خواطر تقرع الأجراس / للجمال وجه آخر

u0645u0635u0637u0641u0649 u0633u0644u064au0645u0627u0646
مصطفى سليمان
تصغير
تكبير
| مصطفى سليمان |

قالت: انا ذاهبة إلى صالون التجميل- خيراً إن شاء الله - اليوم عرس ليلى. أنسيت؟ -: ولماذا الصالون؟. كوني بسيطة. الجمال في البساطة.**

- وماذا ألبس؟- البسي ما تشائين مما عندك. كلها فساتين أنيقة.

- كلهن تحفظنها من أيام الخطوبة، وعيد الميلاد، وعيد الزواج، والفطر، والأضحى...

- حتماً نسينها. قهقهت: هذا من سابع المستحيل. الذاكرة الفستانية عند النساء لا تصدأ بالنسيان.

- ما رأيك أن تعلّقي على فستانك عبارة «يُلبَس للمرة الأولى؟ وما رأيك باستعارة فستان من محلات تأجير فساتين الأعراس والحفلات؟

- استعارة؟ يا سلام! تريد «بهدلتي»؟

- لا داعي لرفع برج إيفل فوق يافوخك، ولا لصق الحواجب والرموش، وطرش الخدود، وغرز الأظافر، والأقراط المدلاّة حتى الكتفين. أما كفاك نفخ الخدود والوجنتين والشفاه؟

- إذا اخترت فستاناً من خزانتي فسأحتاج إلى حذاء وحقيبة يد لتناسبا الفستان اذهبي بلا حقيبة يد.

- بلا حقييبة يد؟ يا سلام. أنتم لا تعرفون كمال الأناقة النسائية.

- يا ستي لن ينظر أحد إلى قدميك في هذا الزحام ليتفحّص حذاءك؟ أحذيتك أنيقة.

- يا الله! أنت لا تفهم النساء. إنهن في كل المناسبات، وبلا مناسبات يتفحّصن المرأة من أول شعرة في رأسها حتى آخر ظفر في قدميها...

ربما وقعتم في هذه الحوارية. المرأة غالباً تدور في فلك ذاتها، وفلك الأنثى الأخرى، مباهاةً أو استعلاءً أو تشفيّاً أو نكداً أو غيرة أو نكاية أو طبعاً أو....

إنها الأنثى. ألم يعثروا على أدوات تجميل نسائية بدائية في الكهوف من آلاف السنين؟

الجمال غير التجميل، وغير المبالغة في اصطناعه. للجمال درجات: جمال المظهر، و جمال العقل والثقافة، والروح الظليلة بخفة الدم، والحديث غير المنمّق، وغير المتحذلِق، كما عند نساء موليير المتحذلقات. قال المتنبي عن جمال البداوة الفطري وجمال الحضارة (المدينة) المصطنَع:

حُسْن الحضارة مجلوب بتطريةٍ/ وفي البداوة حُسْنٌ غير مجلوبِ

روحي فداء ظباء ما عرفن بها/ مضغَ الكلام ولا صبْغ الحواجيبِ

أمس شاهدتُ جمال المرأة المصرية: فتاةً مراهقة، أو سيدةً محجّبةً أو فنانةً سافرة، أو ناشطة ثورية تهتف للحرية بأبسط ثياب، وأبلغ كلام. جمالهن كان يشع بـ (مكياج) الثورة الشعبية الفريدة في التاريخ كلها. جمال الجرأة. والعزيمة. جمال عشق الحرية والوطن جمال الجيش الوطني الذي لا يقف في وجه التاريخ سابحاً عكس التيار.

هل شاهدتم يوماً جمال وجه جميلة بوحيرد الشاحب خلف القضبان الفرنسية؟ هل تخيّلتم يوماً وجه سناء محيدلي اللبنانية التي فجّرت نفسها بموقع للمخابرات الصهيونية المحتلة لجنوب لبنان؟ ذلك الوجه المكفّن بالجمال كان أجمل وجوه النساء. كان شعرها مصبوغاً بحنّاء البطولة، وعيناها مكحَّلتين بتراب الشهادة. إنه جمال آخر.

دخلت صحفية إلى منزل الدكتورة سهير القلماوي في القاهرة، وهي الأستاذة الجامعية والوزيرة والباحثة والمثقفة المرموقة... فدهشت لمنظر مكتبتها الضخمة، لكنْ هالها منظر أثاثها المتواضع قالت سهير: لا أتباهى بالسجاد العجمي، والثريات الكريستالية، والأثاث الفاخر. أثاثي الفاخر هو مكتبتي بكنوزها التي لا تقدَّر بثمن. وهذا جمال آخر.

أيتها المرأة العربية! ابحثي عن أسرار الجمال الآخر، واعلمي أن هناك أعراساً حقيقية لا تحتاج إلى قطع تبديل مستعارة، أو إلى قوس قزح مزيّن بألوان زائفة. فللجمال دائماً وجه آخر.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي