سعد خالد الرشيدي / تحت المجهر / الديموقراطية المعلقة

تصغير
تكبير
| سعد خالد الرشيدي |

فكرت مليا بهجر مشاهدة القنوات الفضائية، فجميعها تقريبا يتقاطع على مبدأ حياكة الثوب على مقاسها وليس على مقاس المشاهد الذي من المفترض ان يكون صاحب الحق الاصيل في ذلك، لكن في النهاية تراجعت عن الفكرة وقررت الاستمرار في مواكبة احداث العنف المندلعة في الدول العربية والتي لم تنقطع منذ انطلاقة شرارة الربيع العربي. ربما تكون ظاهرة العنف الواضحة بين مؤسسة الدولة والشعب من اجل التغيير لاتزال محصورة بخمس دول تقريبا وهي سورية ومصر وليبيا وتونس واليمن، وهي تمثل حراكا ناجما إلى حد كبير عن خيبة امل اصحاب الثورات في القيادات الجديدة، فالدم لا يجر الا الدم بغض النظر عن الاسباب التي دعت إلى ذلك. فالمتابع الجيد للأحداث الاخيرة بإمكانه ان يلاحظ ان هذه الاحداث أرجأت تطبيق الديموقراطية بالمعنى الذي تستحقه الشعوب التي ضحت بدمائها من أجل الحصول على الحرية، ما قد يؤدي إلى تعليق الديموقراطية في هذه البلاد على نحو قد يقود إلى استعادة عملية التحول الديموقراطي في الدول العربية إلى الشكل القديم مع تنامي دور الأدوات الخارجية في توجيه الرأي العام العربي.

وبالطبع الاحداث السياسية الدامية في الدول العربية وبشكل متصاعد تأتي بخلاف التغيرات السياسية التي بدأت تأخذ منحنى جديدا في لبنان، معتمدة على لغة فرض الرأي ورفض ما يسمي بالمسامحة السياسية التي برزت في الاونة الاخيرة كشعار في يد جميع الاطراف المتصارعة بغض النظر عن نتائج الاستمرار في الاحداث الدامية التي لن تؤدي إلى شيء سوى مزيد من الدمار للمجتمع والمواطنين.

الخوف الرئيس من الاحداث العربية التي جذبت الانظار الغربية بامتياز انها قد تنتج من رحمها مولودا مشوها، بخلاف ما انتظرناه من تحول حقيقي في حياتنا وسلوكنا ومستقبلنا، وهنا المأساة، فتنامي حدة الصراعات سمحت لجميع اصحاب المصالح الغربية بالتدخل في توجيه مخرجات الثورة بما يخدم مصالحهم، ما يعني اننا قد نكون مضطرين في مرحلة ما للتخلي عن بعض اهداف هذه الثورات الاستراتيجية تحت وطأة الضغوط الخارجية لأحداث المصالحة التي تتناسب مع اهدافهم المعلنة وغير المعلنة للمنطقة.

ومن ثم ومن باب الخوف من عدم قدرتنا على الاستمرار في انتاج مكتسبات الثورة التي شبهها البعض بالدراجة تتوقف بمجرد توقف صاحبها، على جميع الاطراف المتصارعة في المنطقة سواء بشكل مباشر او عبر الباب الخلفي للاحداث التوقف مليا امام الاحداث الاخيرة واجراء مراجعة نقدية لمواقفها وقياس الضرر الذي قد يترتب عليها وعلى المنطقة بالفائدة التي ستعود عليهم من الاستمرار في الاتجاه نفسه، لنحدد وقتها في اي اتجاه علينا ان نميل سياسيا خلال الفترة المقبلة، بدلا من ان نصل إلى مرحلة لا نجد فيها ما نتصارع عليه. نحن في امس الحاجة في بلادنا العربية اليوم إلى رفع شعار المسامحة السياسية بدلا من رفضه، وان نؤمن بضرورة ان نتعايش مع الطرف الاخر ورأيه وان كان مخالفا لنا وفي اقصى الاتجاه الاخر، والتخلي عن التبرع بتوزيع الاتهامات على من يخالفنا الرأي بما يناقض مبدأ النزاهة في الخصومة، خصوصا ان هذا الاجراء يعد من المكتسبات البديهية للممارسة الديموقراطية الحقيقية، والا سنكون وقتها نخادع انفسنا بشعارات لا نمارسها الا اعلاميا.

كل واحد منا يحيط بجانب من الحقيقة وتفوته جوانب، ينظر من زاوية وتفوته زوايا، وما يصل اليه من صدق دائما صدق نسبي... اما صاحب العلم المحيط والبصر الشامل فهو الله وحده... «المرحوم الدكتور مصطفى محمود».

 



http://www.eset.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي