موسم عظيم لفعل الخيرات والمسابقة في مجال الباقيات الصالحات

رمضان... ضيف عزيز كيف نستقبله؟

تصغير
تكبير
تستعد الدنيا وتتهيأ وقد اكتست حلة من الروحانية وتتزين بقلائد فريدة من التراحم والتسامح وتعطرت بأريج البر والاحسان، حقا انه الاستعداد الامثل لاستقبال خير اضيافها فبعد ايام قلائل سيظلها شهر عظيم مبارك ويغمرها بنفحاته الربانية، انه شهر رمضان المبارك الذي ينتظره المسلمون بلهف وشوق كل عام ليجددوا فيه العهد مع الله اولا ومع انفسهم واهليهم واخوانهم.
نعم يحل علينا ضيف حبيب طالما انتظرته القلوب المؤمنة وتشوقت لبلوغه النفوس الزكية، وتأهبت له الهمم العالية، ضيف يشرفنا مرة في كل عام، ضيف قد رفع الله شأنه وأعلى مكانته ومكانه، وخصه بمزيد من الفضل والكرامة، وجعله موسما عظيما لفعل الخيرات، والمسابقة بين المؤمنين في مجال الباقيات الصالحات، ضيف تواترت النصوص والاخبار بفضله، منوهة بحلال مكانته وقدره، ومعلنة عن محبة الله تعالى له وتعظيم شأنه، ضيف قد يكلفك اليسير ولكنه يجلب لك الخير الكثير والثواب الجزيل والاجر الكبير ان انت عرفت قدره واحسنت استقباله واكرمت وفادته واستثمرته فيما يقربك إلى الله ويرفع درجاتك عنده.
انه شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان انه سيد الاشهر وافضلها على الدوام، انه شهر القرآن والصيام والقيام، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا وفضيلة، شهر تفتح فيه ابواب الجنان، وتغلق ابواب النيران، وتصفد فيه الشياطين ومردة الجان.
شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، شهر الصبر والمواساة، شهر التكافل والتراحم شهر التناصر والتعاون والمساواة، شهر الفتوحات والانتصارات، شهر ترفع فيه الدرجات، وتضاعف فيه الحسنات، وتكفر فيه السيئات شهر فيه ليلة واحدة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فهو المحروم.
فهنيئا لكم ايها المسلمون برمضان، والسعد كل السعد لكم بشهر الصيام والقيام، ويا بشرى لمن تعرض فيه لنفحات الله، وجاهد نفسه في طاعة الله «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» العنكبوت 69
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر اصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك، ويبين لهم فضله حتى يتهيئوا له ويغتنموه، فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر اصحابه، يقول «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، فيه تفتح ابواب الجنان، وتغلق فيه ابواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» رواه الامام احمد والبيهقي
قال بعض العلماء هذا الحديث اصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان. قال ابن رجب - رحمه الله تعالى «وكيف لا يبشر المؤمن بفتح ابواب الجنان؟ وكيف لا يبشر المذنب بغلق ابواب النيران؟ وكيف لا يبشر العامل بوقت يغل فيه الشيطان، ومن اين يشبه هذا الزمان زمانا؟».
خصائص رمضان
فدلت هذه الاحاديث على بعض خصائص هذا الشهر وفضائله ومنها:
انه تفتح فيه ابواب الجنة، وتغلق فيه ابواب النار، وذلك لكثرة ما يعمل فيه من الخير والاعمال الصالحة التي هي سبب لدخول الجنة، ولقلة ما يقع فيه من المعاصي والمنكرات التي هي سبب لدخول النار.
ومن خصائصه انه تصفد فيه الشياطين، اي تغل وتوثق، وتقيد بالسلاسل والاصفاد، فلا يصلون فيه إلى ما يصلون اليه في غيره، ولا يتمكنون من اغواء عباد الله كما يتمكنون منهم في غيره.
ومن خصائص هذا الشهر انه من اعظم اوقات العتق من النار، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: «ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة».
ومن اعظم خصائصه واجلها ان فيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر.
ومن خصائص هذا الشهر انه من ارجى اوقات اجابة الدعاء.
ومن فضائله انه شهر القرآن، ففيه انزل، وفيه تتأكد تلاوته وتدبره، وحفظه وتعاهده، والعناية به والعمل بما فيه، قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...) (البقرة: من الآية 185).
ومن خصائص هذا الشهر المبارك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ايمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
ومن خصائصه ايضا ان العمرة فيه تعدل حجة، بل تعدل اجر حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ ثبت عنه عليه الصلاة والسلام انه قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة» وفي رواية: «تعدل حجة معي» متفق عليه.
ومن خصائصه: ايجاب صيامه على كل من توافرت فيه شروطه، وهي:
الاسلام، والبلوغ، والعقل، والقدرة، والاقامة، والخلو من الموانع كالحيض والنفاس.
واذا كانت هذه بعض خصائص هذا الشهر وفضائله، فجدير بكل مسلم موفق ان يفرح بقدومه، ويحسن استقباله ويحرص على اغتنام اوقاته ولحظاته، وقد كان السلف الصالح - رحمهم الله - يدعون الله ستة اشهر ان يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة اشهر ان يتقبل منهم رمضان. وذلك لما يعلمون فيه من الخيرات والبركات، وما يعملون فيه من الطاعات والقربات.
ماذا أعددنا؟
أيام معدودة وتستقبل الامة هذا الزائر المحبوب بفرح غامر، وسرور ظاهر.
ماذا اعددنا ونحن على ايام من هذا الشهر العظيم، هل اعددنا نية وعزما صادقا بين يديه؟ هل بحثنا عن قلوبنا، لنعرف عزمها وصدقها فيه؟
لا يستوي من لا يتجاوز اهتمامه وتفكيره في استقبال رمضان شراء الحاجيات وتكديس الاطعمة الرمضانية، ومن يجعل جل اهتمامه غذاء الروح والتفكير في تطهير وتزكية النفس والاقبال على الله تعالى في هذا الشهر المبارك.
لسان حاله: كيف استفيد من هذا الموسم؟ كيف استعد واخطط لان اكون من العتقاء من النار، من الذين تشتاق لهم الجنة، ومن الذين يغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم.
ان الاعداد للعمل علامة التوفيق وامارة الصدق في القصد، كما قال تعالى: (ولو ارادوا الخروج لأعدوا له عدة)، والطاعة لابد ان يمهد لها بوظائف شرعية كثيرة حتى تؤتي اكلها ويجتني جناها، وخاصة في شهر رمضان حيث الاعمال الصالحة المتعددة.
فمن الآن، اصدق عزمك على فعل الطاعات... وان تجعل من رمضان صفحة بيضاء نقية، مليئة بالاعمال الصالحة ... صافية من شوائب المعاصي. قال الفضيل: «انما يرد الله عز وجل منك نيتك وارادتك».
ونحن نتحدث عن الاعداد والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان، اذكر نفسي واياكم بتسعة امور:
اولا: بادر إلى التوبة الصادقة، المستوفية لشروطها، واكثر من الاستغفار.
ثانيا: تعلّم ما لابد منه من فقه الصيام واحكامه وآدابه، والعبادات فيه كالاعتكاف والعمرة وزكاة الفطر وغيرها.
ثالثا: اعقد العزم الصادق والهمة العالية على استغلال رمضان بالاعمال الصالحة، قال تعالى: (فاذا عزم الامر فلوْ صدقوا الله لكان خيرا لهم)، وقال جلا وعلا: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)، وتحر افضل الاعمال فيه واعظمها اجرا.
رابعا: خُذ ورقة واكتب خطة شهر رمضان الايمانية، وخطة شهر رمضان العلمية، وكذلك الاجتماعية والدعوية، اكتب سأقرأ من القرآن كذا وسأشارك في الدعوة في مجال كذا، وسأقرأ من الكتب كذا وكذا، اكتب وسل الله التوفيق واعلم انه يعطي كل ناو ما نوى اما عينا او عوضا.
خامسا: حاول ان تشتري حاجيات العيد من هذه الايام او في بداية رمضان حتى لا تنشغل بها عن الطاعة في رمضان.
سادسا: اشترِ بعض المواد الغذائية للشهر بكامله ان استطعت وتفرغ لعبادة ربك ولا تنس نصيبك من الدنيا.
سابعا: استحضر ان رمضان كما وصفه الله عز وجل ايام معدودات، فهو موسم فاضل، ولكنه سريع الرحيل... واستحضر ايضا ان المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة سرعان ما تذهب بعد ايام، ويبقى الاجر، وشرْحُ الصدر باذن الله، اما المفرطّ فإن ساعات لهوه وغفلته تذهب سريعا، ولكن تبقى تبعاتها واوزارها.
ثامنا: حاول ان تصوم رمضان وتجعله مئة رمضان وذلك بالدعوة إلى الله وافطار الصائمين واطعام المحتاجين وكفالة الارامل والمساكين.
تاسعا: واخيرا، التخطيط والترتيب لبرنامج يومي للاعمال الصالحة كقراءة القرآن، والجلوس في المسجد، والجلوس مع الاهل، والصدقة، والقيام، والعمرة، والاعتكاف، والدعوة وغيرها من الاعمال، فلا يدخل عليك الشهر وانت في شتات، فتحرم كثيرا من الخيرات والبركات.
فرصة للمراجعة
كم نحن بحاجة للمراجعة واعادة النظر في كثير من شؤون حياتنا واحوالنا على مستوى الفرد والجماعة والاسرة والمجتمع.
واعادة النظر نحن في امس الحاجة لها سوا اخطأنا او لم نخطئ، اخفقنا ام نجحنا، فالنفس البشرية يعتريها النسيان والضعف والفتور لقد اقسم الله عز وجل بالنفس اللوامة، فقال سبحانه: (ولا اقسم بالنفس اللوّامة) (القيامة: 2)، قال الحسن: «هي والله نفس المؤمن، ما يرى المؤمن الا يلوم نفسه: ما اردت بكلامي؟ ما اردت بأكلي؟ ما اردت بحديث نفسي؟ والفاجر لا يحاسب نفسه. وقال مجاهد: هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشرّ لم فعلته، وعلى الخير لم لا تستكثر منه». ولكن لوم النفس ومحاسبتها قد يضيع ويضمر مع غمرة الاشغال اليومية والاعمال الروتينية، وها نحن اليوم بانتظار شهر كريم، شهر رمضان، وهو فرصة لاعادة النظر في الكثير من ممارساتنا وعاداتنا وعلاقاتنا، واعمالنا ونفوسنا.
فرصة لاعادة النظر في انقطاعنا عن القرآن الكريم وهجراننا له تدبرا وفهما وقراءة وعملا. فرصة لاعادة النظر في صلتنا للارحام والاقارب والجيران.
فرصة لاعادة النظر في اموالنا، وهل هي من كسب حلال ام غير ذلك؟
فرصة لاعادة النظر في اهتمامنا باسرتنا وابنائنا واخواننا.
فرصة لاعادة النظر في تفاعلنا مع قضايا المسلمين المستضعفين.
فرصة لاعادة النظر في اتقان اعمالنا وكفاية انتاجنا فنستغني عما يخضعنا لهيمنة اعدائنا.
ولنعلم اخيرا ان صلاح الفرد ينعكس على الامة، وما الامة الا افراد، ورب افراد كانوا امة بصلاحهم واصلاحهم... اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه ايمانا واحتسابا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي