة الفنان يحيى الفخراني»... ذهبت سنة 1991 بمشروع العمل إلى التلفزيون المصري، وتم تصعيد الأمر إلى وزير الإعلام في ذلك الوقت صفوت الشريف. ورد على العرض بكلمة واحدة. مستحيل، وتم ركن الورق من 91 حتى العام الماضي. ما علينا.
المسلسل تم عرضه بعد رمضان في نفس الوقت على قناة الحكايات - وهي إحدى القنوات المشفرة التي تملكها محطة A.R.T -، ثم على قناة: O.T.V - وهي قناة فضائية جديدة يمتلكها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس.
وحتى ندرك حجم الاهتمام غير المسبوق الذي جرى مع هذا المسلسل. فإن قناتي الدراما. وقناة O.T.V تعرضان كل ليلة حلقة تعقبها ندوة. مدتها لا تقل عن الساعة. وأحياناً تمتد لأكثر من هذا. لمناقشة العمل. من خلال مجموعات من الدارسين والمثقفين والمتخصصين.
لو تابعت مناقشات قناة الدراما المملوكة للدولة المصرية. تجد الكلام كله ضد بطل المسلسل الملك فاروق.
أما قناة ساويرس... فالكلام كله مع بطل المسلسل الملك فاروق. وهذا يعني أن الحقيقة المجردة «لا وجود لها. وأن الحقيقة أمر نسبي مرتبط بمن يقولها، فهذا يمكن أن يرى أمراً ما على أنها الحقيقة المطلقة. وذاك ممكن أن يرى نقيضه على أنه الحقيقة المطلقة. لدرجة أنني أصبحت أتصور أننا أمام «فواريق»، وليس فاروقاً واحدا.
وصاحبة تعبير فواريق... من باب التوثيق التاريخي، هي الفنانة الراحلة تحية كاريوكا...عندما أُلقي القبض عليها بعد ثورة يوليو.
وبعد الإفراج عنها قالت: كان يحكمنا فاروق واحد. والآن يحكمنا فواريق، ومن باب إعادة الفضل لأصحابه.
أقول إننا نجد أنفسنا أمام فاروقين... وهو تعبير الدكتورة لطيفة سالم. المؤرخة الشهيرة. وصاحبة أهم كتابين عن الملك فاروق.
كتابها القديم الذي يشكل رسالتها للدكتوراه... وهو يقع في أكثر من 800 صفحة من القطع الكبير. وكتاب حديث صدر اخيرا.. يهتم كثيراً جداً بقصص فاروق في المنفى بعد تركه مصر مساء 26 يوليو سنة 1952. حتى وفاته سنة 1965، وكان في الخامسة والأربعين من عمره. حكم مصر سنة 1936 وهو في السادسة عشرة من عمره. وغادرها سنة 1952، وهو في الثانية والثلاثين من عمره، ومات سنة 1965 وهو في الخامسة والأربعين من عمره، ذلك أنه من مواليد 1920.
أي أن فصول المأساة والملهاة في حياته تمت قبل أن يصل إلى النضج الطبيعي لأي إنسان.. هذا المناخ دفعني للتقليب في قصص فاروق المكتوبة... وما أكثرها.
اكتشفت في مكتبتي دولاباً كاملاً. يدور حول الملك فاروق، وهذا الدولاب قادني لدولاب مجاور له... كجزء من تاريخ مصر. موضوعه الأساسي عائلة محمد علي. أو العائلة العلوية كما كانت تسمى في زمن حكمها.. منذ مؤسسها الأول محمد علي باشا. وحتى آخرهم وهو الملك فاروق.
توقفت طويلاً أمام كتاب غريب. اقتنيته وقت صدوره. ولم تكن لديّ فرصة لقراءته. كنت مشغولاً. كنت أشكل جزءاً من طاحونة العمل الصحافي اليومي. الذي لا يترك للإنسان فرصة حتى ليموت.
أما الكتاب فعنوانه: حريم محمد علي باشا. وصدرت طبعته الأولى في لندن العام 1884.. أي بعد الاحتلال الإنكليزي لمصر وهزيمة أحمد عرابي باشا بعامين... كان عنوانه: «المرأة الإنكليزية في مصر»، وهو من تأليف صوفيا بول. وهي شقيقة المستشرق المعروف أدوارد لين. (1801 – 1876) وفي سنة 1845 صدرت طبعة أميركية للكتاب. وفي 1846 صدر جزء ثان له. يضم وصفاً للاحتفالات بزفاف زينب هانم ابنة محمد علي باشا.
والكتابة عن صوفيا لابد أن تبدأ من شقيقها إدوارد لين.. ومن منا لا يذكره؟! إنه صاحب الكتاب الفريد: «المصريون المحدثون. عاداتهم وتقاليدهم». وهو الكتاب الذي ترجمه عدلي طاهر نور وأصدره في طبعة على حسابه. ثم كتب كتاباً صغيراً عبارة عن ترجمة ذاتية لإدوارد لين. طبعها في المنصورة. حيث كان يعيش. ولذلك من الصعب العثور على نسخ منها الآن.
وإدوارد لين.. حضر إلى مصر لأول مرة في 19 سبتمبر 1825. كان في الرابعة والعشرين من عمره. وعاش في القاهرة. ولبس مثل أهلها واختلط بهم. وعندما عاد إلى انكلترا العام 1828. كانت معه نارجيلة. وجارية هي نفيسة التي ثقفها وتزوجها سنة 1840. حتى يصبح إنساناً شرقياً حقيقياً.
وفي العام 1833 عاد لين إلى مصر. وبقي فيها حتى سنة 1835. ثم عاد إليها للمرة الثالثة العام 1842 ومعه زوجته نفيسة وأخته صوفيا بول وولداها: ستانلي ودريخالند. وذلك بعد وفاة والدته التي كان يعيش معها هو وأخته.
ظل في مصر هذه المرة سبع سنوات كاملة. انشغل فيها بقاموس «عربي - إنكليزي». مستنداً في ذلك إلى «تاج العروس» الذي جمعه السيد محمد مرتضى الزبيدي في القرن التاسع عشر. وكان يساعده في هذا المشروع الشيخ الدسوقي.
وقد كتب أحمد أمين فصلاً في كتابه «فيض الخاطر». الصادر سنة 1965 عن هذه الحكاية. عنوانه: «الشيخ الدسوقي ومستر لين». تاج العروس حققته وأصدرته كاملاً لأول مرة في تاريخ الطباعة العربية دولة الكويت. وهو موجود في الكويت فقط. ومن الصعب شراؤه أو العثور عليه خارج الكويت.
ولم تمكنني ظروفي في زيارتي الأخيرة للكويت. من طلبه من الأخ الصديق بدر الرفاعي. الأمين العام – فعلاً وقولاً. لفظاً ومعنىّ - للمجلس الوطني للثقافة في الكويت. ولم أطلب من صديقي الدؤوب طالب الرفاعي. الحاضر دائماً بذاكرته المتوهجة. ومتابعته الدؤوبة للثقافة العربية كلها. وليس في الكويت وحدها. نسخة من هذا السفر الذي لابد من وجوده في مكتبة أي مثقف.