فاصلة / أبوية ثقافية!

u0641u0647u062f u062au0648u0641u064au0642 u0627u0644u0647u0646u062fu0627u0644
فهد توفيق الهندال
تصغير
تكبير
| فهد توفيق الهندال |

في كتابه النقدي (أوهام النخبة ونقد المثقف) يطرح المفكر اللبناني علي حرب عدة قضايا تتعلق بالنقد المفترض للنخب، لاسيما** الثقافية منها، في محاولة للخروج إلى أفق فكري متسع لجميع الأفكار التي تتطلب وعيا بها ونقدا لها، وليس حراستها بالمطلق. لهذا اعتقد أن مشكلة النخب الثقافية هي في نخبويتها بالذات. مبررا ذلك بأن النخبوية قد آلت إلى العزلة والهامشية، اللتين أنتجتا التفاوت في مستويات الإنتاج والافساح لصور الاستبداد في غيابها، دون أن يعني هذا نقاءها هي أيضا من النرجسية ومواصلة لعب دور الاصطفاء فيما بينها. ولعل هذا المنفى الاختياري للنخبة الثقافية عن المشهد العام والتقوقع في شرانق الفئوية والمنفعة الضيقة، ساهم في اتساع الفراغ الإبداعي الذي يحاول من هم خارج معايير التشكيل والتأصيل المعرفي احتواءه واحتكاره، وبالتالي فقدان قيادة المبادرة وعدم القدرة على نقد وتغيير الآلية والذهنية التي تدار بها المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، فمهما حاولت الظهور بموقف المعارض لها ولسياساتها، إلا أنها ارتبطت معها لمصالح معينة، هي حصرا لها ولأتباع الطبقة بعينها.

من هنا، تشكلت بعض المجاميع الخاصة كمحاولة للنأي عن سيطرة فكر المؤسسة وإنهاء تفرده بالساحة الثقافية، إلا أنه يبدو أن بعضها وقع في فخ خديعة الذات لكونه بات يمارس الذهنية في الاقصاء والاستفراد بمعطيات المشهد الثقافي وتفصيله بحسب قياسه الذي يريد، في حين تخلص البعض الآخر من الأنانية الفئوية منطلقا في العمل الجماعي التطوعي من دون مظلة أو رعاية أبوية من أحد. سبق لنا أن قدمنا قراءة لرواية المترجم الخائن لفواز حداد التي أراد عبرها أن يضع المتلقي في اشكالية أو حالة ما، لا تقتصر على المتلقي المتخصص أو المثقف، وإنما أراد التنبيه إلى عدم اختلاف الوسط الذي ينتمي إليه «الثقافي/ الأدبي» عن بقية الأوساط الاجتماعية، السياسية، والدينية، المتخمة بعناوين مدغدغة، تستظلها عباءة فضفاضة تخفي الكثير من عوالمها السرية والمخيفة، لا تصدقها ذهنية الإنسان الحالم أو الغافل. لذلك، الأبوية لا تعني رغبة التسيّد على مقومات ومقدرات وطموحات المجتمع من المنظور السياسي، الديني، الاجتماعي فقط، بل وحتى الثقافي، فما بالك لو مورس هذا الدور ممن يفترض أنهم طليعة المجتمع ونخبته الثقافية؟! إن فرض الوصاية على أي جيل وضمهم تحت عباءة الريادة والتأسيس، محاولة بائسة وميئوس منها مع دخولنا العالم الجديد الذي شهدت ثورة معلوماتية وتعددا في المرجعية المعرفية، ومنافسة الإعلام البديل التواصل الاجتماعي معترك التبادل الثقافي، مما كان له عظيم الأثر في تلاشي فكرة المركزية والأطراف شيئا فشيئا مع الوقت، مما أجبر المتأخرين عن هذه الثورة على اللحاق بالركب السريع قبل في بقعة النسيان، فجاءت الكتابة الشبابية منافسة بكل مستويات برغم تحفظنا على بعضها، إلا أنها باتت تحرك الوضع الثقافي، وهو ما اتضح جليا في الاستعانة بالتجارب والملتقيات الشبابية لإدارة بعض الأنشطة الثقافية في المؤسسات الرسمية. وفي ظل استشهادنا بكتاب حرب المذكور، فعلى المجتمع بكليته لا بخصوصية بعض أفراده أن يعيد إنتاج ثقافته وأعلامه وأفكاره عبر عقول شبابه، فهو عصرهم ودورهم، كما كان لمن سبقهم. وهذا الإنتاج والإبداع لا يكون إلا بقراءة الجيل الحالي بصورة ناقدة لواقعه وتفكيك ما تم بناؤه وفق الرؤى الثقافية السابقـة، مع تطوير علاقاته المعرفية بما يجعله شريكا وفعالا ثقافيا، وبل والأكثر انفتاحا، جرأة، ووعيا ديموقراطيا مسؤولا!

فاصلة قادمة

أعرف ما هو السبب في حجب أسماء أعضاء لجان تحكيم جوائز الدولة التشجيعية والأعمال المرشحة وعدم إعلانها أيضا بعد ظهور النتائج، باستثناء الفائزة طبعا، في حين في أعرق الجوائز العالمية والاقليمية في مستواها نفسه تعلن كل الأسماء من باب الشفافية والموضوعية وضمان الحيادية وتغيير أعضاء اللجان باستمرار! والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.



* كاتب وناقد كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي