الإرهاب... المرجعية الدولية والخطأ الأميركي

تصغير
تكبير
مرة أخرى الإرهاب هو الموضوع. وهو إرهاب يتلون، تارة يأخذ شكل مجموعات وطوراً يأخذ شكل دول. وفي كل الأحيان لا يدفع المرتكبون أو المستهدفون سوى النزر اليسير من الثمن الكبير الذي يدفعه الأبرياء. لا أحد يجادل واشنطن في أن استهداف سفارتيها في نيروبي ودار السلام عمل إجرامي موصوف وإرهابي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. لا أسباب تخفيفية تسمح بالالتفاف على الحقائق ولا ادعاءات أيديولوجية أو سياسية يمكن أن تبرر تفجيرين أوديا بحياة مئات الأشخاص وجعلا العالم يتفرج على مدى أيام على مشاهد كوارثية كانت حكراً على الأحلام والأفلام. لكن رد الفعل الأميركي رغم كل التبريرات التي سيقت يطرح جملة أسئلة وأفكار حول الدوافع والنتائج وحول الأسلوب الذي يمكن لدولة كبرى بل لزعيمة العالم أن تتبعه في معالجة شؤون هذا العالم. وللتذكير فقط، فإننا في الكويت في طليعة من يدين الإرهاب بكل أشكاله وألوانه، فالكويت أكبر مثال على ضحية نكبت بواحدة من أخطر العمليات الإرهابية في التاريخ الحديث، ارتكبتها دولة، وحاولت تبريرها أيديولوجيا، وتنطح كثيرون من الجاهلين و«المثقفين» لتأمين غطاء تبريري لها. وإدانتنا الإرهاب قضية مبدأ أولا وأخيرا، قبل غزو الكويت، وبعد الغزو، فلا تقاليدنا تسمح بذلك ولا عقيدتنا تتسامح معه. لذا فإننا، ومن غير لبس، نشجب أي إرهاب خصوصا إذا ارتبط باسم الإسلام، والإسلام منه براء. إن وقفة متأملة لما جرى في الأيام الأخيرة تجعلنا نسأل: هل عالجت الولايات المتحدة الإرهاب من خلال عمليات القصف أم هي أعطت للإرهاب مبررات إضافية؟ والجواب البديهي أن واشنطن لم تحقق ما يستحق الذكر من الأهداف، غير أنها ربما شفت غليلها وأرضت شعورها بضرورة الانتقام ووجهت رسائل لمن يعنيهم الأمر تعتقد بأنها ستلجم التطرف وتحول دون استهدافها واستهداف مواطنيها. والأكيد أن الضربة العسكرية الأميركية في ظل «مونيكا غيت» لا تحظى بمصداقية حقيقية، وهي، كما رئيس اميركا، تفتقد الهيبة التي هي أساس الردع. ومن هنا فإن فاعليتها ستقتصر على بقعة مدمرة هنا وبقع مدمرة هناك قد لا يغسل آثارها وذكراها إلا ازهاق أرواح جديدة ودماء في مسلسل الانتقام والرد على الانتقام. اضافة إلى ذلك فإن واشنطن لم تقدم حتى الآن أدلة دامغة على هوية مفجري السفارتين، مما أظهر عملياتها وكأنها انتقام فردي متسرع أو كأنها اعتداد كان مخططا له في انتظار الظرف والمبررات. واضح ان محاولات كلينتون وأولبرايت للتمييز بين الإسلام والإرهاب، على رغم صدقها، عاجزة عن استيعاب ردود الفعل في العالمين العربي والإسلامي، وخصوصا في ما يسمى «الشارع العربي». والسبب في ذلك لا يمكن تفسيره بأحداث الأيام الأخيرة، بل هو تراكم لمشاعر يغذيها منذ عشرات السنين الانحياز الاميركي المطلق لإسرائيل والدعم العسكري غير المحدود لمن اغتصب فلسطين والقدس، وهما من الثوابت في وجدان العرب والمسلمين التي لا يمكن التعامل معها إلا بمقاربة مختلفة لموضوع الإرهاب. وجوهر هذه المقاربة أن تتوقف الولايات المتحدة عن الانفراد في محاربة الإرهاب وأن تخضع ذلك لمعايير دولية ولشروط تجعل التصدي للإرهاب قراراً عالمياً تشترك فيه المنظمات الإقليمية والأمم المتحدة وتتبع فيه مقاييس المحاكمات التي تجري في ظل دولة القانون. ولم لا تكون محكمة العدل الدولية مكانا ملائما لمحاكمة الإرهابيين من أي جهة أتوا؟ فغياب الإرادة الدولية وغياب الإجماع يجعلان من محاربة الإرهاب ضربا من النزق غير المجدي وضربا من العنف الذي يجر العنف، بل هو نوع من الإرهاب تقترفه دولة في مقابل إرهاب ترتكبه مجموعات خارجة عن الدول. ناهيك عن أن التفرد قد يشجع دولا أخرى على سلوك مماثل ضد معارضيها يدخل العالم في نفق لا نهاية له. ما لا جدال فيه هو أن مقاومة الإرهاب لا يمكن أن تكون فعالة وجذرية إذا لم تقترن بإقرار العدل والحؤول دون الظلم وإزالة أسباب الإرهاب ونزع الذرائع من أيدي الإرهابيين، وخلاف ذلك ستنتهي مجموعات لتقوم محلها مجموعات أكثر إرهابا وسيقتل أفراد ولن تقتل نزعة الإرهاب بل ربما تحول الإرهابيون إلى أبطال ورموز توحي بنضالات عمياء، هي المرجل الذي تغلي فيه عقائد التطرف وأوهام القوة والبطولات الخرقاء. وهي حقائق تتغذى من دماء الأبرياء، ولا يمكن ترك معالجتها لمغامرات الكاوبوي أو لنزوات أصحاب مخيلات حدودها الفساتين الزرقاء. رئيس التحرير
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي