فاصلة / الغباء يصنع نجومية!

فهد توفيق الهندال


| فهد توفيق الهندال |
في كتابه الفريد من نوعه «العامل الحاسم» يطرح إريك دورتشميد مجموعة من المواقف واللحظات التي لعب الغباء والصدفة معا دورهما في تغيير مجرى التاريخ، منها على سبيل المثال إصرار نابليون بونابرت على خوض معركة «واترلو» التاريخية وهو مصاب بالاسهال، الأمر الذي بلا شك أثر على مجريات المعركة لصالح أعدائه. الجميل في الكتاب أنه يعقد علاقة وثيقة بين الصدفة والغباء، ولا يعني بالضرورة ذكاء الطرف الثاني بقدر ما هو استغلاله لموقف الأول الذي لا يحسد عليه. وكلاهما ما كانا ليتلاقى بالحظ المختلف طعمه لولا عامل الصدفة بينهما. لهذا كان عاملا حاسما مغيرا لوجه الواقع والتاريخ معا. فربما جمعت الصدفة الإسهال العرضي الذي أصاب نابليون مع ليلة المعركة التاريخية مع أعدائه، لكن ليس بالضرورة أنه أغبى منهم أو هم أذكى منه. والغريب أن لنابليون مقولة شهيرة: في السياسة، الغباء ليس عائقا!
وهنا أذكر تصريح أحد المرشحين لانتخابات ولاية تكساس الأميركية يهاجم فيه أحد خصومه: هذا الأحمق يستحق أن يركله جحش حتى الموت، وأنا الرجل الوحيد القادر على ذلك!
لهذا لا تستغرب أهمية الوعي البيئي عندما تسمع تعليقا لنائب الرئيس الأميركي الأسبق والمرشح الأسبق للرئاسة آل غور عندما تبنى البيئة مشروعا طويل الأمد في حياته قائلا: التلوث ليس هو السبب في أذى البيئة، بل مجموعة من الشوائب في الماء والهواء!
فكيف يمكن أن يفسر العلم ذلك، وهو له نصيب مع الغباء أيضا... فقد سئل مرة ألبرت آينشتاين من هو الغبي؟ فرد قائلا: «الغبي هو الذي يسبب أضرار لغيره أو لنفسه دون الحصول على أي مميزات تعادل هذا الضرر»! وربما هذا قد يفسر نظرية النسبية لديه وفوزه بنوبل ليدعم وجهة نظره بمقولته: «هناك شيئان لانهائيان، الكون وغباء الإنسان؛ وبالنسبة للكون فأنا ما زلت غير متأكد تماما»!
وربما ألهمت نظرية النسبية هذه الإجابة المرتجلة لملكة جمال ألاباما عندما سألتها لجنة التحكيم إذا ما استطاعت أن تعيش للأبد فهل تقبل؟ ولماذا؟
فكانت الإجابة المذهلة من دون تلقين أو جهاز أوتوكيو التي أهلتها لتكون ملكة جمال أميركا : لن نعيش للأبد لأنه لا يجدر بنا أن نعيش للأبد لأنه لو عشنا للأبد فسنعيش للأبد، لكن ليس بوسعنا أن نعيش للأبد لهذا لن نعيش للأبد!
وعلى ذكر ولاية ألاباما، فما زلت استحضر ذلك الفيلم الجميل للممثل الرائع توم هانكس (فورست غامب) وهو الإنسان الريفي البسيط من تلك الولاية والذي يعاني تدنيا في درجة الذكاء، كيف صنع قدره بنفسه، وقدر غيره من باب الصدفة التي جعلته بطلا ونجما في مجتمعه، وربما غبيا في عيون الآخرين، إلا أنه هاجس التفكير البسيط الذي دفعه لإنقاذ مجموعة من الجنود المصابين في إحدى معارك فيتنام أثناء بحثه عن صديقه الوحيد بوبا، أو كيف سرق منه ألفيس بريسلي رقصته المضحكة لتصبح إحدى حركاته الراقصة العالمية، أو كيف قطع أميركا عرضا وطولا ركضا على مدى عامين لمجرد أنه شعر برغبة بالركض وليس كما روج أنه يتبع خطا فكريا أو اجتماعيا أو توعويا ما، أو كيف أصبح نجما في كرة القدم الأميركية فقط لأنه يركض سريعا وبعيدا خارج حدود الملعب، أو عندما تفنن بلعب تنس الطاولة فقط لأنه يراقب الكرة جيدا، أو كيف أبلغ السلطات الأمنية عن إضاءة مزعجة في أحد المكاتب القريبة منه ولا تدعه ينام فكان سببا في كشف فضيحة ووترغيت التي أطاحت برئاسة نكسون، وغيرها من المواقف التي يظن البعض أنه بسبب تدني ذكاء ومعرفة غامب، بينما تدل على غباء الآخرين حيالها.
إذاً... الغباء جزء من علاقة أفراد العالم في ما بينهم، لا يمكننا أن ننكرها، أو نقلل من شأنها، ولله في خلقه شؤون.
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
* كاتب وناقد كويتي
@bo_¬salem72
في كتابه الفريد من نوعه «العامل الحاسم» يطرح إريك دورتشميد مجموعة من المواقف واللحظات التي لعب الغباء والصدفة معا دورهما في تغيير مجرى التاريخ، منها على سبيل المثال إصرار نابليون بونابرت على خوض معركة «واترلو» التاريخية وهو مصاب بالاسهال، الأمر الذي بلا شك أثر على مجريات المعركة لصالح أعدائه. الجميل في الكتاب أنه يعقد علاقة وثيقة بين الصدفة والغباء، ولا يعني بالضرورة ذكاء الطرف الثاني بقدر ما هو استغلاله لموقف الأول الذي لا يحسد عليه. وكلاهما ما كانا ليتلاقى بالحظ المختلف طعمه لولا عامل الصدفة بينهما. لهذا كان عاملا حاسما مغيرا لوجه الواقع والتاريخ معا. فربما جمعت الصدفة الإسهال العرضي الذي أصاب نابليون مع ليلة المعركة التاريخية مع أعدائه، لكن ليس بالضرورة أنه أغبى منهم أو هم أذكى منه. والغريب أن لنابليون مقولة شهيرة: في السياسة، الغباء ليس عائقا!
وهنا أذكر تصريح أحد المرشحين لانتخابات ولاية تكساس الأميركية يهاجم فيه أحد خصومه: هذا الأحمق يستحق أن يركله جحش حتى الموت، وأنا الرجل الوحيد القادر على ذلك!
لهذا لا تستغرب أهمية الوعي البيئي عندما تسمع تعليقا لنائب الرئيس الأميركي الأسبق والمرشح الأسبق للرئاسة آل غور عندما تبنى البيئة مشروعا طويل الأمد في حياته قائلا: التلوث ليس هو السبب في أذى البيئة، بل مجموعة من الشوائب في الماء والهواء!
فكيف يمكن أن يفسر العلم ذلك، وهو له نصيب مع الغباء أيضا... فقد سئل مرة ألبرت آينشتاين من هو الغبي؟ فرد قائلا: «الغبي هو الذي يسبب أضرار لغيره أو لنفسه دون الحصول على أي مميزات تعادل هذا الضرر»! وربما هذا قد يفسر نظرية النسبية لديه وفوزه بنوبل ليدعم وجهة نظره بمقولته: «هناك شيئان لانهائيان، الكون وغباء الإنسان؛ وبالنسبة للكون فأنا ما زلت غير متأكد تماما»!
وربما ألهمت نظرية النسبية هذه الإجابة المرتجلة لملكة جمال ألاباما عندما سألتها لجنة التحكيم إذا ما استطاعت أن تعيش للأبد فهل تقبل؟ ولماذا؟
فكانت الإجابة المذهلة من دون تلقين أو جهاز أوتوكيو التي أهلتها لتكون ملكة جمال أميركا : لن نعيش للأبد لأنه لا يجدر بنا أن نعيش للأبد لأنه لو عشنا للأبد فسنعيش للأبد، لكن ليس بوسعنا أن نعيش للأبد لهذا لن نعيش للأبد!
وعلى ذكر ولاية ألاباما، فما زلت استحضر ذلك الفيلم الجميل للممثل الرائع توم هانكس (فورست غامب) وهو الإنسان الريفي البسيط من تلك الولاية والذي يعاني تدنيا في درجة الذكاء، كيف صنع قدره بنفسه، وقدر غيره من باب الصدفة التي جعلته بطلا ونجما في مجتمعه، وربما غبيا في عيون الآخرين، إلا أنه هاجس التفكير البسيط الذي دفعه لإنقاذ مجموعة من الجنود المصابين في إحدى معارك فيتنام أثناء بحثه عن صديقه الوحيد بوبا، أو كيف سرق منه ألفيس بريسلي رقصته المضحكة لتصبح إحدى حركاته الراقصة العالمية، أو كيف قطع أميركا عرضا وطولا ركضا على مدى عامين لمجرد أنه شعر برغبة بالركض وليس كما روج أنه يتبع خطا فكريا أو اجتماعيا أو توعويا ما، أو كيف أصبح نجما في كرة القدم الأميركية فقط لأنه يركض سريعا وبعيدا خارج حدود الملعب، أو عندما تفنن بلعب تنس الطاولة فقط لأنه يراقب الكرة جيدا، أو كيف أبلغ السلطات الأمنية عن إضاءة مزعجة في أحد المكاتب القريبة منه ولا تدعه ينام فكان سببا في كشف فضيحة ووترغيت التي أطاحت برئاسة نكسون، وغيرها من المواقف التي يظن البعض أنه بسبب تدني ذكاء ومعرفة غامب، بينما تدل على غباء الآخرين حيالها.
إذاً... الغباء جزء من علاقة أفراد العالم في ما بينهم، لا يمكننا أن ننكرها، أو نقلل من شأنها، ولله في خلقه شؤون.
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
* كاتب وناقد كويتي
@bo_¬salem72