د. حسن عبد الله عباس / 2 > 1 / الرابحون والخاسرون في سورية

تصغير
تكبير
واضح أن الأزمة تسير لمراحلها الاخيرة، فأغلب الظن أن موافقة النظام السوري لمعاهدة حظر الاسلحة الكيماوية وتسليم ما بعهدتها للمجتمع الدولي يعني أن المشكلة رسميا باتجاه آخر حلقة، «جنيف 2». لذا الوقت مناسب الآن لتقييم ما جرى ولوضع الازمة في ميزان الارباح والخسائر السياسية والاقتصادية لجميع الاطراف.

الرابح الاول والمؤكد هو الرئيس السوري ونظامه الحاكم. فإن جاءت لحظة جنيف 2 وحضر ممثلون عن النظام السوري والاطراف الاخرى المعنية بالازمة، فمعنى ذلك أن ما أراده النظام قد تحقق بأن لا حل للازمة سوى سياسي وديبلوماسي والاصلاحات والتحاور من غير شروط مسبقة، وما دون ذلك فحفر في البحر!

الرابح الثاني القوة السياسية والعسكرية المتحالفة مع السوريين، واقصد هنا الايرانيين وحزب الله. فالحرب الحقيقية هي ضد الايرانيين وحزب الله، والسوريون الحلقة الوسطى الموصلة بينهما، وإلا فالجمهورية هي السوس الاكبر والمحور الشيطاني الاول بالنسبة للغرب والامريكان والضفة الاخرى من الخليج. فهذا المحور اثبت من جديد أنه ند وخصم يصعب كسر عزيمته.

الرابح الثالث هم الروس الذين لولا وقوفهم دوليا وتصديهم في مجلس الامن لأخذت القضية السورية شكلاً آخر. الروس ربحوا شيئين، حافظوا على موقعهم في المنطقة، واستردوا شيئا من ماضيهم القديم كدولة عظمى (أو شبه عظمى) بتصديهم للاستفراد والقطبية الاميركية.

الرابح الرابع إسرائيل وإن كان محدوداً. إسرائيل ربحت شيئا مهما، وهو القضاء على القدرة العسكرية وخصوصا التهديد بالحرب الكيماوية. فالجيش السوري والدولة بأكملها أصبحت متهالكة اقتصاديا وعسكريا. لكنها في الوقت ذاته ما زالت تنظر إلى حالة السلسلة كلها، فهي دوليا أقوى بدليل أن الحديث عن وقف الحرب في سورية صار متزامنا مع ظهور شروط ايرانية حول مشروعها النووي!

أما الخاسرون فهم بدايةً الغرب، وبشكل خاص الانكليز والفرنساويون. بل أعتقد أن السقوط الفرنسي كان مدويا لدرجة أنستنا صخب الفشل الذريع لكاميرون في جلسة 29 اغسطس الماضية لمجلس النواب. فالفضيحة التي ألمّت بأولاند أراها أكثر مأساوية كونها جاءت على خلفية اندفاعة هستيرية للحرب، لكنه انهزم وعلى خلاف كاميرون، انهزم وتراجع بسبب الكونغرس الاميركي لا رأي شعبه. يذكرني حاله بالرسم الساخر في 2007 (18 مايو 2007) الذي رمزت فيه «الغارديان» للتبعية المذلة في العلاقة بين بلير وبوش الابن، حيث جلس الأميركي والى جانبه كلب!

الخاسر الثاني فهو اوباما بلا شك. والحقيقة أن الأمريكان لم يريدوا الحرب منذ البداية، لكن الورطة الكبيرة التي أوقع أوباما نفسه فيها هي خطابه في 20 أغسطس العام الماضي حينما رسم الخط الاحمر وحدد «قوانين اللعبة»، وهو ما جعل الكاتب ديفيد بلير يعلّق ساخراً في التيليغراف بأن بطن اوباما كان من البداية خاليا من الحرب!

أما أكبر الخاسرين فهم اعضاء الجامعة العربية. فلهم الأزمة كانت موجعة بكل تأكيد، لكن يا تُرى هل يفسرون لنا لماذا فعلوا ذلك؟ وهل الشعوب العربية ستحاسبهم على فعلتهم، بالضبط كما يطالبون هم في سورية!؟ وهل سيقدمون استقالاتهم؟ هل سيعوضون المليارات التي ضيعوها هناك؟ أم كالعادة!



د. حسن عبدالله عباس

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي