خيرالله خيرالله / بدء الاستيعاب العربي لمعنى الزلزال العراقي

تصغير
تكبير

المهم أن لبنان دخل في هدنة. هل هي هدنة تمهد لتسوية دائمة بين اللبنانيين، على طريق التوصل لاحقا إلى تطبيق «اتفاق الطائف» بالطريقة التي كان مفترضا أن يطبق بها، أي بعيدا عن الوصاية السورية وغير السورية، خصوصا بعدما تبين أن النظام السوري صار الآن رهينة إيرانية؟

 يطرح اللبنانيون ومعهم العرب، الذين لديهم حرص على لبنان، مثل هذا السؤال في ضوء التوصل إلى «اتفاق الدوحة»، الذي أمّن قبل كل شيء تخلص بيروت من مزبلة اسمها الاعتصام في الوسط التجاري. كذلك أمن الاتفاق انتخاب رئيس للجمهورية  هو العماد ميشال سليمان. وهذا في حد ذاته انجاز ضخم نظرا إلى حاجة لبنان إلى رئيس أولا، وإلى ان مجرد انتخاب قائد الجيش رئيسا، بغض النظر عن الرأي الشخصي في الرجل، يزيل كابوس إمكان وصول النائب ميشال عون إلى قصر بعبدا. مجرد وجود مثل هذا الاحتمال كابوس في حد ذاته نظرا إلى ما للجنرال، الذي لا يتورع عن الاعتداء على الاملاك الخاصة والعامة، من سوابق، تاريخه حافل بالسوابق التي انتهت بكوارث على لبنان واللبنانيين، خصوصا على المسيحيين.

متى وضعنا «اتفاق الدوحة» في إطاره العربي والإقليمي والدولي، يتبين أن أهمية الاتفاق تكمن في أن دولة عربية لديها علاقات بكل من إيران وسورية استطاعت إقناع «حزب الله» بالدخول في هدنة تمهد لتسوية، بعدما اعتقد الحزب، الذي ليس سوى ميليشيا إيرانية بعناصر لبنانية، أنه قادر على إخضاع لبنان واللبنانيين والذهاب إلى النهاية في انقلابه واحتلال السراي الحكومي، بعد نجاحه في تعطيل دور المجلس النيابي وإغلاق أبوابه منذ حرب الصيف العام 2006 التي فرضها على لبنان فرضا. استخدمت قطر، بقيادة أمير الدولة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، علاقاتها الإقليمية والدولية في المحافظة على لبنان وتجنيبه الأسوأ، أي تحول بيروت إلى بغداد ثانية، بعد غزوة جحافل الحزب الإلهي للمدينة. لعبت قطر بإشراف الأمير، والدور المباشر لرئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، دورا محوريا في التهدئة ووضع حدّ للكارثة التي كانت في انتظار الوطن الصغير. ولعلّ اللافت وسط كل ما جرى أن الدور القطري حظي بدعم عربي وفّرته دول مجلس التعاون على وجه التحديد. والدليل على ذلك البيان الصادر عن القمة الخليجية ذات الطابع التشاوري التي انعقدت في السعودية عشية التوصل إلى اتفاق الدوحة.

كان واضحا منذ البداية أن قطر ما كانت لتقدم على مغامرة استضافة الحوار اللبناني لو لم تكن لديها ضمانات معينة من النظامين السوري والإيراني في شأن الضغط على «حزب الله» كي يوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خصوصا أن الفراغ كان المرشح الوحيد للنظام السوري. هذا النظام الساعي إلى القول للعالم انه لن يكون رئيس للبنان أو سلم أهلي فيه ما دام اللبنانيون يرفضون نظام الوصاية، ويصرون في الوقت ذاته على المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والجرائم الأخرى التي ارتكبت من أجل تغطيتها. هل اقتنع النظام السوري أخيرا أن موضوع المحكمة الدولية صار أكبر من لبنان وحكومته، وأنه لم يعد قادرا على وقفها حتى لو عاد بقواته المسلحة إلى كل متر مربع من لبنان؟ هل اقتنع بأن الثلث المعطل في الحكومة لن يساعده في التخلص من المحكمة الدولية، أو عرقلتها، وأن كل الاغتيالات والتفجيرات التي نفّذها والتي ينوي تنفيذها سترتد عليه عاجلا أم آجلا؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال في المرحلة الراهنة، لكن مما لا شك فيه أن النظام السوري ما كان ليوافق على انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان لولا اقتناعه بأن استمراره بخيار الفراغ والتصعيد العسكري، عبر الأداة الإيرانية المُعارة له، سيجر عليه ضغوطات دولية لا يستطيع تحمّلها، قد يكون من بينها حظر جزئي يستهدف حركة الطيران من دمشق وإليها. وفي هذا المجال، ليس صدفة أن مجلس الأمن لم ينعقد لاصدار قرار جديد في شأن لبنان بعد اجتياح «حزب الله» لبيروت، ومحاولته الاعتداء على الجبل وأهله في انتظار ما ستسفر عنه اجتماعات الدوحة. تلك الاجتماعات التي أعادت الاعتبار إلى دور جامعة الدول العربية، وأظهرت في الوقت ذاته أن لبنان موضع اهتمام عربي، وأن هناك استيعابا عربيا لمدى خطورة النظام الإيراني على الأمن الإقليمي، من لبنان إلى العراق، إلى فلسطين، إلى أماكن أخرى بما في ذلك منطقة الخليج نفسها.

من هذا المنطلق، لا بدّ من التعاطي مع «اتفاق الدوحة» ببعض التفاؤل. يكفي أنه أظهر أن لبنان ليس وحده، وأن الدور العربي قادر إلى حدّ كبير على لجم التطرف. في المدى القصير، الأولوية لانتخاب الرئيس، ولبدء حوار برعاية رئيس الجمهورية. وفي مرحلة لاحقة، أي في غضون أسابيع، سيتبين ما إذا كان في إمكان المؤسسات، على رأسها مجلس النواب ومجلس الوزراء استعادة دورهما الطبيعي. في النهاية سيتبين قريبا هل الثلث المعطل في الحكومة سيستخدم في تعطيل عمل المؤسسات وتعطيل تنفيذ «القرار 1701»، وتعطيل البحث في سلاح «حزب الله» الذي تكشّف دوره الحقيقي بعد زوال أي وهم في شأن هذا الدور.

نعم «الجرح عميق» كما قال النائب سعد الحريري، لكن الهدنة تظل أفضل من القتال بين اللبنانيين. ما لابدّ من الاعتراف به، أن الأحداث الأخيرة في لبنان خلقت شرخا مذهبيا لا سابق له في الوطن الصغير. إثارة الغرائز ليس مزحة. لا مداواة لهذه المسألة التي تشكّل خطرا على كل دول المنطقة وأمنها سوى بالعودة إلى مصدر الداء. أي إلى سلاح «حزب الله» الذي فقد مبرر وجوده. إنه سلاح يتجاوز خطره لبنان، نظرا إلى تحوله إلى سلاح مذهبي في خدمة إسرائيل ومشروع قيام كيانات مذهبية في المنطقة. انه خطر على ما بقي من فكر عربي مستنير على تماس بالحضارة والقيم الحقيقية للإسلام. هل يقتنع العرب بذلك ويكون «اتفاق الدوحة» أساسا لوضع لبنان في الاتجاه الصحيح، أي العودة إلى المؤسسات والبحث الجدي في كيفية التخلص من سلاح «حزب الله»؟ من حسن الحظ أدرك العرب خطورة أحداث لبنان، خصوصا بعد ما تعرضت له بيروت أخيرا. ربما بدأوا يستوعبون معنى الزلزال الذي ضرب العراق وأرادوا تجنيب عاصمة عربية أخرى مصير بغداد... ربما حصل ذلك. ولذلك ثمة أمل في تجاوز لبنان مرحلة الهدنة في اتجاه التسوية التي تأخذ في الاعتبار أنه ليس ساحة للمحور الإيراني- السوري. هل هذا الكلام مبالغة في التفاؤل؟


 خيرالله خيرالله


كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي