نقص واضح في التوعية والوقاية حول الجرائم الانتخابية في الكويت... وتغليظ العقوبات أحد الحلول الناجعة

شراء الأصوات... ما الحل؟!

تصغير
تكبير
| كتب عماد المرزوقي |

شراء الأصوات، ظاهرة قديمة جديدة لا تمر مناسبة انتخابات الا ويتم التنبيه اليها. تعرف بمصطلح «المال السياسي» وبالمصطلح القانوني تعرف بالغش والتزوير **في الانتخابات عبر شراء الأصوات ما يعرض المشتري والبائع والذي تم شراء صوته معا الى المحاسبة القانونية. الكويت على سبيل المثال سجلت في اكثر من مناسبة عمليات شراء للأصوات في انتخابات مجالس الأمة ومن بينها الانتخابات الحالية، والتي تشهد تحقيقات قضائية مع عدد من المرشحين بتهمة شراء اصوات.

لكن هل من حل أو آلية طرحت في العالم لضمان نزاهة الانتخابات ضد ظاهرة شراء الأصوات يمكن تطبيقها في الكويت؟

دفع المال من اجل شراء الأصوات يعتبر مشكلة قديمة تحول دون ضمان سلامة نتيجة الاقتراع. فحسب تقرير لـ «ايكونوميست»، فإن «التكنولوجيا قد تكون الحل». اذ ان هناك اشاعات تفيد انه يمكن مراقبة ظاهرة شراء الأصوات من خلال وضع كاميرات تجسس تبدو على شكل أقلام أو هواتف نقالة تسلم للناخبين. لكن هذه الطريقة تكون مقتصرة على مكان الاقتراع، اذ عبر الهواتف المحمولة، يمكن أن ترسل رسالة مصورة كدليل على اية عملية تسلم للأموال وقت الاقتراع». لكن عمليات شراء الأصوات اكثرها يتم بشكل سري وغير علني وقبيل الاقتراع. فهل من حل آخر؟

«تغليظ العقوبات الرادعة لعملية شراء الأصوات، قد تكون حلا ناجعا يقلص من انتشار الظاهرة»، هكذا يقترح رئيس جمعية الشفافية د.صلاح الغزالي الذي أكد ان «جريمة شراء الأصوات وفق القانون عقابها اما السجن لمدة اقصاها خمس سنوات او غرامة من 2000 دينار الى 5000 دينار او السجن والغرامة معا».

وقال الغزالي لـ «الراي»: «يمكن لمرشح اشترى 1000 صوت على سبيل المثال ان تكون عقوبته 2000 دينار ثم ينجح في الانتخابات بموجب عدد الأصوات التي صوتت له»، مشيرا إلى ان «استمرار تسجيل جرائم انتخابية على غرار شراء الأصوات سببه هذا العام نقص واضح في التوعية والوقاية التي هي من مهام وزارة الاعلام والداخلية».

واضاف ان «وزارة الاعلام لم تقم بنشر دوريات علمية حول الجرائم الانتخابية منها شراء الأصوات، الى ذلك فإن وزارة الداخلية لم تنشر ارقامها الى الرأي العام في حال التبليغ عن جرائم انتخابية».

وأوضح الغزالي من خلال دور جمعية الشفافية في توعية الناخب الكويتي لخطورة الجرائم الانتخابية «تم تسجيل زيادة الانتخابات الفرعية حتى على مستوى القبيلة الواحدة خلال هذا العام والتي بلغت 12، وبذلك عادت الفرعيات الى الظهور بالقوة مقارنة مع الانتخابات السابقة، في مقابل ذلك سجلت جمعية الشفافية محدودية ظاهرة شراء الأصوات مقابل الخدمات مع تراجع الدعاية الانتخابية في دور العبادة».

وقال الغزالي ان « وزارة الداخلية تحركت في الأيام الأخيرة لمجابهة شراء الأصوات وهي امام تحدي الاستمرار في عملية في الحزم مع مثل هذه الظواهر وامام تحدي مجموعة من الضغوط».

وفي الاطار نفسه،، بيّن أستاذ القانون الدكتور إبراهيم الحمود ان «ظاهرة شراء الأصوات اصبحت اليوم متواجدة والجميع في الكويت يشعر بها في مختلف الدوائر»، واشار الى مثل هذه الظواهر لا تواجد الا في الدول غير المتقدمة وان احد اسبابها عدم وجود وعي سياسي كامل للأفراد مؤكدا ان على الدولة خلق هذا الوعي».

واوضح الحمود ان «طريقة الانتخاب ايضا تفتح المجال لشراء الأصوات، ففي الدول المتقدمة والديموقراطيات العريقة هذه الظاهرة وان كانت موجودة لكنها محدودة جدا لأهمية وعي الأفراد بالبرامج الانتخابية التي تقدمها الأحزاب».

وبين الحمود ان «الأفراد ليس لديهم اهمية في ظل وجود برنامج انتخابي يقترحه المرشح ويقتنع به الناخب»، لافتا الى ان «المرشحين يريدون الوصول الى البرلمان بأي طريقة حتى من دون برنامج سياسي خاص بهم، وهذا ما يعزز ظاهرة شراء الأصوات».

كما اضاف الحمود ان «السلطة التشريعية فقدت اهميتها فاصبح المواطن لا يهمه من يصل الى البرلمان» و اشار الى ان «مقاومة هذه الظاهرة من شأنها ان ترسخ مفهوم المواطنة».

وعلى الصعيد ذاته، اعتبر النائب السابق صالح الملا أن « التجربة البرلمانية في الكويت تعكس اليوم تجربة ديموقراطية غير ناضجة، وانها تجربة بدأت رائعة وتوقفت عند تجربة الستينات مع اولى برلمانات الكويت ولم تتطور بعدها».

ورأى ان «وعي الناخب لم يتطور بشكل كافٍ ليدرك مخاطر ظواهر سلبية مثل شراء الأصوات»، كما عزا «عدم تتطور مؤسسة مجلس الأمة لأسباب تتعلق اهمها: عدم وجود أحزاب، عشوائية اختيار الناس للنائب بشكل عاطفي اكثر من كونه عقلاني بالاضافة الى دور السلطة».

وذكر الملا «ان مستوى الدور التي تقوم به المؤسسة التشريعية لم يأتِ بشكل عفوي او مصادفة ولكن بشكل مرتب له اذ ان دور مجلس الأمة حاد قليلا عن التشريع والرقابة، مع اعطاء البرلمان صفة الخدماتية اكثر من صفة التشريع».

وقال: «أعتقد انه يجدر اليوم اعادة النظر في تجربتنا الديموقراطية التي مازالت في فترة الحضانة». وبين ان «الكل مشارك في تراجع دور البرلمان الحقيقي» ورأى ان «السلطة اكبر المسؤولين في وضع السلطة التشريعية كما هي عليه، معتبرا ان «الناخب اصبح يفكر في مصلحته لذلك فهو يرتمي في حضن النائب الذي يحقق مصلحته».

في هذا الاطار، يرى تقرير لمجلة «ايكونوميست» ان «ليس من المستغرب، ان صغر حجم بعض التجمعات الانتخابية يؤثر على التنافس المحموم لكسب الأصوات خصوصا مع فرصة كسب صوت واحد بدل اربعة ما يجعل صوت الناخب ذا قيمة اكثر من اي وقت مضى. يقال ان بعض المرشحين يلجؤون الى نوع من المزايدات على اصوات الناخبين فمنهم من يريد كسب صوت الناخب بالمال واخر مقابل خدمات او اخر بطرق متنوعة. لكن هولاء ليسوا كثيرين بعد ارتفاع وعي الناخب الكويتي ومكافحة السلطات لهذه الظاهرة».

وتحسبا لمثل هذه التصرفات الغريبة، تصدر دائما فتاوى تحريم التصويت التجاري اوقبول المال مقابل اعطاء صوت في الانتخابات.

تقرير لـ «غلوبال سكيوريتي» أظهر ان «شراء الأصوات وصل إلى أبعاد تاريخية في الكويت، مع أصوات يشاع ان قيمتها تصل الى 1000 دينار للصوت. تقليديا، كان شراء الأصوات واضحا وكان المرشح يعتمد طرقا معينة للتأكد من حصوله على صوت الناخب كما وعد. لكن، مع تشديد الرقابة على مثل هذه الظاهرة أصبح من الصعوبة بمكان التحقق من اعطاء الناخب صوته للمرشح يوم الاقتراع وبذلك ظهرت أشكال أخرى من أشكال شراء الأصوات. على سبيل المثال، تقديم وعود للناخبين بحصولهم على خدمات مثل السفر للعلاج بالخارج او تقديم وساطات للحصول على خدمة معينة. الملاحظة المهمة هي أن النواب يستغلون مناصب النفوذ في توزيع الخدمات مقابل الولاء».

ويضيف التقرير: «مزاعم شراء الأصوات أمر شائع وغالبا نابع من دوافع سياسية، ولكن ليس هناك شك في أن بعض المرشحين يحاولون التأثير على الناخبين بالرشاوى. ومع ذلك، فإن كثافة الحملات الانتخابية والحوارات السياسية في اثناء السباق الانتخابي لا تشير إلى ان النظام الانتخابي الكويتي يعج بالفساد، والكويتيون يمارسون عمليتهم الديموقراطية بكل شرعية. إلى درجة لم يسبق لها مثيل في انتخابات 2006، توحد المرشحين من جميع الخلفيات السياسية لمكافحة الفساد ودعم الإصلاح. ووجدوا موجة دعم شعبي وأنشطة ضغوط مكثفة من المنظمات الشبابية المؤيدة للإصلاح».

ووفقا لمؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية في 2011 فإن الكويت تحتل المرتبة 54 من أصل 180 بلدا. واحتلت الكويت المركز الرابع في المنطقة العربية من أصل 18 دولة. معدل الكويت الذي اسندته لها منظمة الشفافية الدولية هو 4.6 (من أصل 10) ما يشير إلى أن لديها «مشكلة فساد خطيرة»، وفقا للمنظمة.

وفي دراسة علمية حملت عنوان «شراء الناخبين: تشكيل الناخبين من خلال المحسوبية» للباحثين دانيال هيدالغو وسيميون نيشتر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التابع لأكاديمية هارفارد من جامعة كاليفورنيا سان دييغو، في 2012، تفترض هذه الدراسة ان المحسوبية (الولاء) عادة ما تعتبر من آليات السياسية من خلال تقديم المكافآت للتأثير على خيارات التصويت واقبال الناخبين للتصويت لشخص معين. هذا الافتراض ربما يركز بشكل ضيق على المواطنين الراغبين في منفعة او مصلحة. لكن وجود حافز مضاد لهؤلاء حتى لا يقبلوا شراء اصواتهم يتمثل في اقناعهم ببرنامج اصلاحي لقضاياهم وتمكينهم من الحصول على مطالبهم بشكل جماعي وقانوني وليس بشكل فردي، كما ان مصطلح «شراء الناخبين،» يحرض المواطنين على عدم كسب وعي سياسي بأهمية الصوت الذي سيشكل تركيبة البرلمان» كما ان اكثر التحليلات في العالم لظاهرة شراء الأصوات تتم بشكل اكبر في الدول الفقيرة وليست الغنية. كما تضع الدراسة آلية حملة وطنية قبل ايام الانتخابات لتوعية الموطن ووضع مكافأة لمن يبلغ على مخالفة ورفع درجة العقاب لمن يتورط في جريمة انتخابية».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي