توقيت خاطئ


قدر الكويت دائماً أن تخوض معركتين في وقت واحد: معركة الحدود والوجود ومعركة البناء والتقدم.وقدر الكويتيين أن يكون سلاحهم في المعركتين واحداً: الوحدة الداخلية.كانت الكويت «ظاهرة صحية» في المنطقة، تؤثر إيجاباً في محيطها وتعمق تجربتها الديموقراطية، يوماً بعد يوم، وتعتبر التعددية والانفتاح والحريات والتجارة والتحديث الاقتصادي من مصادر ثروتها الرئيسية.وعندما حاول «الخارج» فرض تأثيراته السلبية على الكويت، ومصادرة دورها ووجودها، تكاتف الجميع حول نظامهم الذي ارتضوه بالشورى لا بالسيف، والتفوا حول قيادتهم، ممثلة بصاحب السمو أمير البلاد، وتناسوا كل الخلافات لمصلحة هدف واحد هو: صون الأرض والتجربة.ضرب الكويتيون العام 1990 مثلاً عالمياً في التوحّد والتكاتف ونبذ الخلافات، مهما كانت كبيرة، وأدرك النظام العراقي أنه احتل الأرض وفشل في احتلال الكويتيين، وأن فشله في هذا الإطار تحديداً أعاد الأرض إلى أهلها.واليوم، يعود ذلك النظام إلى التهديد بالقوة العسكرية, وقوته العسكرية، في الواقع، أضعف من تنفيذ تهديداته، وموظفة بالكامل لحمايته، بعدما دمّر كل مقدرات الجيش العراقي في حروبه شرقاً وجنوباً وشمالاً, ولكن هذه التهديدات تهدف إلى زعزعة الوضع الداخلي للكويت، وبث حالة من الخوف الدائم والقلق المستمر، وإشاعة أجواء من انعدام الثقة، تنعكس سلباً على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية,,, وبالتالي، التهيئة لمناخ جديد من الانقسامات.ولا نعتقد أن الكويتيين بحاجة إلى دروس في معنى الوحدة والتوحّد، فهم أعطوا العالم دروساً, ولكن لا بد من كلمة: الخلافات في السياسة والاقتصاد أمر طبيعي في كل المجتمعات، وتحديداً في المجتمعات الديموقراطية، وتباين وجهات النظر مصدر أساسي لإغناء القرار -أي قرار- بعناصره المطلوبة، ومعارضة أي قرار، بالوسائل الدستورية، طريق لا بد منه للحفاظ على التجربة وصيانتها من الانحراف,,, كل ذلك معروف ومطلوب، ولم تنجح أكبر المخاطر في ثني الكويت عن الاستمرار في مسيرتها الحضارية، إنما السياسة هي فن استخدام المعطيات الموجودة والمتاحة لخدمة الأهداف الكبيرة، ومن ضمن هذه المعطيات سلاح التوقيت، ولا نعتقد أن أي هدف يمكن أن يتحقق عبر .أجمع الكويتيون والخليجيون والعرب والعالم على أن الظروف، التي نعيشها اليوم، هي ظروف غير طبيعية، وأن أقصى ما يطمح إليه النظام العراقي، من وراء تهديداته، زعزعة أوضاعنا الداخلية، لاستغلالها في تطوير سياسته السوداء.يبقى أن نحسن قراءة الظروف ونتعامل معها بما يجب من حذر ويقظة، لصيانة جبهتنا الداخلية وتفويت أي فرصة يمكن أن يستغلها الآخرون، في هذا التوقيت,,, بالذات.
رئيس التحرير