«الراي» في ساحة الـ «ميني حرب» ترصد بدء معركة الإعمار في «بوابة الجنوب» اللبناني

عبرا «أسيرة» الروايات المتناقضة لمعركة ... «الأسير»

تصغير
تكبير
| بيروت - «الراي» |

لم تنته تداعيات الاشتباك الذي وقع بين الجيش اللبناني وأنصار إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ احمد الاسير في عبرا ـ صيدا الاسبوع المنصرم. فبعد لقاءات سياسية واتصالات على اعلى المستويات شملت رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جان قهوجي لتنفيس حالة الاحتقان وبلسمة جراح ابناء المنطقة ومدينة صيدا، بدأ يتكشف حجم الخسائر البشرية والمادية تدريجياً، بعدما رفع الجيش الطوق الامني جزئياً عن المنطقة باستثناء المبنيين المتقابلين او ما يعرف بـ «المربع الامني» وسمح لسكان المباني السكنية بتفقد شققهم التي بات الكثير منها غير صالح للسكن ويحتاج الى ترميم.

في جولة ميدانية لـ «الراي» في المكان، يَظهر بوضوح مدى وجود عناصر الجيش اللبناني الذين ابقوا على الطريق الرئيسية المؤدية الى المكان والمباني المحطية به مباشرة مقفلة، في وقت لم يُرفع الحظر عن المبنيين المتقابلين، الاول الذي يوجد فيه مكتب الاسير ومنزله والثاني الذي يقع بمحاذاة مسجد بلال بن رباح اذ كان الجيش ما زال يقوم بعملية مسح دقيقة لهما ويصادر كل ما يتعلق بمقتنيات الاسير الذي بات مطلوباً للعدالة ومتوارياً عن الانظار مع الفنان المعتزل فضل شاكر ومجموعة من المقربين منهما، وسط تساؤلات محيرة هل ما زال حياً وكيف استطاع الفرار والى اين؟

اول ما يلفت الانتباه، ان فوج الهندسة في الجيش أزال الخيمة الحديدية التي بناها الاسير بين المبنيين داخل ما عُرف بـ «المربع الامني»، اضافة الى جداريْن من إسمنت ودشم رملية كانت تنتصب عند مدخله، فضلاً عن الحواجز الحديدية التي كان تتواجد عليها عناصر مسلحة للسماح بالدخول الى المربع الامني بعد اتصال بمكتب الاسير ومعرفة هوية القادم والهدف، فيما قامت ورش بلدية صيدا بالتعاون مع بلدية عبرا برفع الانقاض والسيارات العائدة الى إمام مسجد بلال بن رباح والفنان شاكر وهي عبارة عن «رانجرات» سوداء اللون كانت متوقفة طوال فترة الاشتباك قرب المسجد، اضافة الى الركام في نفس المكان تحديداً.

وخلال التدقيق بالمكان، لم تَظهر للعيان اي أنفاق خارجية بعد ما كان اُعلن عن اكتشاف عدد منها، وسط ترجيح مصادر أمنية ان يكون هناك نفق يصل بين المبنيين لتفادي المرور على الارض بين المكتب والمسجد، اضافة الى نفق صغير يوصل الى احد المباني المجاورة، قد يكون مكّن الاسير ومجموعته من الفرار تحت وابل النيران، وربما يكون قاده الى مبنى مجاور ومنه الى منطقة اخرى.

غير ان الثابت ان الجيش اللبناني عثر داخل المسجد على جثث لأنصار الاسير وكميات كبيرة من السلاح الخفيف والمتوسط ورشاشات ومدافع الهاون ترقى الى ما يشبه المخزن، ولا سيما ان معلومات اكدت انه قبل وقوع الاشتباكين، الاول مع «سرايا المقاومة» والثاني مع الجيش اللبناني وصلت (ليلاً) كمية من السلاح الى الشيخ الاسير داخل «كونتينر»، قام على اثرها بتزويد انصاره ببنادق حربية مع جعب ومخازن بعد تعبئة استمارة مبايعة، او بيع الموالين له السلاح نقداً وبالتقسيط مقابل مبلغ وصل الى 1400 دولار.

ورجّحت المصادر، ان يكون الاسير قد أتلف ملفاته المهمة قبل الفرار بعدما أدرك ان لا مفر من ذلك اثر فشل الوساطات في «تقطيع» الاشتباك والتي قادها وفد من هيئة علماء المسلمين في لبنان برئاسة الشيخ سالم الرافعي، فيما البعض الاخر تحدث عن مبالغات في ما عثر عليه. ويبقى الامر مرهوناً بالجيش اللبناني لحسم كل الاقاويل بعدما وثّق كل شيء وعمد الى تصوير ما وجد كعادته في هكذا حالات. علماً ان بعض الاهالي شكا فقدان بعض الاغراض من منازلهم التي تعرّضت للسرقة.

في المقابل، قام الجيش بتسليم مسجد بلال بن رباح فقط الى مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان الذي حرص على إبقاء أبوابه مشرعة وأقام الصلاة فيه وكلف قاضي صيدا الشرعي الشيخ محمد ابو زيد إمامته والقاء خطبة الجمعة فيه، معلنا أن المسجد «سيعود لممارسة دوره بحماية السلم الأهلي والعيش المشترك بإمامة الشيخ محمد أبو زيد»، قائلا «سنتعاون لإعادة الحياة الطبيعية لهذه المنطقة، وسنتابع قضايا المعتقلين والتعويض على المتضررين»، مؤكدا ان «صيدا كانت وما زالت تطالب بالدولة ولا سلاح غير سلاح الدولة».

في «ساحة المعركة»، يلحظ المرء بوضوح ان حجم الاضرار كبير، منازل ومحال تجارية متضررة بشكل كامل او جزئي، غالبيتها لا تصلح للسكن مجدداً، وخاصة تلك الواقعة ضمن المربع الامني او المحيطة به، قبل القيام بعملية ترميم وصيانة، فيما المتضررون انفسهم يطالبون بشيء واحد هو التعويض عليهم سريعاً كي يعودوا الى منازلهم وأعمالهم وتعود دورة الحياة الى طبيعتها، وذلك على وقع قيام الورش الرسمية والبلدية والخدماتية برفع الانقاض، واصلاح الاعطال في شبكات الكهرباء والمياه والهاتف والتي تحتاج الى المزيد من الجهد والوقت معا.

في الشارع الرئيسي المقابل في عبرا، كان ناشطون من المجتمع المدني يحاولون كسر حجز الخوف، وإعادة بناء جسور الثقة، بعدما أطلقوا حملة «بيكفي خوف» بتشجيع ودعم من النائبة بهية الحريري وقد وقّع عليها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وهي تؤكد «تمسك الشباب والشعب اللبناني بحقه المدني بالعيش بسلام في دولة الحقوق والواجبات» وتتضمن عريضة الحملة «لأنو بدنا نكون مجتمعا ودولة ومش ضحايا وساحة ومواقع وخطوط تماس، ولأنو الخوف اللي مزروع بقلوب الناس صغار وكبار عم بيهدد أمنهم وسلامتهم وسلامة مدارسهم وطرقاتهم واسواقهم وحريتهم، بيكفي نخاف، بيكفي نخاف من حالنا، بكفي نخاف من بعضنا، بكفي نخاف من بكرا، لأنو لما خفنا ضيعنا حالنا وبلدنا وأرضنا..».

وقالت منسقة الحملة هبة حنينة: «هدفنا ان نطلق صرخة مدنية وطنية من صيدا الى كل لبنان لنقول ان الذي جرى في صيدا لا يمثلنا وليس من ثقافتنا، وفي نفس الوقت نزلنا على الأرض لنكون مع اهلنا العائدين الى بيوتهم ولننظف الطرق ولنُشرك الناس في التوقيع على العريضة»، مضيفة «لأن الخوف سيطر على معظمنا ويهدّد سلامتنا وسلامة أهلنا ومستقبلنا... نزلنا لنقول نحن لسنا خائفين ولا نريد لأحد ان يخاف، نريد ان نكسر حواجز الخوف عند الجميع لنستطيع ان نبني وطنا يليق بنا وبأحلامنا».





• أحاديث كثيرة عن أنفاق ومخازن سلاح وحواجز حديدية وصيدا تواجه بحملة «بيكفي خوف»





الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي