| أنوار مرزوق الجويسري |
حينما تصلُ مُتأخراً عن عملك ثم يرتابك شعورٌ بالضيق والتقصير فاعلم أنك مخلص محب لوطنك، أما إن كان العمل عند أحدنا على هامش الحياة فلنعلم أننا مجردون من الإحساس بقيمة العمل الإيمانية والوطنية، فذلك الارتباطُ الوثيق لا ينفك مهما حاولنا نقده أو رفضه، مهما حاولنا تجاهله أو نسيانه، يظل ذاك الارتباط مسؤوليتنا الأولى والأمانة التي نحملها في أعناقنا، فحقٌ لله علينا عمارة الأرض وحقُ الأرض التي نقتات من خيراتها.
نحن بنو البشر أصحاب العقول والمشاعر نملك واجبات، نعم نملك واجبات قبل أن نملك الحقوق، فما زالت الواجبات التي نؤديها تمدنا بقيمتنا الإنسانية ذات الفهم والإرادة، وما زالت الحقوق التي نطالب بها دليل قصورنا وضعفنا، فكيف سنكتسب قيمتنا العُليا دون أداء واجباتنا تجاه خالقنا وتجاه وطننا؟ وكيف سنأمن على أنفسنا من أنفسنا إن لم نتمسك بقيمتنا العليا؟ فهي مصدرٌ لكل القيم التي تستقيم بها حياتنا وتكتمل، أمانتنا، احترام الآخرين لنا، صدق أبنائنا، سلامة قلوبنا، أمان مجتمعنا، حشمة بناتنا وشبابنا، ستر عيوبنا، وكل القيم التي تخطر على بال بشر هي نتاج قيمتنا الأرقى.
دعونا نعترف بأننا عامل مؤثرٌ ومهم في المجتمع مهما كانت مناصبنا وأدوارنا المجتمعية، ودعونا نعترف أيضاً بتأثير القدوات الصغيرة، القدوات التي لا تُتبع في كل شيء بل تُتبع بصفة أو اثنتين تميزاهما عن غيرها، ليس من الضروري أن تكون معلماً أو أباً أو إمام مسجد لتكون قدوة، فالقدوات لا تتعلق بالوظيفة التي نعمل فيها ولا بالمسؤوليات المُلقاة على عاتقنا ولكنها تتصل بأخلاقنا وكيفية أداء عملنا.
«مصطفى» العامل الذي يعد القهوة لأساتذة الجامعة في الكلية، والذي أرقب سماحته ورقي أخلاقه في كل صباح، جعلني أعترف وأؤمن بمفهوم القدوات الصغيرة بمنصبها، الكبيرة بوجودها، فهو قدوة في التفاني والإخلاص والسماحة، وكذلك أنت قارئي، لابد وأنك قدوة في صفة معينة ومثال يُحتذى بك في مجال آخر، فكّر في ما يمكن أن تُقدمه وتكون قدوة به.
ثقافة العمل ثقافة راقية، وما ذلك إلا إذا سعينا لتبنّي هذا المفهوم كسعينا لكسب حقوقنا، وإن حرصنا على أعمالنا كما نحرص على أعمارنا، فهو واجب يبني فينا أسمى القيم ويُعطينا أكثر مما يأخذ منا، ومصطفى على ذلك مثال.
[email protected]@anwar1992m