| د. حسن عبدالله عباس |
عند مراجعة مواقف الدول الخليجية، تترسخ قناعة أن مراهناتها كانت دائما خاطئة بل وقاتلة في أحايين كثيرة.
يتضح هذا جليا منذ بدايات الثورة الإيرانية. فلم يكن من قبيل الصدفة أن يتشكّل مجلس التعاون الخليجي (1981) بعد عامين فقط من نجاح الثورة (1979). فالدول المطلة على الجانب الغربي للخليج تكاتفت مع بعضها حينما نجحت الجمهورية الإسلامية لتكون سداً منيعاً أمام المد الثوري الإيراني.
يجدر القول الآن أن أؤكد على نقطة غاية في الأهمية وهي أن نهوض هذه الدول وتشكلها لم يكن بعنوان طائفي. بمعنى أن الدول هذه لم تكشف عن تكتلها الخليجي لغرض الوقوف أمام المد الشيعي. بل غاية الأمر أن الهاجس الوحيد الذي أقلق هذه الدول الغنية هو فكرة الانقلاب على النظام والخوف من اتساع الرقعة لتطول مجتمعات هذه الدول (وقد يكون مبعث هذا الخوف الحليف الأميركي كما سيأتي).
هذه الهواجس ظلت منذ ذلك الحين ولحد اليوم. فكل السياسات التي اتخذها طرفا الخليج كانت على النقيض، سواء كان ذلك في السياسة أو الاقتصاد أو بالنسبة للملفات الخارجية. لذا لم يكن غريبا أن تراهن الدول الخليجية على العراق في حرب الثماني سنوات، وليس غريبا أن تعادي حزب الله، ولم يكن غريبا أن تزيد هذه الدول انتاجها النفطي كي تكسر الأسعار، وهكذا تجد الأمر متسقا بالنسبة للملفين البحريني والسوري.
لكن يجب أن نقر إلى جانب هذا الكلام أن هذه المواقف العدائية لم تكن بمعزل عن التحالف الأميركي في المنطقة. فالعداء كان وما زال مطلوباً لرعاية المصالح والسياسات الأميركية في المنطقة.
الملاحظ ليس هذا فحسب، بل لن أخطاء هذه الدول تفاقمت أخيرا وبعد موجة الربيع العربي. وتحديدا المملكة العربية السعودية وقطر أخذتا مأزقاً كبيراً بهذا الصدد. فالسعودية تضررت كثيرا لسقوط حليفها حسني مبارك، والأمر نفسه حصل مع القطريين مع تدهور نظام الإخوان بقيادة مرسي. ولا أظن الأمر سينتهي إلى هنا، بل صدى هذه المراهنات السيئة حتماً سنسمعها (إن لم تكن قد ظهرت أصلا الآن) من سورية، حيث قريباً جداً سيُحكِم النظام قبضته على حمص.
من هنا أعيد وأكرر قولي الدائم بأن دول الخليج أخطأوا عندما منحوا كرسي سورية للمعارضة في مؤتمر الجامعة العربية الاخير، وحينما دفعوا المليارات لإسقاط بشار وحكومته، وحينما تعجلوا ليضعوا حزب الله على قائمة الإرهاب.
بل الأسوأ أن مراهناتهم على الحليف الأميركي هي بحد ذاتها خطأ استراتيجي قاتل. وللإشارة لما أقصد، يوجد مقطع قديم على اليوتيوب يعود إلى 1993 يتحدث فيه رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية CIA جيمس وولسي عن سياساتهم الاستراتيجية تجاه المنطقة. يتحدث وولسي بالتسجيل بأنهم آنذاك بصدد استمالة الإسلاميين «المعتدلين» كي تكون ورقة ابتزاز للي ذراع المنطقة (ويذكر تحديدا المملكة العربية ومصر وليبيا والعراق وسورية!). فالمطلوب أميركيا حالة الإذعان وعدم التفرد بالقرار ولغرض حمل المنطقة عدم تناسي الاستعانة بالشريك الأميركي على الدوام! فمتى تستيقظون!؟
[email protected]