أسطورة الصحافيين الهزليين


شعب إسرائيل بشر في هذه الأيام بالشروع الرسمي في المباحثات السلمية غير المباشرة بين إسرائيل وسورية. في الماضي البعيد كان مثل هذا الخبر يتسبب في انفعال كبير وسرور، ولكن قلوبنا أصبحت قاسية مع السلام منذ ذلك الحين. على أي حال من الواضح لكل ذي عقل وبصيره أننا أمام مفاوضات طويلة ومرهقة وصعبه واتفاق السلام مازال بعيداً عنا. من الواضح كذلك أن هذا الاتفاق إن تم التوصل إليه سيكون مثاراً لخلافات شديدة ومريرة في صفوف الجمهور الإسرائيلي.
في هذا الجدل هناك ادعاءات قوية ومقنعه لدى كل طرف من طرفي الجدال وليست هناك أي حاجة إلى تلويثه في ادعاءات سطحية عبثية وتفاهات على «الصرعات الاعلامية». من يدعي، وخلال ساعة من الزمن سمعنا مثل هذا الادعاء في وسائل الإعلام كلها، أننا أمام «صرعة « فقط والتوقيت كله ليس إلا محاولة من رئيس الوزراء لحرف الأنظار عن التحقيق الجاري ضده. ومن يبث هذا الشعار الأحمق الكاذب والهزلي «عمق محادثات أنقرة يتناسب طردياً مع عمق التحقيق» إنما يشير إلى نفسه بأنه لا يثق بادعاءاته نفسها ويضطر إلى الانجرار وراء تضليل رخيص.
المفاوضات مع السوريين كانت قد بدأت قبل قضية تلنسكي بكثير كما نعلم في مقابلات عيد الفصح. من قبل أن نسمع عن اسم موشيه تلنسكي تحدث أولمرت عن الاتصالات مع سورية صراحة وعن أن كل طرف يعرف بالضبط ما الذي يريده الطرف الثاني ويتوقعه.
وليس سراً أيضاً أن السوريين مثل الأتراك مهتمون كثيراً بالإعلان عن وجود مثل هذه المفاوضات. هل يصدق أحد ما حق أن إيهود أولمرت مع كل مواهبه وهي كثيرة قادر على إقناع رئيس الوزراء التركي أردوغان و«صديقه الطيب» بشار الأسد بالتعاون معه في إطلاق بالونه الإعلامي الكاذب عن المفاوضات الوهمية مع سورية؟ أولمرت لم يبتدع المفاوضات مع سورية وإنما يسير في أعقاب رؤساء الوزراء كلهم الذين سبقوه (باستثناء شارون).
كل نظرية البالون الاعلامي بلا أساس وكل إنسان نزيه وذو تفكير مستقل سيعرف فوراً أن ذلك ادعاء فارغ من الأساس والمضمون تماماً. هل يصدق أحد ما فعلاً أن النبأ بصدد البدء في المفاوضات غير المباشرة مع السوريين، تلك المفاوضات التي يوجد شك كبير في أن تتمخض عن اتفاق وهناك خلاف كبير في شأنها لدى الجمهور الإسرائيلي، سيؤثر بصورة ما على التحقيق الجاري ضد أولمرت؟ كل من يوجد له عقل في رأسه يعرف ويدرك أن الشرطة والنيابة العامة قد ألقيتا كل ثقلهما وكل مكانتهما الاعتبارية على هذا التحقيق وهم سيقومون بكل ما بوسعهم لبلورة لائحة اتهام ضد أولمرت هذا حتى إن وقع اتفاق السلام غداً مع سورية وإيران معاً.
الحقيقة هي أن خرافة «البالون الإعلامي» والصرعة هما بدعة من إعلاميين سخيفين وسياسيين محبطين وديماغوجيين وأصحاب البالونات الإعلامية الحقيقيين. هناك أسباب جيدة من وراء عدم التنازل عن هضبة الجولان وأخرى جيدة مع القمة الاستراتيجية الكبيرة المترتبة على اتفاق السلام مع سورية. الجدل على ذلك يجب أن يتم بصورة مدروسة وموضوعية وحضارية والقول للسخفاء الديماغوجيين على أشكالهم: توقفوا عن بلبلة عقولنا في حكايات البالونات والصرعات الإعلامية التي تسوقونها.
يهودا بن مائير
«هآرتس»