رأي

استراتيجيات الاستثمار الحكيمة في ظل ارتفاع معدلات الفائدة

تصغير
تكبير
| بقلم حيدر توفيق |

شكّلت عمليات بيع السندات وغيرها من الأوراق المالية ذات الدخل الثابت التي شهدتها الأسواق أخيراً، صدمة كبيرة لمعظم المستثمرين في السندات الذين كانوا يعملون خلال السنوات الخمس الماضية، وبالأخص منذ بدء الأزمة المالية العالمية في 2008، على ضخّ المليارات من الدولارات في سوق السندات.

وبالتزامن مع ذلك، كانت المليارات من الدولارات تُسحب من أسواق الأسهم بهدف تحويلها نحو استثمارات آمنة في أسواق السندات. لطالما أكّدت خلال الفترة الماضية على أن العوائد على السندات المنخفضة بشكل قياسي هي بمثابة قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. لا توجد أدوات مالية لا تحمل مخاطر، بما في ذلك معدلات الفائدة.

إن السندات هي أوراق مالية تصدرها الجهة المُقترِضة التي قد تكون حكومة، مؤسسات شبه حكومية، مؤسسات دولية أو شركة. ويكون للسندات في معظم الأحيان تاريخ استحقاق ثابت وقسيمة ثابتة تكون على سبيل المثال معدل الفائدة. ويتم دفع هذه الفائدة الثابتة إمّا بشكل شهري أو ربع سنوي أو سنوي.

للسندات تصنيف ائتماني معتمد، فعلى سبيل المثال، إذا كانت السندات المُصَدَرة تتمتع بتصنيف (AAA)، فذلك يعني أن رأس المال المُستثمَر ومعدل الفائدة مضمونان طوال فترة حياتهما. تتغير أسعار السندات بناء على العرض والطلب، وعلى حركة معدلات الفائدة على المديين القصير والطويل. هذا النوع من السندات مكفول بشكل جيد جدا وعلى الرغم من أن سعرها يمكن أن يتأرجح إلا أن تسديد كل من رأس المال والقسيمة مضمون.

تترواح أسعار الفائدة على سندات دول مجموعة السبع ما بين 0.25 ونحو 0.75 في المئة، وتُعدُّ معدلات الفائدة هذه الأدنى تاريخياً. لقد جاءت عمليات البيع في سوق السندات على خلفية التصريحات التي أدلى بها رئيس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي بن برنانكي حول احتمال تقليص حجم البرنامج الشهري لشراء السندات. وقد جاءت ردة فعل المستثمرين على هذه الأنباء عنيفةً ترجمتها عملياتُ بيع كبيرةٍ للسندات.

لا أعتقد أن ذلك يعني أن معدلات الفائدة ستبدأ بالارتفاع قريباً، بل أرى على العكس أنها ستبقى منخفضة لفترة مقبلة طويلة. وهذا الاعتقاد يستند إلى حقيقة أنّ معدلات التضخم منخفضة ومن الممكن أن تنخفض أكثر، إلا أنّ معدلات الفائدة المنخفضة هذه لن تبقى كذلك إلى الأبد وعلى المستثمرين أن يكونوا حذرين للغاية ويعلموا أن المخاطر موجودة، وأن بيع السندات ينطلق عندما تبدأ معدلات الفائدة بالارتفاع تماماً كما حدث في الأيام القليلة الماضية.

كيف تتحرّك أسعار السندات عندما تبدأ معدلات الفائدة بالارتفاع؟

إن ارتفاع معدلات الفائدة هو بشكل عام ليس في مصلحة أسعار السندات. المعادلة بسيطة: عندما تبدأ معدلات الفائدة بالارتفاع، تتراجع أسعارُ السندات. ومع ذلك، لا تنخفض أسعار السندات كلها بنفس الحجم. فمن الممكن أن يختلف العائد الإجمالي على السندات ذات آجال الاستحقاق المختلفة والقسائم المختلفة كثيرا. ومن أجل الحد من حجم الخسائر على السندات عندما تبدأ معدلات الفائدة بالارتفاع يجب على المستثمرين مراقبة مقياسين اثنين مهمين جداً وهما:

- مدة السندات: وهو مقياس حساسية سعر السندات لتغيرات معدلات الفائدة ولا ينبغي خلط ذلك مع فترة استحقاق السندات.

- الاختلاف في العائد: وهو حجم العائد الإضافي الذي يوفره أي سند، بالمقارنة مع السندات الحكومية ذات الخصائص المماثلة مثل مدة الاستحقاق، التصنيف الائتماني، القسيمة، العملة، حجم الإصدار (السيولة) ومخاطر السوق.

تميل السندات ذات مدة الاستحقاق القصيرة إلى أن تكون لها فترة أقصر وحساسية أقل لأي تغيير في معدلات الفائدة بالمقارنة مع السندات طويلة الأجل. بإمكان المستثمرين شراء السندات التي تتراوح مدة استحقاقها بين عدة أيام وحتى 30 عاماً. عندما تبدأ معدلات الفائدة بالارتفاع أو عند وجود أي مؤشرات بهذا الشأن، فإن حجم وحدّة عملية التصحيح للسندات ذات الآجال الطويلة تكون أكبر بالمقارنة مع السندات قصيرة الأجل والتي تُستحق على سبيل المثال خلال عامين كحد أقصى.

أما السندات التي تتعرض للضرر الأكبر عندما تبدأ معدلات الفائدة بالارتفاع فهي السندات الرديئة، أي السنداتُ التي لا تتمتع بدرجة استثمارية. ولأنها عالية المخاطر، تعرض هذه السندات في العادة فوائدَ أعلى، بالمقارنة مع السندات ذات الجودة العالية وذلك من أجل جذب المستثمرين. في بعض الأوقات وعندما يكون الاقتصاد العالمي قويا جداً، يميل أداء السندات ذات العوائد العالية (السندات الرديئة) لأن يكون جيدا للغاية إذا كان نشاط الجهة المُصَدِّرة يحقق نمواً قوياً منسجماً مع الوضع الاقتصادي العام.

الاستراتيجيات المُوصى بها للمستثمرين في السندات

هنا بالذات تكون استراتيجية التنويع مفيدة للغاية. إذا كان الدخل الذي توفره الفائدة مهما بالنسبة للمستثمرين، فلا بد أن يحرص هؤلاء دائماً على شراء السندات ذات النوعية الجيدة والاحتفاظ بها حتى تاريخ استحقاقها، بينما يواصلون تجميع القسائم بانتظار استرداد رأس المال الذي تم استثماره في الأصل عند استحقاق السندات.

إذا كان المستثمر يعتمد استراتيجية قصيرة الأجل، فقد يساعد الاستثمار في السندات قصيرة الأجل التي تتمتع بتصنيف ائتماني مرتفع على الحد من آثار ارتفاع معدلات الفائدة. في بعض الأحيان تقلّل استراتيجية الاستثمار القائمة على المزج بين السندات قصيرة الأجل والسندات طويلة الأجل وبعض السندات ذات العوائد العالية التي تعطي المستثمرين فترة قصيرة في الإجمال، من تأثيرات ارتفاع معدلات الفائدة أيضاً. يجب على المستثمر أيضا الحفاظَ على التنويع في جميع الأوقات لاسيما عند ارتفاع معدلات الفائدة.

تتمتع السندات ذات الجودة العالية جداً مثل سندات الخزانة الأميركية، والسندات الحكومية البريطانية التي تُعرف في الأسواق باسم (Gilts) والسندات الحكومية اليابانية والألمانية بتصنيف عالٍ وتُعتبر ذات جودة ممتازة وأقلَّ ارتباطاً بتحركات أسواق الأسهم. يمكن للاستثمار في السندات للتنويع في محفظة من الأصول أو في محفظة متوازنة أن يحدَّ من تقلبات المحفظة لأنّ أسعار الأنواع المختلفة من السندات يمكن أن تتحرك بشكل عكسي مع أسعار الأسهم أو بعض الأصول الأخرى.

وبالتالي، فإنه عندما تنتشر التوقعات حول احتمال ارتفاع أسعار الفائدة، كما هو الحال الآن، تتخلف السندات عن الأسهم ويتراجع أداؤها ولكن عندما تنخفض الفائدة كما حدث في 2008 فإنها تساعد على استمرار العوائد الاستثمارية الجيدة لمحفظة متنوعة. دعونا لا ننسى أنه على الرغم من إمكانية انخفاض سعر السند فإن الجهة المُصَدِّرة ستستمر بدفع قيمة القسائم على افتراض أنها لن تتخلف عن تسديد التزاماتها. يجب على المستثمرين في بيئة تشهد هبوطَ أسعار الفائدة تجنبَ الاستثمار في السندات القابلة للاسترداد أو الأذونات ذات الأسعار العائمة وهي التي تُعدّل مدفوعات الفائدة تماشياً مع انخفاض أسعار الفائدة على المدى القصير. إن الاستثمار في الأذونات ذات الأسعار العائمة يكون جيداً عندما تتجه معدلات الفائدة نحو الارتفاع. يمكن للمستثمرين في السندات البحثَ عن خيارات أخرى مدرّة للدخل مثل الاستثمار العقاري الذي يوفر دخلا ثابتا على أساس شهري والذي يمكن تعديل دخله صعوداً على أساس سنوي تماشياً مع التضخم. ويمنح هذا النوع من الاستثمارات للمستثمرين دخلا جيدا ومكاسب جيدة على رأس المال المُستثمر عندما يتم بيع الاستثمارات.

تتفاعل فئات الأصول المخلتفة بشكل مختلف وبحجم مختلف مع التوقعات باحتمال حدوث تغيير في توجهات أسعار الفائدة، إلا أنّ بعض فئات الأصول يمكنها الاستفادة أكثر من غيرها. من المهم جددا بالنسبة للمستثمرين استيعاب سبب هذا التحول في معدلات الفائدة والدافع له. وعندما يفهم المستثمرون هذه الأسبابَ، عليهم التحرّك للتموضع في تلك الأصول التي ستستفيد أكثر من غيرها نتيجة لهذا التغيّر في معدلات الفائدة، أما بالنسبة للمستثمرين في الأسهم فيجب عليهم البحثُ عن القطاعات التي على استعداد للتحرك صعوداً بسبب التغير في بيئة أسعار الفائدة.



* نائب الرئيس لإدارة الأصول في شركة «ديمة كابيتال» للاستثمار

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي