نائب الجماعة الإسلامية في لبنان أكد أن حرق الكنائس نفذه «بلطجية»
عماد الحوت لـ «الراي»: الانقلاب في مصر ذاهب باتجاه «شيطنة» الإخوان ... ولن ينجحوا

قوات الجيش ... إلى متى تبقى في الشارع المصري؟

الفريق السيسي عقب حلفه القسم

عماد الحوت متحدثاً لـ «الراي»







| بيروت ـ من آمنة منصور |
بـ«انقلاب» أم «نقل» للسلطة، سحب الجيش المصري البساط من تحت الرئيس المصري المعزول محمد مرسي لتهوى مصر في بحر هائج من الدماء يضرب بتياراته شراع الثورة «الثانية» وشرعيتها.
تجربة قصيرة للاخوان المسلمين في سلطة وصلوا اليها عبر صناديق الاقتراع، وضع حدا لها اعلان قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي عزل مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئيسا موقتا للبلاد بعد مليونيات «تمرد»، لتدخل البلاد «صراع» الميادين الذي انتهى بفض اعتصامات الاخوان المسلمين في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر بقوة السلاح في مواجهات أسفرت عن قتلى وجرحى في صفوف الطرفين.
الا ان شبح الحرب الأهلية لم يكتف بدخول مصر من نافذة ما وصف بـ«حرب الشوارع» يهمّ باقتحامها من باب الطائفية عبر الاعتداء على الكنائس الأمر الذي يهدد العيش المشترك في «أم الدنيا» ويحرف تطور الأحداث فيها نحو نفق مجهول.
«الراي» سألت «الجماعة الاسلامية» في لبنان عن علاقتها بـ«الاخوان»، مستعرضة موقفها من التطورات في مصر، فالتقت نائب «الجماعة» في البرلمان اللبناني عماد الحوت وكان هذا الحوار:
• بإطلاق مبارك اكتملت المنظومة واسترجع نظامه كامل أدواته لحكم مصر
• بعد الدم الذي سقط لن يستطيع الانقلابيون الاستمرار
• ما يحصل في مصر لم يعد اختلافاً في وجهتيْ نظر بين الثوار بل انقلاب يعيد تكرار تجربة عبد الناصر العام 1954
• الثورة خلال مسارها قد تخطئ وتصحح نفسها بنفسها بمسارات ثورية لا بمسارات دموية أو انقلابية
• الحل في مصر لعودة الشرعية وإطلاق حوار واسع لكل القوى السياسية للاتفاق على انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة
• «الجماعة الاسلامية» تنظيم سياسي لبناني يلتقي فكريا مع «الاخوان المسلمين»؟
- نعم «الجماعة» تنظيم لبناني، ونحن بمدرسة فكرية واحدة مع الاخوان هي مدرسة «الاخوان المسلمين» التي نحن جزء منها.
• بالنظر الى التطورات في مصر، هل تعتقدون ان الاخوان يتحملون بمكان ما مسؤولية ما يحصل؛ اذ بفترة قياسية لا تتجاوز العام تفاقمت نقمة شعبية في وجههم نتيجة ما قيل عن «أخونة» الدولة واقصاء الرأي الآخر، بدليل المليونيات المتعددة التي رفضت سياسة الاخوان؟
- لنفصّل النقاط التي طرحتها. أولا في موضوع «أخونة» الدولة: ثبت بعد الانقلاب انه لم يكن هناك «أخونة» للدولة، والدليل كيف يمكن لدولة تأخونت ان تصبح مباشرة جزءا من الانقلاب؟ وبالتالي بات واضحا ان هذا الأمر لا يعدو كونه أكذوبة كبيرة لاثارة الرأي العام، ولا سيما مع الاعلام مدفوع الثمن من قبل رجال أعمال حسني مبارك ليضخ أكاذيب متعددة، ومن الطبيعي ان يتأثر الرأي العام المصري بالمعلومة التي تصله سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة. أما في ما يتعلق بالمليونيات، فأريد التذكير بانه قبل أيام دعت حركة «تمرد» الى النزول الى الشارع الا ان ميدان التحرير بقي فارغا تماما، فأين الرأي العام اذا؟ طبعا هذا لا يلغي وجود رأي عام آخر، اذ على العكس هناك رأي عام آخر لم يجد نفسه بعد كنتائج لثورة 25 يناير حيث بقي ينزل الى الشارع ليعبّر، لكن هذا الرأي العام الآخر الذي ينبغي احترامه بشكل أو بآخر تم الاستفادة من حراكه خلال العام الماضي كله لتسخين الشارع المصري من خلال المولوتف الذي كان يرمى والاعتداء على مقار الاخوان وحزب «الحرية والعدالة» فيما لم نر أي اعتداء على مقرات أحزاب أخرى.
وبناء على كل هذه الأمور، من الواضح انه كان هناك من يستفيد من رأي عام آخر موجود. وأخيرا، اذا كان هناك رأيان مختلفان في اي بلد، كيف تحلّ الأزمات؟ بالانقلابات أم بصناديق الاقتراع؟ هذا السؤال برسم الرأي العام.
• ألا ترون ان حركة «تمرد» كانت تنادي بمطالب محقة؟
- أجدد التأكيد انه كان هناك رأي عام آخر. وبطبيعة الحال، لا يوجد وجهة نظر صائبة 100 بالمئة وأخرى مخطئة 100بالمئة. ولا شك ان لكلا الفريقين وجهات نظر سليمة في مكان ومخطئة في مكان آخر، لكن السؤال الذي أطرحه مجدداً: هذا الرأي العام الذي يملك شيئا من الصواب كيف يصل الى حقه؟ بالانقلاب أم بصناديق الاقتراع؟
• هل تعتبرون ان ما يحصل في مصر هو صراع بين الثوار انفسهم بسبب وجهات نظر مختلفة؟
- ما يحصل الآن في مصر لم يعد اختلافا في وجهتي نظر بين الثوار بل انقلاب يعيد تكرار تجربة عبد الناصر العام 1954 باعلان حالة الطوارئ أي اخضاع الشعب المصري لكل أساليب أمن الدولة وغارات الفجر على البيوت والاعتقالات. وأبناء الشعب، ممن ليسوا بالضرورة من مناصري الرئيس محمد مرسي، باتوا خائفين على مستقبل أبنائهم ومستقبل مصر، لذلك هم مصرون على استكمال حراكهم حتى عودة الجيش الى دوره الطبيعي في حماية الحدود وعودة الحياة السياسية الطبيعية الى مصر.
• أين يبرز دور فلول النظام السابق في كل ذلك؟
- يكفي ان نرى شكل الحكومة التي شُكلت، كما يكفي ان تنظري الى الاعلام الذي يغطيه رجال أعمال حتى تعرفي أين هم الفلول. طبعا ليس من مصلحة الفلول ان تنجح الثورة، فيشترون ويمارسون ما يريدون من فساد تماما كما كان في عهد الرئيس حسني مبارك.
• طرأ تطور بارز على مسار الثورة المصرية تمثل باطلاق الرئيس حسني مبارك، كيف تقرأون هذا التطور في ضوء الأحداث الأخيرة؟
- لا أعتقد انه كان مفاجئا اطلاق سراح مبارك، فقد كان يتم التحضير لذلك خلال الأيام والأسابيع السابقة وحتى خلال وجود الرئيس محمد مرسي بالحكم. فحينها كان يتم تبرئة مبارك من تهمة تلو الأخرى. وفي اعتقادي ان الافراج عن مبارك يكشف وجه الانقلاب ومَن خلفه وبالتالي الرغبة الحقيقية بالعودة الى مرحلة ما قبل 25 يناير أي الى ما قبل الثورة المصرية. والآن أدوات الانقلاب كلها من مجموعة حسني مبارك وكانت قبل الثورة، ما يعني ان اطلاق سراح الرئيس المخلوع جاء ليكمل المنظومة ويسترجع نظام مبارك كامل أدواته لحكم مصر.
• ما رأيكم بالمفارقة بان الرئيس المخلوع خرج الى الحرية في حين ان الرئيس المنتخب خلف القضبان؟
- أعتقد ان هذا منطلِق من المعيار الخاطئ للانقلاب نفسه، وهو بحد ذاته جريمة وبالتالي عندما يكون المنطلق جريمة انقلاب تصبح النتائج كلها غير منطقية وغير عادلة.
• ألا تعتبرون ان مسار الثورة في مصر يتطلب المزيد من الوقت لاكتمالها، وهي ستمرّ حتى ذلك الحين بعثرات؟
- طبعا طبعا. لكن ليس من خلال انقلابات عسكرية وسقوط 4000 شهيد في رابعة العدوية وبالأمس نحو 200 شهيد فضلا عن عشرات ألوف الجرحى؛ الثورة خلال مسارها قد تخطئ وتصحح نفسها بنفسها بمسارات ثورية لا بمسارات دمويّة أو انقلابيّة.
• لم برأيكم تمّ فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية بالقوة؟
- لان الانقلابيين وصلوا الى درجة من الحرج. تخيّلي ان مئات الألوف معتصمين لخمسة وأربعين يوماً في ميدان؛ هذا يعني ان الانقلابيين لا يعبّرون عن رأي عام ولا يملكون شعبية حقيقية، والا لكانوا أقاموا مقابل الفعالية فعالية أخرى مقابلة وما استطاعوا ذلك. وحتى عندما دعا السيسي الى النزول الى الشارع لاعطائه التفويض، كان من الواضح ان من نزلوا لم يستطيعوا الاستمرار لساعات في اعتصامهم، في حين هناك اناس اعتصموا لمدة 45 يوما وثمة رأي عام اقليمي ودولي يتعاطف معهم. فوصل الانقلابيون الى لحظة الشعور بفقدان الشرعية الكامل، لذلك لجأوا الى آخر ورقة يمكن ان يستخدموها وهي ورقة العنف.
• كيف يمكن للاسلام السياسي والاخوان التعايش مع تطلعات فئة لا يستهان بها من شعوب المنطقة الى دولة مدنية، ولا سيما في البلدان التي شهدت وتشهد ثورات من ضمن ما عُرف بـ «الربيع العربي»؟
- أولا في تونس رئيس الجمهورية يساري، رئيس مجلس النواب ليبرالي بينما رئيس الحكومة اسلامي. اذا هناك ائتلاف بين كل التوجهات السياسية في تونس ولم يكن هناك أسلمة بأي معنى من المعاني. يبقى انه اذا كان الشعب نفسه بطبيعته مسلما ويطالب ان يعيش اسلامه بشكل عفوي، فهذا لا يعني أسلمة الدولة.
وبالنظر الى الدستور الذي أُقرّ في مصر، لوجدنا انه دستور مدني بامتياز وقد وصفه كبار الحقوقيين في الغرب بانه تحفة قانونية حقوقية متميزة، وبالتالي نحن نتكلم عن دولة مدنية لا دولة ذات طابع ديني. أما الاسلام كجزء من طبيعة الشعوب، فهذا أمر لا يمكن انكاره أو تغطيته أو تجاوزه اذ هذه هي الشعوب وهذه خياراتها. لكن بالمحصلة، نحن نتكلم في مصر وتونس عن دولة مدنية بكل ما للمدنية من معنى، ومَن يدّعي أسلمة الدولة عليه ان يأتي بالدليل.
• هل تعتبرون ان من الممكن ان يتكرر سيناريو الرئيس السوري حافظ الأسد مع الاخوان في مصر، بحيث يصبح الاخوان مضطهدين وتصل عقوبة الانتماء اليهم الى الاعدام؟
- من الواضح ان الانقلاب ذاهب باتجاه شيطنة الاخوان. وانا لا أستبعد خلال السنوات المقبلة ان يتم اعتبار الاخوان تنظيما ارهابيا ينبغي استئصاله بقرار رسمي، لكن هذا لا يعني انه سينجح في ذلك. فنحن اليوم لسنا في الستينات والسبعينات، والاعلام وأدواته باتت تنقل الصورة بشكل مباشر وأي ممارسة تشكل جريمة بحق الانسانية باتت مفضوحة، وبالتالي لم يعد أحد يصدّق الانقلابيين في ادعاءاتهم وهم لن ينجحوا في شيطنة الاخوان المسلمين كما يحاولون.
• في أيّ اطار تضعون ما تمّ تسميته بـ «الحرب الانتقامية» التي يشّنها الاخوان على الأقباط عبر حرق عدد كبير من الكنائس؟
- أريد التذكير انه في العام 2011 تم حرق كنيستين ليتم على اثره اتهام الثوار والاخوان بذلك، ثم أظهرت التحقيقات بعد انتهاء الثورة ان مَن كان وراء حرق الكنيستين هم المخابرات المصرية ووزارة داخلية حسني مبارك بقيادة حبيب العدلي.
بالأمس في المنيا خرج الانبا مسؤول الكنيسة ليقول ان البلطجية هم مَن اعتدوا على الكنيسة وان مَن حمى الكنيسة هم المسلمون والمشايخ.
• ماذا عن الحديث عن سلاح بيد المعتصمين في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر؟
- تم الحديث عن سلاح ولكن لم يتم تصوير أي سلاح. صُوّرت قطعة سلاح من هنا وأخرى من هناك وهذا تصوير يكون مفبركا. أضف الى ذلك، ان سقوط 4000 شهيد كلهم برصاص حي، دون الرد بأي قطعة سلاح، يُسقط كل تلك الادعاءات.
• بأي اتجاه يحرف الحديث عن سلاح بيد الثوار وحرق الكنائس الأوضاع في مصر؟
- كيف تفسرين انه في اليوم الذي سبق فض اعتصام رابعة العدوية أو في اليوم نفسه تم الاعتداء على ثلاثين كنيسة، وكيف تفسرين عدم وجود أي ضحية؟ هل من المعقول ان تكون الكنائس خالية تماما في ذلك الوقت؟ أرى ان هذا دليل على ان مَن خلف هذا الاعتداء يفبركه ليلصقه بالآخرين.
• أيّ مثال ستعطيه تجربة «الاخوان المسلمين» للدول العربية التي لاتزال تحت وقع الثورات؟
- أعتقد انها ستعطي نموذج التعددية والتداول على السلطة سلميا، وبالتالي نموذج الصدق في فكرة بناء الدولة بعيدا عن الحسابات الضيقة ودولارات البترو ـ دولار.
• ما الحل الانجع لما يحصل اليوم؟
- الحل الوحيد اليوم بعد كم الدماء الذي سقط بان تزول مفاعيل الانقلاب عبر عودة الشرعية واطلاق حوار واسع لكل القوى السياسية على ان تتفق من دون أي سقف على انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة لاستكمال انتخابات مجلس الشعب.
• هل برأيكم هناك امكان لعودة الرئيس المخلوع محمد مرسي الى الحكم؟
- باعتقادي انه بعد حجم الدم الذي سقط لن يستطيع الانقلابيون الاستمرار، ولا مخرج للأزمة الا بانطلاق ديموقراطية جديدة بعيدا عن تأثير العسكر. وأرى ان أخطاء الانقلابيين بحد ذاتها هي التي ستنعش الثورة، وهناك عدد كبير من الذين خدعوا بالانقلاب باتت الصورة اليوم أمامهم واضحة نتيجة اطلاق مبارك والممارسات القمعية التي يمارسها الانقلابيون ونتيجة كل هذه الأخطاء. لذا أعتقد انه أصبح واضحا لدى الشعب المصري بجزئه الأكبر انه لم تكن المسألة مسألة فصيل معين هو «الاخوان المسلمون» في مصر، وانما مسألة استهداف الثورة نفسها والقضاء عليها لارجاع مصر الى حكم العكسر والأمن وحكم منظومة حسني مبارك التي سبقت 25 يناير.
• اللبناني لديه ملكة الوصول الى تسويات، هل من الممكن ان تلعب «الجماعة» دورا في الذهاب الى تسوية ما. وهل هناك دور مساند يمكن ان تضطلع به؟
- لم نعتد في «الجماعة» التدخل مباشرة بشؤون أي دولة. لم نفعل ذلك في سورية ولا في مصر. ونعتقد ان شعب أي دولة قادر على ان يقود ويدير أزمته بنفسه وايجاد المخارج لها.
• موقفكم مما يحصل في سورية مبدئي ومما يحصل في مصر أيضا، لكن على الصعيد الداخلي هناك تباين في ما يتعلق بمصر بينكم وبين حلفائكم، ولا سيما «تيار المستقبل» الذي سارع رئيسه سعد الحريري الى تهنئة الرئيس الجديد في مصر. كيف سيؤثر ذلك على تحالفاتكم الانتخابية؟
- أعتقد ان هذا الأمر سيؤثر على صدقية هؤلاء الحلفاء، الذين تعرّضوا لـ «7 مايو» (عملية «حزب الله» العسكرية في بيروت والجبل العام 2008) في يوم من الأيام وباركوا «7 مايو» في مصر في الوقت نفسه، وبالتالي المأزوم في هذه المسألة هو مَن تسرّع وبارك الانقلاب لا نحن. يبقى ان نُحسن نحن ادارة الملفات ونعتبر ان لنا أولويات في لبنان.
• هل قد يدفعكم هذا الأمر الى تبني خيارات جديدة محليا؟
- بحسب ما نتفق أو نختلف، فكل ملف يُدرس في حينه. واذا اتفقنا على ملفّ نكون متعاونين، واذا اختلفنا حول ملف آخر نعبّر عن اختلافنا. نُحسن ادارة الاختلاف، وهذا ما كان قبل مصر وسيبقى بعد مصر.
بـ«انقلاب» أم «نقل» للسلطة، سحب الجيش المصري البساط من تحت الرئيس المصري المعزول محمد مرسي لتهوى مصر في بحر هائج من الدماء يضرب بتياراته شراع الثورة «الثانية» وشرعيتها.
تجربة قصيرة للاخوان المسلمين في سلطة وصلوا اليها عبر صناديق الاقتراع، وضع حدا لها اعلان قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي عزل مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئيسا موقتا للبلاد بعد مليونيات «تمرد»، لتدخل البلاد «صراع» الميادين الذي انتهى بفض اعتصامات الاخوان المسلمين في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر بقوة السلاح في مواجهات أسفرت عن قتلى وجرحى في صفوف الطرفين.
الا ان شبح الحرب الأهلية لم يكتف بدخول مصر من نافذة ما وصف بـ«حرب الشوارع» يهمّ باقتحامها من باب الطائفية عبر الاعتداء على الكنائس الأمر الذي يهدد العيش المشترك في «أم الدنيا» ويحرف تطور الأحداث فيها نحو نفق مجهول.
«الراي» سألت «الجماعة الاسلامية» في لبنان عن علاقتها بـ«الاخوان»، مستعرضة موقفها من التطورات في مصر، فالتقت نائب «الجماعة» في البرلمان اللبناني عماد الحوت وكان هذا الحوار:
• بإطلاق مبارك اكتملت المنظومة واسترجع نظامه كامل أدواته لحكم مصر
• بعد الدم الذي سقط لن يستطيع الانقلابيون الاستمرار
• ما يحصل في مصر لم يعد اختلافاً في وجهتيْ نظر بين الثوار بل انقلاب يعيد تكرار تجربة عبد الناصر العام 1954
• الثورة خلال مسارها قد تخطئ وتصحح نفسها بنفسها بمسارات ثورية لا بمسارات دموية أو انقلابية
• الحل في مصر لعودة الشرعية وإطلاق حوار واسع لكل القوى السياسية للاتفاق على انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة
• «الجماعة الاسلامية» تنظيم سياسي لبناني يلتقي فكريا مع «الاخوان المسلمين»؟
- نعم «الجماعة» تنظيم لبناني، ونحن بمدرسة فكرية واحدة مع الاخوان هي مدرسة «الاخوان المسلمين» التي نحن جزء منها.
• بالنظر الى التطورات في مصر، هل تعتقدون ان الاخوان يتحملون بمكان ما مسؤولية ما يحصل؛ اذ بفترة قياسية لا تتجاوز العام تفاقمت نقمة شعبية في وجههم نتيجة ما قيل عن «أخونة» الدولة واقصاء الرأي الآخر، بدليل المليونيات المتعددة التي رفضت سياسة الاخوان؟
- لنفصّل النقاط التي طرحتها. أولا في موضوع «أخونة» الدولة: ثبت بعد الانقلاب انه لم يكن هناك «أخونة» للدولة، والدليل كيف يمكن لدولة تأخونت ان تصبح مباشرة جزءا من الانقلاب؟ وبالتالي بات واضحا ان هذا الأمر لا يعدو كونه أكذوبة كبيرة لاثارة الرأي العام، ولا سيما مع الاعلام مدفوع الثمن من قبل رجال أعمال حسني مبارك ليضخ أكاذيب متعددة، ومن الطبيعي ان يتأثر الرأي العام المصري بالمعلومة التي تصله سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة. أما في ما يتعلق بالمليونيات، فأريد التذكير بانه قبل أيام دعت حركة «تمرد» الى النزول الى الشارع الا ان ميدان التحرير بقي فارغا تماما، فأين الرأي العام اذا؟ طبعا هذا لا يلغي وجود رأي عام آخر، اذ على العكس هناك رأي عام آخر لم يجد نفسه بعد كنتائج لثورة 25 يناير حيث بقي ينزل الى الشارع ليعبّر، لكن هذا الرأي العام الآخر الذي ينبغي احترامه بشكل أو بآخر تم الاستفادة من حراكه خلال العام الماضي كله لتسخين الشارع المصري من خلال المولوتف الذي كان يرمى والاعتداء على مقار الاخوان وحزب «الحرية والعدالة» فيما لم نر أي اعتداء على مقرات أحزاب أخرى.
وبناء على كل هذه الأمور، من الواضح انه كان هناك من يستفيد من رأي عام آخر موجود. وأخيرا، اذا كان هناك رأيان مختلفان في اي بلد، كيف تحلّ الأزمات؟ بالانقلابات أم بصناديق الاقتراع؟ هذا السؤال برسم الرأي العام.
• ألا ترون ان حركة «تمرد» كانت تنادي بمطالب محقة؟
- أجدد التأكيد انه كان هناك رأي عام آخر. وبطبيعة الحال، لا يوجد وجهة نظر صائبة 100 بالمئة وأخرى مخطئة 100بالمئة. ولا شك ان لكلا الفريقين وجهات نظر سليمة في مكان ومخطئة في مكان آخر، لكن السؤال الذي أطرحه مجدداً: هذا الرأي العام الذي يملك شيئا من الصواب كيف يصل الى حقه؟ بالانقلاب أم بصناديق الاقتراع؟
• هل تعتبرون ان ما يحصل في مصر هو صراع بين الثوار انفسهم بسبب وجهات نظر مختلفة؟
- ما يحصل الآن في مصر لم يعد اختلافا في وجهتي نظر بين الثوار بل انقلاب يعيد تكرار تجربة عبد الناصر العام 1954 باعلان حالة الطوارئ أي اخضاع الشعب المصري لكل أساليب أمن الدولة وغارات الفجر على البيوت والاعتقالات. وأبناء الشعب، ممن ليسوا بالضرورة من مناصري الرئيس محمد مرسي، باتوا خائفين على مستقبل أبنائهم ومستقبل مصر، لذلك هم مصرون على استكمال حراكهم حتى عودة الجيش الى دوره الطبيعي في حماية الحدود وعودة الحياة السياسية الطبيعية الى مصر.
• أين يبرز دور فلول النظام السابق في كل ذلك؟
- يكفي ان نرى شكل الحكومة التي شُكلت، كما يكفي ان تنظري الى الاعلام الذي يغطيه رجال أعمال حتى تعرفي أين هم الفلول. طبعا ليس من مصلحة الفلول ان تنجح الثورة، فيشترون ويمارسون ما يريدون من فساد تماما كما كان في عهد الرئيس حسني مبارك.
• طرأ تطور بارز على مسار الثورة المصرية تمثل باطلاق الرئيس حسني مبارك، كيف تقرأون هذا التطور في ضوء الأحداث الأخيرة؟
- لا أعتقد انه كان مفاجئا اطلاق سراح مبارك، فقد كان يتم التحضير لذلك خلال الأيام والأسابيع السابقة وحتى خلال وجود الرئيس محمد مرسي بالحكم. فحينها كان يتم تبرئة مبارك من تهمة تلو الأخرى. وفي اعتقادي ان الافراج عن مبارك يكشف وجه الانقلاب ومَن خلفه وبالتالي الرغبة الحقيقية بالعودة الى مرحلة ما قبل 25 يناير أي الى ما قبل الثورة المصرية. والآن أدوات الانقلاب كلها من مجموعة حسني مبارك وكانت قبل الثورة، ما يعني ان اطلاق سراح الرئيس المخلوع جاء ليكمل المنظومة ويسترجع نظام مبارك كامل أدواته لحكم مصر.
• ما رأيكم بالمفارقة بان الرئيس المخلوع خرج الى الحرية في حين ان الرئيس المنتخب خلف القضبان؟
- أعتقد ان هذا منطلِق من المعيار الخاطئ للانقلاب نفسه، وهو بحد ذاته جريمة وبالتالي عندما يكون المنطلق جريمة انقلاب تصبح النتائج كلها غير منطقية وغير عادلة.
• ألا تعتبرون ان مسار الثورة في مصر يتطلب المزيد من الوقت لاكتمالها، وهي ستمرّ حتى ذلك الحين بعثرات؟
- طبعا طبعا. لكن ليس من خلال انقلابات عسكرية وسقوط 4000 شهيد في رابعة العدوية وبالأمس نحو 200 شهيد فضلا عن عشرات ألوف الجرحى؛ الثورة خلال مسارها قد تخطئ وتصحح نفسها بنفسها بمسارات ثورية لا بمسارات دمويّة أو انقلابيّة.
• لم برأيكم تمّ فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية بالقوة؟
- لان الانقلابيين وصلوا الى درجة من الحرج. تخيّلي ان مئات الألوف معتصمين لخمسة وأربعين يوماً في ميدان؛ هذا يعني ان الانقلابيين لا يعبّرون عن رأي عام ولا يملكون شعبية حقيقية، والا لكانوا أقاموا مقابل الفعالية فعالية أخرى مقابلة وما استطاعوا ذلك. وحتى عندما دعا السيسي الى النزول الى الشارع لاعطائه التفويض، كان من الواضح ان من نزلوا لم يستطيعوا الاستمرار لساعات في اعتصامهم، في حين هناك اناس اعتصموا لمدة 45 يوما وثمة رأي عام اقليمي ودولي يتعاطف معهم. فوصل الانقلابيون الى لحظة الشعور بفقدان الشرعية الكامل، لذلك لجأوا الى آخر ورقة يمكن ان يستخدموها وهي ورقة العنف.
• كيف يمكن للاسلام السياسي والاخوان التعايش مع تطلعات فئة لا يستهان بها من شعوب المنطقة الى دولة مدنية، ولا سيما في البلدان التي شهدت وتشهد ثورات من ضمن ما عُرف بـ «الربيع العربي»؟
- أولا في تونس رئيس الجمهورية يساري، رئيس مجلس النواب ليبرالي بينما رئيس الحكومة اسلامي. اذا هناك ائتلاف بين كل التوجهات السياسية في تونس ولم يكن هناك أسلمة بأي معنى من المعاني. يبقى انه اذا كان الشعب نفسه بطبيعته مسلما ويطالب ان يعيش اسلامه بشكل عفوي، فهذا لا يعني أسلمة الدولة.
وبالنظر الى الدستور الذي أُقرّ في مصر، لوجدنا انه دستور مدني بامتياز وقد وصفه كبار الحقوقيين في الغرب بانه تحفة قانونية حقوقية متميزة، وبالتالي نحن نتكلم عن دولة مدنية لا دولة ذات طابع ديني. أما الاسلام كجزء من طبيعة الشعوب، فهذا أمر لا يمكن انكاره أو تغطيته أو تجاوزه اذ هذه هي الشعوب وهذه خياراتها. لكن بالمحصلة، نحن نتكلم في مصر وتونس عن دولة مدنية بكل ما للمدنية من معنى، ومَن يدّعي أسلمة الدولة عليه ان يأتي بالدليل.
• هل تعتبرون ان من الممكن ان يتكرر سيناريو الرئيس السوري حافظ الأسد مع الاخوان في مصر، بحيث يصبح الاخوان مضطهدين وتصل عقوبة الانتماء اليهم الى الاعدام؟
- من الواضح ان الانقلاب ذاهب باتجاه شيطنة الاخوان. وانا لا أستبعد خلال السنوات المقبلة ان يتم اعتبار الاخوان تنظيما ارهابيا ينبغي استئصاله بقرار رسمي، لكن هذا لا يعني انه سينجح في ذلك. فنحن اليوم لسنا في الستينات والسبعينات، والاعلام وأدواته باتت تنقل الصورة بشكل مباشر وأي ممارسة تشكل جريمة بحق الانسانية باتت مفضوحة، وبالتالي لم يعد أحد يصدّق الانقلابيين في ادعاءاتهم وهم لن ينجحوا في شيطنة الاخوان المسلمين كما يحاولون.
• في أيّ اطار تضعون ما تمّ تسميته بـ «الحرب الانتقامية» التي يشّنها الاخوان على الأقباط عبر حرق عدد كبير من الكنائس؟
- أريد التذكير انه في العام 2011 تم حرق كنيستين ليتم على اثره اتهام الثوار والاخوان بذلك، ثم أظهرت التحقيقات بعد انتهاء الثورة ان مَن كان وراء حرق الكنيستين هم المخابرات المصرية ووزارة داخلية حسني مبارك بقيادة حبيب العدلي.
بالأمس في المنيا خرج الانبا مسؤول الكنيسة ليقول ان البلطجية هم مَن اعتدوا على الكنيسة وان مَن حمى الكنيسة هم المسلمون والمشايخ.
• ماذا عن الحديث عن سلاح بيد المعتصمين في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر؟
- تم الحديث عن سلاح ولكن لم يتم تصوير أي سلاح. صُوّرت قطعة سلاح من هنا وأخرى من هناك وهذا تصوير يكون مفبركا. أضف الى ذلك، ان سقوط 4000 شهيد كلهم برصاص حي، دون الرد بأي قطعة سلاح، يُسقط كل تلك الادعاءات.
• بأي اتجاه يحرف الحديث عن سلاح بيد الثوار وحرق الكنائس الأوضاع في مصر؟
- كيف تفسرين انه في اليوم الذي سبق فض اعتصام رابعة العدوية أو في اليوم نفسه تم الاعتداء على ثلاثين كنيسة، وكيف تفسرين عدم وجود أي ضحية؟ هل من المعقول ان تكون الكنائس خالية تماما في ذلك الوقت؟ أرى ان هذا دليل على ان مَن خلف هذا الاعتداء يفبركه ليلصقه بالآخرين.
• أيّ مثال ستعطيه تجربة «الاخوان المسلمين» للدول العربية التي لاتزال تحت وقع الثورات؟
- أعتقد انها ستعطي نموذج التعددية والتداول على السلطة سلميا، وبالتالي نموذج الصدق في فكرة بناء الدولة بعيدا عن الحسابات الضيقة ودولارات البترو ـ دولار.
• ما الحل الانجع لما يحصل اليوم؟
- الحل الوحيد اليوم بعد كم الدماء الذي سقط بان تزول مفاعيل الانقلاب عبر عودة الشرعية واطلاق حوار واسع لكل القوى السياسية على ان تتفق من دون أي سقف على انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة لاستكمال انتخابات مجلس الشعب.
• هل برأيكم هناك امكان لعودة الرئيس المخلوع محمد مرسي الى الحكم؟
- باعتقادي انه بعد حجم الدم الذي سقط لن يستطيع الانقلابيون الاستمرار، ولا مخرج للأزمة الا بانطلاق ديموقراطية جديدة بعيدا عن تأثير العسكر. وأرى ان أخطاء الانقلابيين بحد ذاتها هي التي ستنعش الثورة، وهناك عدد كبير من الذين خدعوا بالانقلاب باتت الصورة اليوم أمامهم واضحة نتيجة اطلاق مبارك والممارسات القمعية التي يمارسها الانقلابيون ونتيجة كل هذه الأخطاء. لذا أعتقد انه أصبح واضحا لدى الشعب المصري بجزئه الأكبر انه لم تكن المسألة مسألة فصيل معين هو «الاخوان المسلمون» في مصر، وانما مسألة استهداف الثورة نفسها والقضاء عليها لارجاع مصر الى حكم العكسر والأمن وحكم منظومة حسني مبارك التي سبقت 25 يناير.
• اللبناني لديه ملكة الوصول الى تسويات، هل من الممكن ان تلعب «الجماعة» دورا في الذهاب الى تسوية ما. وهل هناك دور مساند يمكن ان تضطلع به؟
- لم نعتد في «الجماعة» التدخل مباشرة بشؤون أي دولة. لم نفعل ذلك في سورية ولا في مصر. ونعتقد ان شعب أي دولة قادر على ان يقود ويدير أزمته بنفسه وايجاد المخارج لها.
• موقفكم مما يحصل في سورية مبدئي ومما يحصل في مصر أيضا، لكن على الصعيد الداخلي هناك تباين في ما يتعلق بمصر بينكم وبين حلفائكم، ولا سيما «تيار المستقبل» الذي سارع رئيسه سعد الحريري الى تهنئة الرئيس الجديد في مصر. كيف سيؤثر ذلك على تحالفاتكم الانتخابية؟
- أعتقد ان هذا الأمر سيؤثر على صدقية هؤلاء الحلفاء، الذين تعرّضوا لـ «7 مايو» (عملية «حزب الله» العسكرية في بيروت والجبل العام 2008) في يوم من الأيام وباركوا «7 مايو» في مصر في الوقت نفسه، وبالتالي المأزوم في هذه المسألة هو مَن تسرّع وبارك الانقلاب لا نحن. يبقى ان نُحسن نحن ادارة الملفات ونعتبر ان لنا أولويات في لبنان.
• هل قد يدفعكم هذا الأمر الى تبني خيارات جديدة محليا؟
- بحسب ما نتفق أو نختلف، فكل ملف يُدرس في حينه. واذا اتفقنا على ملفّ نكون متعاونين، واذا اختلفنا حول ملف آخر نعبّر عن اختلافنا. نُحسن ادارة الاختلاف، وهذا ما كان قبل مصر وسيبقى بعد مصر.