حكم المؤسسات وضعف الذاكرة
نسي البعض ان إعلان الدستور في العام 2691 شكل نقلة نوعية في حياة الكويت السياسية، اذ حقق تحولاً شديد الأهمية تمثل في الانتقال من نظام دولة الفرد إلى دولة المؤسسات. وتناسى البعض الآخر ما استتبع ذلك من قوانين وتشريعات رسخت الحكم المؤسسي على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية. فجعل منهما مرجعيتين حقيقيتين لإدارة سليمة ومتوازنة للبلاد.
ولأن النسيان يجوز في أشياء ولا يجوز في أشياء أخرى، لا بد من التذكير بأن العمل بالمنهج المؤسسي هو الأسلوب الأمثل لإدارة البلاد، وهو ليس اختراعاً كويتياً ولا بدعة ابتدعها أهل الديرة، بل نهج جربته الدول المتقدمة وبسببه ارتقت، وعاكسته الدول الديكتاتورية فتخلفت عن ركب التقدم وسامت شعوبها أنواعاً من الذل والقهر.
كلنا يذكر ان تطبيق المنهج المؤسسي في الحكم جنّب الكويت مشاكل كثيرة منذ الستينات وحصّنها ازاء الأزمات الكبرى وفي أوقات الشدة، فما بالنا اليوم نضرب بعرض الحائط ما كان مكسباً لنا يحسدنا عليه الآخرون؟
لن نضع رؤوسنا في الرمال. ولا بد لنا من قول ان ما مرت به البلاد في السنوات الأخيرة من أزمات سياسية واقتصادية يُعزى في جانب كبير منه إلى تجاهل العمل المؤسساتي في الإدارة، والنزوع إلى الفردية لتحقيق مكسب أو لإرضاء غرور الذات، والكلام يصح على السلطتين التشريعية والتنفيذية على السواء. فالمجلس أهمل قضايا أساسية تهم الناس، أو هو لم يتصدَّ لها بما تستحقه من تماسك وانسجام وتغليب للمصلحة العامة على المصلحة الفردية أو الحزبية. ومن غير المفيد حتماً التذكير بجدل الشبهة الدستورية وبالوساطات ورحلات الاستجمام، إضافة إلى ان كل مجموعة نيابية همّها تسجيل نقاط على أخرى أو على الحكومة، والمستقلون بمعظمهم همّهم ارضاء ناخبيهم أو تحقيق ما يجعلهم يختالون أمام أبناء الدائرة فيضمنون إعادة الانتخاب. أما السلطة التنفيذية فاتبعت سياسة الإرضاء، الأمر الذي أوقعها في التردد وفقدان المبادرة، فغيبت القرار الجماعي المدروس وامتنعت عن الاقدام على خطوات ضرورية ربما كانت غير شعبية، بل ان وجهة النظر الفردية انعكست على بعض القرارات إرجاءً وتعطيلاً.
تثبت الأيام، مثلما تثبت الأزمات المتنوعة التي تمر بها البلاد، أو القضايا الملحة المطلوب معالجتها لضمان التطور، ان الحاجة ماسّة على مستوى السلطتين للعودة إلى العمل الجماعي أي إلى عمل المؤسسات. وعمل المؤسسات لا يتناقض مع قيادتها بل يتكامل معها ويتفاعل. ومن دون التخلي عن النهج الفردي لا يمكن تفادي الأزمات المتكررة، ولا يمكن التخطيط لمستقبل الأجيال، ولا يمكن الخروج من عزلة سياسية يجب الاعتراف بها. الأمر يحتاج إلى نقد ذاتي، بل يحتاج إلى شجاعة الاعتراف بأن ما يصلح موقتا لا يصلح دائماً.
فالدول تحيا وتتقدم بمقدار ما ترسي مؤسساتها ونهجها المؤسسي في السياسة والإدارة، لأن بهذا النهج تترسخ دولة القانون، ملاذ المواطن وحصنه الحصين في اليسر والعسر، وتترسخ المشاركة الجماعية، شرط الديموقراطية وليس وهمها. فهل من يتذكر؟
رئيس التحرير