د. يعقوب أحمد الشراح / صدى الكلمة / الديموقراطية الزائفة

تصغير
تكبير
| د.يعقوب أحمد الشراح |

يستخدم الناس مصطلح «الديموقراطية» في حياتهم اليومية وعلى نحو يردده البعض من دون فهم لمقاصد هذا المصطلح سوى الاعتقاد العام بأن الديموقراطية مهما تباينت أنواعها ونظامها تعني في النهاية خدمة مصالح الناس. هناك مفاهيم تنظر إلى الديموقراطية من زوايا مختلفة، فالفكر الديني يرى الديموقراطية بثوب مختلف عن الفكر المدني أو العلماني، واللادينيون من بوذ وهندوس وأصحاب معتقدات مختلفة أيضاً لديهم ديموقراطيات يرون أنها الأفضل والأكثر مناسبة لحياتهم ووجودهم.

هذا التباين في المفاهيم أدى ومازال إلى اختلافات في الممارسة، خصوصاً بوجود الفجوة بين المنظور الديني والسياسي للديموقراطية، فهذه الفجوة بين الفكر الديني والفكر العلماني في عالمنا العربي أدت إلى مواجهات والدخول في الثورات والاضطرابات، ورفض كل فكر للآخر، ونبذ كل معتقد للآخر، فالفكر المدني يرفض الدين السياسي لأن الأخير يؤمن بأن الضرورات والثوابت هي حق مقدم على الدوام مقارنة بالمصالح السياسية، كذلك يرى الفكر العلماني أن التعصب الديني لا يعطي الحق لجميع المذاهب والديانات والمعتقدات على قدم المساواة في الدولة الواحدة باعتبار الاختلاف البين في التعاليم الدينية هي التي تميز في الحقوق والواجبات بين أصحاب العقائد والتوجهات الفكرية المختلفة.

نقول ذلك انطلاقاً من الأزمات التي نواجهها اليوم في عالمنا العربي الذي يعيش الصراع والنزاع بسبب التناقض في المعتقدات والأفكار التي توجهها المذاهب والأعراق والأديان استناداً على الأحقية والأفضلية، والتميز والمصالح، وليس على أساس نظام مدني يحترم كل الأديان والعقائد والحقوق السياسية للمواطنين والأقليات. فالمشهد السياسي، مع الأسف، يعكس التشدد الفكري، والتمسك الشديد بالاجتهادات الفردية أو الحزبية التي تزيد من احتدام الجدال والخلاف والتعامل بين الناس والدولة...

لقد وجد أن استمرار الأزمات في الإقليم هو نتاج تأجيج الفكر المتعصب من طرف ضد آخر استناداً على سوء فهم العلاقة بين الدين والديموقراطية، والعمل بديموقراطية «متعصبة» بعيدة عن المفهوم العالمي للديموقراطية الذي يركز على المواطنة والدستور المدني بإقامة المؤسسات وتداول السلطات في إطار الحق الكامل للمواطنة والحرية في العقيدة والفكر، مع الأخذ بالتعددية السياسية.

تتفق الغالبية السكانية في العالم بأن الديموقراطية الليبرالية هي الأكثر تأثيراً في تقدم المجتمع ورخائه حيث يسود فيها احترام الدستور، والتسامح، والقانون، والمساواة وغيرها من عناصر هي الأساس والضرورة لحركة الحياة وتقدمها في المجتمعات، فالخلط بين الدين والسياسة، وكما أثبتتها التجارب، يساهم في معوقات تقدم المجتمعات، وربما تخلفها، خصوصاً أن استقلال الدين لأهداف تتناقض مع تعاليم الدين ومقاصده يشكل تهديداً لقدسية الدين قبل أن يكون تدميراً للمجتمع بأكمله...



[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي