المحافظة عليها لا يعني أنها أصبحت متحفاً تاريخياً

تأهيل المساجد التراثية في الكويت مشروع يعزز دورها ويطيل عمرها

تصغير
تكبير
| المهندسان سالم العدواني وجاد الله فرحات * |
يلعب المسجد في حياة المجتمع الإسلامي دوراً مهماً وفعالاً في الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، فالمسجد في المنظور الاسلامي هو المؤسسة الرئيسية في بناء المجتمع نفسياً وفكرياً وجسدياً، وهو المكان الذي يفيء اليه المسلم في السراء والضراء والعسر واليسر، فيرتشف منه معاني روحية سامية تحلق به في عالم الطمأنينة النفسية وتعيد إليه توازنه النفسي والفكري كما تغذي عقله لينطلق ويتحرر من أسر الخوف أو ضغط الشهوات.
وظل المسجد على مر العصور شعاراً للدولة الاسلامية والمجتمع الاسلامي، وممثلاً لهوية الأمة فكلما انتشر وتعدد دل على زيادة ايمان المجتمع والدولة، والعكس بالعكس، لذا وجدنا التوجيهات القرآنية والأحاديث الشريفة تولي المسجد عناية كبيرة، ما حدا بالمسلمين الى التسابق في بناء المساجد ووقف الأموال على خدمته ورعايته، وعادة ما يتم بناء المساجد ليتسع أهل الحي اي ان هناك علاقة بين حجم المسجد والتجمع السكاني المحيط به، وهذا يفيد الدارسين للتراث والتاريخ من خلال اعطاء مؤشرات عن واقع حياة المجتمع في الأزمنة المختلفة.
ولا يعني هدف المحافظة على المساجد التراثية التعامل معها على انها اصبحت متحفاً تاريخياً وأن دورها قد انتهى، لا بل يهدف مشروع تأهيل المساجد التراثية الى تعزيز دورها الذي أقيمت من أجله واعطاء بنائها القوة المطلوبة لإطالة عمرها الافتراضي كمنشأة وتجديد مظهرها الخارجي والداخلي.
بالاضافة الى بناء التوسعات التي يتطلبها تشغيله لخدمة المسلمين في الوقت الحالي والمستقبل المنظور.
ومن هذا المنطلق واستشعاراً للمسؤولية التاريخية والشرعية تجاه هذا النوع من المساجد جاء حرص الأمانة العامة للأوقاف للمحافظة على المساجد التراثية، تلك المساجد التي شيدها الأجداد في مدينة الكويت رغم شظف العيش وقسوة الظروف المناخية وضيق ذات اليد، إلا أن عزم إيمان الأجداد استطاع أن يتغلب على كل عوامل الضعف والظروف القاسية التي كانت تحيط بهم، فالمساجد التراثية بهذا الاعتبار تمثل حالة قوة تمد الاجيال اللاحقة بالايمان والثبات، كما ترشده الى استكمال مشوار حياة الأجداد واعتزازهم بدينهم ومؤسساته.
ونود في هذه التوطئة ان نلقي الضوء على أهم المزايا لمساجد الكويت القديمة لنتعرف الى الخصائص التي كانت سائدة في تلك الفترة التاريخية، فنحاول أن نستشف في تلك المساجد ونوافذها ومحرابها وليوانها وصحنها الخصائص المتميزة التي تمثل الحالة الفكرية والعقدية بالاضافة الى حالة البناء المادي المركب من المواد البسيطة.
ويمكن اجمال بعض الخصائص الرئيسية للعمارة الاسلامية بشكل عام والمساجد بشكل خاص بالنقاط التالية:
1 - الخصوصية والتوجه نحو الداخل:
حيث تمكنت العمارة التقليدية من تحقيق ذلك بعدة أساليب أبرزها:
أ- استخدام الساحات (الأحواش) الداخلية التي تعني التعرض الى الهواء الطلق دون أن يكون هناك أي حاجز، وبالتالي المحافظة على الصحة البدنية.
ب- تصميم المداخل المنكسرة حتى لا تتكشف عورات الداخل للخارج، وهذا ما نلحظه في مداخل مصليات النساء بالنسبة للمساجد.
ج- أما اسلوب العمارة الاسلامية للنوافذ والشبابيك فيشترط بها ألا تكون مطلة أو مشرفة على الجوار بشكل مباشر، وألا تسمح بكشف عورات الآخرين، لهذا وجدنا نوافذ المساجد التراثية يقابلها - أحياناً - حائط السور حتى تصد الرؤية المتبادلة بين العالم الخارجي والداخلي.
2 - الصدق في التعبير الهندسي: حيث استمدت هذه الخاصية المعمارية من تعاليم الاسلام ذاته فكانت البساطة في الشكل أساس التشكيل المعماري، والرمزية أساس التعبير عن الفكرة المادية مثلها كمثل البلاغة القائمة على الكناية والرمزية في التعبير اللفظي.
3 - عدم المبالغة في الزينة والزخارف: ومراعاة الاقتصاد في التكلفة، استجابة للتحذير القرآني: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) «سورة الإسراء» لهذا وجدنا الجانب الرمزي في الفن المعماري الاسلامي، فالنقوش والزخارف البسيطة تمثل مع بعضها رمزاً اسلامياً، كما أضاف اليها في الخط العربي بعدا آخر حتى قال بيكاسو - الفنان العالمي - عن الخط العربي: «ما اخترعت خطاً إلا ووجدت الخط العربي قد سبقني اليه».
4 - إتقان العمل سواء من الناحية التصميمية أو التنفيذية: اهتداء بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه)، لهذا وجدنا التصميم والتنفيذ القديمين يتصفان بالقوة والجودة حيث كانت الذمم تخاف الله تعالى، ولما ضعف الإيمان نور الايمان ضعفت الجودة حتى اصبحت للأسف عملة نادرة في الوقت الراهن.
5 - احترام الجوار وحقوق الآخرين: وذلك بإزالة كل ما يمكن أن يتسبب بالضرر للجوار من حجب الشمس أو الهواء أو جرح خصوصية الآخرين.
6 - مراعاة التدرج الفراغي: بحيث يتدرج الداخل بالدخول من الهواء الطلق الى صحن المسجد فيحيط به سور المسجد، ثم يتدرج بالدخول الى الليوان فيحيط به من الجهات الثلاث وتبقى جهة مفتوحة للهواء، ثم يعبر الى داخل المصلى حيث حرم الصلاة محاطاً بالجدران الأربعة من كافة الجهات، وهذا التدرج معمول به كذلك في تصميم المساكن القديمة.
7 - مراعاة البيئة والظروف المحيطة: - سواء بمراعاة عوامل المناخ: مثل الحرارة والبرودة العاليتين وذلك بتكبير عرض الجدار ليكون جداراً حاملاً وعازلاً للبرودة والحرارة.
- أو بمراعاة الكثافة السكانية: فهناك تفاوت في أحجام المسجد، فأكبرهم هو الجامع الكبير ويليه الجامع ويليه في الصغر المسجد، ولكل منهم وظيفة تعبدية، فالمسجد الصغير لا تقام فيه صلاة الجمعة لصغر مساحته، والآخران تقام فيهما صلاة الجمعة بالإضافة للصلوات الخمس واقامة الدروس العامة.
- أو بمراعاة الحالة الاقتصادية للمنطقة المشيد بها المسجد.
مسؤولية المعماري:
لابد أن يدرك المعماري تمام الادراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه وهو يقوم بالعمل المسند اليه في هذا المشروع، فمشروع تأهيل المساجد التراثية الذي تقوم به وزارة الأوقاف (ادارة الشؤون الهندسية - قسم المساجد التراثية) بمشاركة كل من المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب وبلدية الكويت يعتبر من المشاريع الرائدة ذات الاهمية من الناحية التاريخية والتراثية.
تعريف المبنى التراثي
المبنى التراثي هو المبنى الذي يمثل قيمة تراثية على المستوى المحلي او الوطني او الاقليمي او الدولي. وقد تكون هذه القيمة بسبب قدم المبنى او الموقع او ارتباطه بقيم او اشخاص او احداث ذات أهمية تاريخية، وقد تكون بسبب اسلوب بنائه أو المواد المستخدمة فيه. وقيمة المبنى التراثي هي أعلى بكثير من القيم الوظيفية والجمالية والاقتصادية التي يحملها الحديث. اذا للمبنى التراثي قيم اجتماعية وثقافية وسياسية ونفسية، كما يعتبر المبنى التراثي وثيقة تاريخية شاهدة على العطاء الثقافي للشعب وللبلد وكثير ما تنتج عن الأهمية أهمية سياسية.
ميثاق فينيسيا للتعامل مع المبنى التراثي.
نظراً لأهمية المبنى التراثي من ناحية، وصعوبة صيانته من ناحية أخرى، فقد سنت المبادئ والتوصيات والقوانين لضبط أصول التعامل مع المبنى التراثي. وقد اتفقت أغلب دول العالم على الخطوط العامة للأصول العلمية للتعامل مع المبنى التراثي، فيما يسمى بميثاق فينيسيا، والذي تحترم مرجعيته كل الدول والهيئات المعنية بحفظ المباني التراثية في العالم. أعمال قسم المساجد التراثية بإدارة الشؤون الهندسية بقطاع المساجد:
1 - تأهيل المساجد التراثية بالتنسيق مع الجهات المختصة.
2 - اعداد الشروط والمواصفات الفنية الخاصة بعقود صيانة وترميم المساجد التراثية.
3 - توفير قاعدة معلوماتية خاصة بالمساجد التراثية.
4 - التنسيق مع الجهات المختصة في تصميم وتنفيذ الترميم وأي انشاءات مضافة للمساجد التراثية.
5 - استلام المساجد التراثية استلاماً ابتدائياً ونهائياً من الأمانة العامة للأوقاف بعد الترميم التراثي والتوسعة لهذه المساجد.
وسوف نتكلم في هذا المقال عن مسجد ابن خميس كأقدم المساجد التراثية بدولة الكويت.
يعد مسجد ابن خميس أحد المساجد التراثية التي تم ترميمها وتوسعتها من قبل الأمانة العامة للأوقاف الكويتية باعتباره أحد الرموز التاريخية بالمنطقة التي يتضمنها، وكان قد أسس المسجد محمد الجلاهمة عام 1772م على أرض تبرع بها لبن خميس، وأصبح اسمه مسجد ابن خميس والجلاهمة، ويقع المسجد في حي الشرق قرب وزارة التخطيط من جهة الجنوب الغربي، ويشرف على شارع الخليج، وله ثلاثة مداخل من جهة شارع الخليج، ومن شارع ابو عبيدة، ومن شارع عبدالله الاحمد، ومساحته الاجمالية 565م2 والزيادة المقترحة 128م2 لمنزل قديم ملاصق للمسجد من الجهة المقابلة للمحراب، وكان المسجد قد تم ترميمه للمرة الاولى خلال الفترة 1882 - 1892م بواسطة اهالي الفريج، واعيد ترميمه خلال الفترة 1949 - 1954م بواسطة الامانة العامة للأوقاف، وكانت قد استخدمت بعض مواد البناء الحديثة اثناء عملية الترميم تلك، حيث تم انشاء الاعمدة من الخرسانة المسلحة والحوائط من الطابوق الاسمنتي، واعيد تغطية سقف الشندل من الخرسانة المسلحة.
وقد تمت اضافة:
- مصلى للنساء ومدخل مستقل خاص به.
- ميضاء مصلى النساء ودورات المياه اللازمة.
- غرفة للإمام واخرى للمؤذن وثالثة للحارس ودورات المياه اللازمة.
وقد تم التأكيد على الثقل التأثيري للمبنى القيام قياسا على العناصر المعمارية المقترح اضافتها بمعنى تمييز المبنى القائم بصورته التراثية على ما يستحدث عليه من اضافات.
تجديدات المسجد:
لقد مر هذا المسجد بعدة تجديدات نذكر منها:
التجديد الاول: تم التجديد الاول لهذا المسجد في عام (1300هـ الموافق 1882م) وفقا لم جزم به مؤلف سجل دائرة الاوقاف، واسهم في هذا التجديد رجالات حي ابن خميس نذكر منهم السادة: فايز الخميس، ومشاري الروضان، وعبداللطيف العيسى، واسهم معهم بنصيب كبير الحاج عبدالرزاق سالم الفهد الذي شارك بجهده وماله.
ولما توفي الحاج عبدالرزاق وتولى ابناؤه متى بعده الاشراف على خدمة هذا المسجد، فتعهدوا بكل ما يحتاج اليه حتى تسلمته دائرة الاوقاف عند تأسيسها في عام 1369هـ الموافق 1949م.
واما التجديد الثاني: فقد قامت به دائرة الاوقاف عندما تسلمت المسجد عام تأسيسها بتجديده للمرة الثانية تحت اشرافها وعلى نفقتها، وهو عبارة عن اصلاحات بسيطة، كان ذلك في عام 1369هـ.
واما التجديد الثالث: لقد اعادت بناءه من جديد دائرة الاوقاف في 16 من جمادى الاولى 1373هـ الموافق 20 يناير 1954م وقد بلغت تكاليف بنائه (2313.000 روبية) وهذا هو التجديد الثالث والاخير.
التجديد الرابع: تم تجديد المسجد تجديدا شاملا عام 2009 بواسطة قسم المساجد التراثية بادارة الشؤون الهندسية بقطاع المساجد بوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية.
من هو محمد الجلاهمة (ابن خميس) الذي أسس المسجد؟
- اسس المسجد سنة 1772م تقريبا، وهو اقدم مسجد في دولة الكويت.
- يقع المسجد في فريج الجلاهمة وهو الاسم القديم لهذا الفريج (الحي) قبل هجرة اسرة الجلاهمة من الكويت في زمن الحاكم الثاني للكويت الشيخ عبدالله (1762 - 1812م) والذي سمي فيما بعد بفريج بن خميس.
- يجاور المسجد عمارة (دكاكين مستلزمات السفن) الجلاهمة والتي استأجرتها اسرة العيسى من الجلاهمة.
- اطلق على المسجد اسم (مسجد العبدالرزاق) وذلك بعد ان عمره عبدالرزاق بن سالم الفهد.
- اطلق عليه اخيرا اسم (محمد الجلاهمة «ابن خميس») نسبة لأسرة ابن خميس التي سكنت الحي في زمن حكم الشيخ مبارك الصباح (1896 - 1915م).
مئذنة المسجد:
تقع المئذنة على يسار الداخل من جهة القبلة من شارع ابي عبيدة ويبلغ ارتفاعها (18.3 متر) وهي مكونة من جزء مثمن بارتفاع عشرة امتار تقريبا به حليات تنتهي بعقود مدببة وبه فتحات ثم شرفة على كوابيل لها دورة عبارة عن برامق من الخرسانة ثم جزء اسطواني بارتفاع خمسة امتار تقريبا وبه باب على الشرفة وشبابيك مستطيلة تنتهي بنصف دائرة ثم قبة مخروطية مجزعة ثم الهلال.
* وزارة الأوقاف
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي