«سي آي إي»: أميركا وبريطانيا أسقطتا عام 1953 رئيس الوزراء الإيراني في... «عملية الجزمة»

تصغير
تكبير
| لندن من إلياس نصرالله |

أحدث اعتراف «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» (سي آي إي) بدورها ودور الاستخبارات البريطانية في إسقاط حكومة رئيس الوزراء الإيراني محمد مُصدّق عام 1953 حرجاً شديداً في الوسط السياسي البريطاني، كونه أول اعتراف رسمي وموثق بتدخل الأجهزة الأمنية البريطانية والأميركية في الشأن الداخلي الإيراني وإعادة شاه إيران إلى الحكم، الأمر الذي تكتم الجانبان الأميركي والبريطاني عليه حتى اليوم، رغم اللغط الواسع الذي دار حول الموضوع طوال الستين سنة الماضية، ورغم الإشارة العرضية القصيرة التي وردت في عام 2009 لهذا الدور من جانب الرئيس باراك أوباما.

وكان أوباما اكتفى بإشارة مقتضبة خلال خطابه الشهير الذي وجهه إلى شعوب العالمين العربي والإسلامي من القاهرة، حينما قال «في خضم الحرب الباردة لعبت الولايات المتحدة دوراً في إسقاط حكومة منتخبة ديموقراطياً في إيران»، من دون توضيح، تاركاً الأمر مبهماً، رغم إسراع الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد لمطالبة واشنطن لتقديم اعتذار للشعب الإيراني على هذا التدخل، إلى أن جاء أول من أمس، نشر الوثيقة الرسمية، وهي عبارة عن تقرير سري داخلي وضعه المؤرخ الخاص لـ«السي آي إي» حول دور الوكالة في إسقاط حكم مصدّق ويعود تاريخ التقرير إلى منتصف عقد السبعينات. وتم نشر الوثيقة من جانب أرشيف «معهد أبحاث الأمن القومي» الأميركي التابع لجامعة «جورج واشنطن» في العاصمة الأميركية.

وحمل التقرير عنوان «المعركة من أجل إيران» وتحدث بوضوح عن الدور الأميركي، حسبما يتضح من النص التالي المقتبس من التقرير: «تم تنفيذ الانقلاب العسكري الذي أسقط مصدّق وحكومة جبهته الوطنية بتوجيه «السي آي إي» كعملية من ضمن السياسة الخارجية الأميركية، بُحِثت وتمت الموافقة عليها على أعلى مستوى حكومي».

وتوضح الوثيقة الكيفية التي جرى فيها الانقلاب على مصدّق بتقديم عرض سريع للخلفية السياسية التي دفعت الحكومة الأميركية إلى التدخل في إيران، وذلك بعد انتخاب مصدّق في عام 1951 كأول رئيس وزراء منتخب في إيران التي نالت استقلالها مجدداً في عام 1946، بعد الحرب العالمية الثانية التي جرى خلالها احتلال أجزاء واسعة من إيران من جانب الاتحاد السوفياتي وبريطانيا، الحليفين ضد ألمانيا النازية.

ففي أول خطوة له بعد انتخابه رئيساً للوزراء أقدم مصدّق على تأميم صناعة النفط التي كانت تخضع لسيطرة بريطانيا بواسطة شركة النفط الأنجلو إيرانية التي أصبحت لاحقاً شركة «بريتش بتروليوم (بي بي)»، فغضبت الحكومة البريطانية لفقدانها أغلى ما تملكه في ذلك الوقت من مصالح في الخارج، ووجهت دعوة للعالم من أجل مقاطعة النفط الإيراني. فالبريطانيون، وفقاً للتقرير «آمنوا بأن حصولهم على النفط الرخيص لدعم القطاع الصناعي لبلدهم والأرباح العالية التي كانت تحققها شركة «بي بي» مسألة حيوية بالنسبة للمصالح الوطنية البريطانية».

من جهتهم اعتقد الأميركيون الذين كانوا في تلك الفترة قد دخلوا في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أن خطوة تأميم النفط من جانب مصدّق «تجعل إيران مُعرّضة للعدوان السوفياتي»، وفقاً للوثيقة.

لذلك اتفق في حينه كل من رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، والرئيس الأميركي دوايت إيزنهاور على إجراء الانقلاب ضد مصدق. ويقول التقرير أن «السي آي إي» أطلقت على العملية اسم «تاباجاكس»، فيما أطلقت الاستخبارات البريطانية عليها اسم «عملية الجزمة». وبدأت العملية المشتركة من الجانبين بحملة إعلامية معادية لمصدّق رافقها الترويج لمحمد رضا بهلوي كشاه جديد لإيران، فيما تم دفع رشاوى سخية لأعضاء في البرلمان الإيراني.

وجاء في التقيرير أن محاولة لاعتقال مصدق جرت مساء 15 أغسطس، لكنها فشلت، غير أن مجموعة من الرعاع موّلتها «السي آي إي» قامت بأعمال شغب في طهران في 19 أغسطس، وشكلوا مسيرة توجهت نحو منزل رئيس الوزراء. ويقتبس التقرير ما ورد في إفادة قدّمها لـ«السي آي إي» دونالد ويلبر، أحد الذين خططوا للانقلاب، عقب وقوعه بأيام قليلة، حيث قال «حالاً انضم الجيش إلى الحركة الموالية للشاه وعند منتصف ذلك اليوم أصبح واضحاً أن طهران ومعها مناطق ريفية معينة أضحت تحت سيطرة الجماعات المؤيدة للشاه ووحدات الجيش الإيراني... ومساء 19 أغسطس اختبأ أعضاء حكومة مصدّق أو أصبحوا عاجزين».

ووفقاً لويلبر سارعت الحكومة الأميركية في الأيام الأولى للانقلاب إلى تقديم 5 ملايين دولار دعماً لنظام الحكم الجديد من أجل دعم الاستقرار في إيران. كما قال ويلبر أنه جرت حملة اعتقالات لمؤيدي مصدّق أو تم إعدامهم. وقدّر ويلبر عدد الذين أعدموا نحو 800 شخص، فيما جرى توجيه تهمة الخيانة العظمى لمصدق وقدِّم للمحاكمة وحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات، خرج بعدها ليبقى رهن الاعتقال المنزلي حتى آخر يوم في حياته في عام 1967.

وعلقت صحيفة «الإندبندنت» أمس على نشر الوثيقة الأميركية بأن «السي آي إيه» لزمت الصمت طوال الوقت حرصاً على عدم إزعاج البريطانيين وأجهزتهم الأمنية بالكشف عن دورهم في الانقلاب ضد مصدّق.

ونقلت الصحيفة عن نائب مدير أرشيف الأمن القومي الأميركي مالكولم بيرني، أنه على «السي آي إي» عدم الاكتفاء بنشر هذه الوثيقة، بل ينبغي نشر كل الوثائق المتوفرة لديها حول الانقلاب ضد مصدّق، وأضاف: «من غير المنطقي الاحتفاظ بأسرار حول هذه القصة الخطيرة من ماضينا». موضحاً أن «الأطفال الصغار في مدارس إيران يعرفون الحقائق الأساسية. وإخفاء المعلومات يُسهم في تشويه التاريخ ويغذي الأساطير من كل الاتجاهات».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي