الدعاء المأثور 1

تصغير
تكبير
معشر القراء الفضلاء، وصلكم الله بمأثور الدعاء:

ان من أشرف الأدعية التي يتقرب الى الله تعالى بها الداعي، وأجمع المباني وانفع المعاني التي يسعى في تحصيلها الساعي: ما أثر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم **من الأدعية الصحيحة، التي هي من جوامع الكلام وعيون الأقوال التي تجود بها القريحة.

الدكتور وليد محمد العلي امام وخطيب المسجد الكبير واستاذ العقيدة بكلية الشريعة.

وان من هذه الدعوات النبوية الشريفة، وهذه الكلمات الشافية الكافية المنيفة:

ما جاء في حديث انس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان أكثر دعوةٍ يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهمَّ آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار).

فهذه دعوةٌ تجمع للدَّاعي بها خيريِ الدُّنيا والآخِرَة، وتُسبغُ عليهِ انِ استُجيبَ نعمَ اللهِ الباطنَةَ والظَّاهِرَة، وتدفعُ عنه جميعَ المِحَنِ والفِتَنِ والابتلاءاتِ القاهِرَة.

فيدخلُ في حسنةِ الدُّنيا كُلُّ ما هو محبوبٍ ومرغوبٍ، مِمَّا يتنافسُ فيه المُتنافسون من كلِّ ما هو مطلوبٌ: وأجلُّ ذلك: العملُ الصَّالِحُ والعلمُ النَّافع، والمرأةُ الصَّالِحةُ والعافيةُ والرِّزقُ الواسعُ.

ويدخلُ في حسنةِ الآخرةِ النَّعيمُ المُقيمُ الذي لا يحولُ ولا يزولُ ممَّا هو في الدَّار الآخرة، وأعلى ذلك: دُخولُ الجنَّةِ ورضوانُ اللهِ وما في رُؤية وجهه الكريم من قُرَّةِ العُيونِ النَّاظرةِ. ويدخل في الوقايةِ من فتنةِ عذابِ النَّار: العصمةُ من الوُقوعِ في الآثامِ والأضرار، ممَّا هو سببٌ في ضيقِ الصَّدر، وحصولِ البلاءِ بعذابِ القبر، وما يتبعُ ذلك من عذابِ جهنَّمَ وفتنةِ النَّار، وسخطِ الله تعالى واحتجابِه عن الانظار.

والعاقل في هذه الدُّنيا يتتبَّع حسناتها الثَّلاث، ويسعى في تحصيلها ويسير اليها سير الحاث، فعن عُبيدالله بن محصنٍ الخطميِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربِه، مُعافى في جسده، عنده قُوتُ يومه: فكانَّما حيزت له الدُّنيا).

ثَلاثَةُ يُجْهَلُ مِقْدَارُهَـا * الأَمْنُ والصِّحَّةُ والقُوتُ

فَلا تَثِقْ بالمَالِ مِنْ غَيْرِهَا * لَوْ أَنَّهُ دُرٌّ وَيَاقُــوتُ

ولولا تحصُّن المُسلم بدعاء الله وهُو أجلُّ عملٍ صالِحٍ: لكانت الدُّنيا بجميع ما فيها ملعونةً وكلُّ ما فيها كالِحٌ، قال أبوهريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا انَّ الدُّنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، الا ذكر الله وما والاه، وعالِمٌ أو مُتعلِّمٌ).

فالدُّعاء هُو أجلُّ ما في الدُّنيا من الحسنات، وهُو سبيلٌ الى الظَّفر بالزِّيادة التي في الجنَّات، فعن صُهيبٍ الرُّوميِّ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (اذا دخل أهلُ الجنَّةِ الجنةَ، يقول الله تبارك وتعالى: تُريدون شيئاً أَزيدُكُم؟ فيقولون: ألم تُبيِّضْ وُجوهَنَا؟ ألم تُدخلنَا الجنَّة وتُنجِّنَا من النَّار؟ فيكشف الحجابَ، فما أُعْطُوا شيئاً أحبَّ اليهم من النَّظر الى ربِّهم عزَّ وجلَّ).

ولعظيم ما اشتمل عليه هذا الدعاء من جوامع الكلام: فقد خصَّه رسول الله عليه أفضل الصَّلاة وأزكى السَّلام: بالدُّعاء الصَّالح به أثناء طوافه بين ركني البيت الحرام، قال عبدالله بن السَّائب رضي الله عنه: (سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الرُّكنين: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

فمن أراد منكم حُسن المعافاة في الدنيا والآخرة: فعليه بدعاء الله ان يُؤتيه حسنة الدنيا والآخرة، قال انس بن مالكٍ رضي الله عنه: انَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عاد رجلاً من المُسلمين قد خَفَتَ، فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كُنتَ تدعو بشيءٍ، أو تسأله ايَّاه؟ قال: نعم. كُنتُ أقول: اللَّهُمَّ ما كُنتَ مُعاقِبِي به في الآخرة: فعجِّله لي في الدُّنيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سُبحان الله! لا تُطيقه، أفلا قُلتَ: اللَّهُمَّ آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار؟ قال: فدعا الله له، فشفاه).

فأهلُ الاصطفاء: من لزموا الدُّعاءَ، وهم مُستيقنون بأنَّ ربَّهم تبارك وتعالى لدعائِهم سميعٌ قريبٌ مجيبٌ، وانَّه يُخاطبُهم بقوله: {وَاذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَانِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ اذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

وفي الختام معشر القراء الفضلاء:

فالسعداء من استمسكوا بعروة الالتجاء، وألظوا في كل وقت وحين بصالح الدعاء، المأثور عن خاتم الرسل وامام الانبياء، صلى عليه وسلم رب الأرض والسماء.

فالمعتصمون بالدعاء المأثور آووا الى ركن شديد، لانهم قد استعانوا في طلبهم بالله العزيز الحميد.

واشدد يديك بحبل الله معتصما * فانه الركن ان خانتك أركان

من استعان بغير الله في طلب * فان ناصره عجز وخذلان

نفعني الله واياكم بهذا الدعاء، وفتح لاجابته أبواب السماء، وأصل معكم لختام هذا اللقاء: سائلا الله تعالى ان تحوطَكُم رعايتُه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي