رؤية / مشاهد مقززة ومبالغات لزواج الأطفال دون التاسعة

«القاصرات»... ضياع بين تجسيد الفكرة والصراع مع تيارات الإسلام السياسي

تصغير
تكبير
| كتب مفرح حجاب |

مع بداية شهر رمضان، كان الكثيرون من الجمهور في جميع أنحاء الوطن العربي يترقبون الدراما المصرية وما تقدمه في** ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها مصر، حيث اعتقد الكثيرون أن هذه الصناعة تراجعت لأمرين، الأول هو أن ضخّ أموال كبيرة في مثل هذه الظروف يُعدّ مغامرة غير محسوبة العواقب إذا ما وضع في الاعتبار أن السوق المصرية المحلية تلعب دوراً مهماً في تسويق الدراما. والأمر الآخر هو المناخ العام الذي خلقه وجود الإخوان آنذاك في السلطة من أن هناك استهدافاً للفن وحرية الإبداع وغيرها. إلا أن الواقع على الأرض كان عكس ذلك تماماً، فالدراما المصرية في هذا الموسم الرمضاني جاءت حافلة بكل شيء، سواء في عدد الأعمال أم مشاركة كبار النجوم أم مساحة الحرية التي خرجت عما هو متعارف عليه من مشاهد لم تكن موجودة من قبل، حيث تبادل القبلات ومشاهد غرف النوم الساخنة وحالات الاغتصاب وغيرها. ولكننا اليوم بصدد الحديث عن مسلسل «القاصرات»، الذي يقوم ببطولته الفنان القدير صلاح السعدني ومعه داليا البحيري، ألفت عمر، منة عرفة، عايدة رياض، عبير منير ونهال عنبر، وهو من تأليف سماح الحريري وإخراج مجدي أبو عميرة.

المسلسل يتحدث عن عبد القوي النجعاوي الذي يبلغ من العمر 65 عاماً، ميسور الحال، إذ لديه الكثير من «الأطيان» والمزارع وتجارة الغلال، لكنه يعيش في ريف صعيد مصر الذي أكل منه الفقر وشرب.

عبد القوي تزوج مرات عدة، ولديه أبناء كبار، إلا أن لديه شغفاً بالزواج من الفتيات الصغار اللواتي يعتبرن في عمر أحفاده، مستغلاً حالة الفقر التي يمررن بها لدرجة أن الكثير من الأسر تعرض بناتها على أخته (داليا البحيري) الملقبة بعطر، والتي تعيش معه حيث كانت تزوجت هي الأخرى في عمر الطفولة إلا أنها مطلقة وتعيش مرارة التجربة، لكنها في النهاية مهندسة زيجات أخيها عبد القوي والتي ترى أن هذا الزواج أمر طبيعي لرجل لديه القدرة في المال والجاه، بالرغم من أن هذا الرجل يواجه مشاكل كبيرة في معاشرته لزوجاته ويعيش على وصفات أعشاب العطارين التي لا تفلح في الكثير من الأحيان.

البناء الدرامي للمسلسل حمل الكثير من الصدمات للمشاهد، فمنذ بداية المشهد الأول حاول المخرج مجدي أبو عميرة أن يعلن عن كلمة السر للعمل حتى يجذب أكبر عدد من المشاهدين من خلال عرض العديد من المشاهد، لا سيما زواج عبد القوي والطريقة المتبعة في ريف الصعيد بفض غشاء البكارة بشكل علني حتى يعرف الجميع أن الفتاة كانت بكراً ومحافظة على شرفها. إلا أن إحدى الفتيات انتقلت إلى رحمة الله وتوفيت وهي ترتدي فستان الزفاف بسبب النزيف الذي ألمّ بها نتيجة هذا السلوك أو ما يطلق عليه في الريف المصري «دخلة بلدي»، ثم تطور الأمر ليكتشف الجميع أن هذه الفتاة كان عمرها 9 سنوات وليست مؤهلة للزواج، إلا أن عبد القوي استطاع من خلال أمواله ونفوذه أن يثبت أن الفتاة كان عمرها 16 عاماً وكرّر الأمر في الزواج أكثر من مرة من خلال طفلة أخرى وسيستمر في الحلقات المتبقية من المسلسل.

الفكرة في مضمونها حسنة النية وفيها الكثر من العِبَر وتدق ناقوس الخطر لدى العديد من الأسر في الريف البعيد والمغيّب نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية، إلا أن معالجة الأمر درامياً بهذا الشكل أصاب الجمهور بصدمة نتيجة بعض المشاهد المقززة. فالكثير من جمهور المشاهدين استخدم الريموت كنترول ليبعد بعض المشاهد عن أولاده، إذ ظهرت مبالغات لم تكن في صالح العمل بالمرة وكانت بمثابة إفساد للذوق العام. الأهم من ذلك، أن جميع الفتيات اللواتي تزوجن عبد القوي يبلغن من العمر 9 سنوات، وقد تم تكرار هذا الرقم (9 سنوات) أكثر من مرة وكأنهم يردّون الجدال الذي كان يحدث بين التيارات السياسية الإسلامية والليبرالية في مصر عن سن الزواج والحديث عن 9 سنوات أثناء كتابة مواد الدستور، والتي أعطت لها برامج «التوك شو» مساحة كبيرة آنذاك. لكن التجارب الفنية أثبتت أن ليس كل ما يقال في السياسة يصلح لأن يكون عملاً فنياً. فالجدل حول سن الزواج يحكمه القانون والوعي المجتمعي ونشر الثقافة بكل أشكالها بما فيها الدراما، ولكن بشكل يتقبله المجتمع من دون أن يجرح مشاعره.

كذلك التركيز في عمل درامي يشارك فيه فنان بقامة السعدني على خط واحد، ينهي المسلسل في 5 حلقات، وكان يفترض أن يحمل أكثر من خط درامي حتى تكون أمام الجمهور فرصة للاستمرار والاستمتاع في المتابعة. فالتركيز منصبّ تماماً على الزواج من الأطفال، وعدد المشاهد التي تتحدث عن ذلك بلغت نسبتها 90 %، وهو ما يؤكد أن القضية إنما تأتي رداً على تيارات الإسلام السياسي، مع العلم أن هذه التيارات كانت تقول إن الفتاة إذا وصلت مرحلة البلوغ، فلا يوجد من يمنعها من الزواج، والطفلات اللواتي قدمهن المسلسل لسن كذلك.

يبقى أمر في غاية الخطورة يواجه الفن في مصر والدراما على وجه الخصوص، ويخشى منه الجميع، وهي عملية الاستقطاب وتبنّي آراء ومواقف سياسية تفقد الفن رسالته وهيبته، لأن ذلك ينعكس سلباً على صناعة ومصداقية الفن المصري. فبالرغم منأن صلاح السعدني دافع عن هذا العمل وقال إنه يجسد قصصاً حقيقية، إلا أن خروجه للجمهور كان يحتاج إلى حرفية أكثر في التأليف والإخراج واستغلال قدرات الفنانين المشاركين بشكل يتناسب مع ملامح رؤية المؤلفة بعيداً عن العواطف والمواقف، لا سيما أن الكثير من المشاهد كانت ستصلح كثيراً إذا ما قدمت في حقبة الستينات والسبعينات وليس في زمن شبكات التواصل الإجتماعي. فمن غير المنطقي أن يتحدث عبد القوي النجعاوي في الهاتف النقال ويتزوج أطفالاً في سن التاسعة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي