نادين البدير / فرج فودة لم يخطئ


في ذكرى مقتل فرج فودة أسترجع رسالة كتبها إهداء لأصدقاء ابنه :
«إلى زملاء ولدي الصغير أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده تصديقاً لمقولة آبائهم عني، إليهم حين يكبرون ويقرأون ويدركون أنني دافعت عنهم وعن مستقبلهم وأن ما فعلوه كان أقسى من رصاص جيل آبائهم».
يقين عميق بأن أصدقاء ابنه سيقرأون ويدركون يوماً ما.
فيما مضى كانت الحكومات تعتقل الأحرار وكان الشباب يستاء ويحتج ويموت. اليوم، بعض الشباب الملتحي يخطف ويحبس ويطلق أحكام الإعدام والحكومات تتفرج وتشجع.
أبو العلا عبد ربه أحد الضالعين بجريمة ذبح الثقافة. حرره الرئيس المصري مرسي.
خرج أبوالعلا. عاش الإرهاب. سقطت الثقافة. و جثة فودة تبشر بعذاب عربي جديد.
فودة مجرم.
جريمته أنه فكر من زاوية مختلفة.
حين يرفع المتطرف خنجره ليطعن محفوظ أو فودة أو ليرفع قضية مطالباً بحبس وتغريم «أحد الكفار»، فهو لا يدافع عن عقيدته بل عن غبائه ومحدودية فكره، إطلاق المفكرين يكشف فكر المتطرفين الفارغ من كل شيء. يعجز عن تفسير ظواهر الكون فينكرها. يعجز عن القراءة فيكفر. كلها أمور عصفت بنا حتى اعتاد بعضنا عليها.
مرت الثمانينات وكانت صور المرأة تمنع منعا باتا من الظهور عبر وسائل إعلام بعض دول الخليج من صحف ومجلات حتى لو كانت مسؤولة تزور البلاد، الأصح القول إن المرأة اختفت ولم تعد موجودة طيلة سني الخوف. كل شيء تحت قبضة الرقابة. مجلات، كتب، إعلانات، مسلسلات، أفلام، لا شيء يعرض على المواطن قبل أن تقصه وتشذبه وتهذبه أدوات الرقابة وتجعله صالحاً للعرض حتى لو وصلنا مهترئ ميت لا لون له ولا نكهة. فقط لأن المتطرفين معترضون على التبرج والسفور والفلسفة والمنطق والفن والتمثيل والأزياء والألوان والموسيقى والفرح والمرأة والفكر والرقص والتكنولوجيا والتقدم.
كل شيء صار ممنوعاً، وانفلت المتطرفون بالشوارع يرهبون المواطنين تحت ستار نشر الفضيلة. وصار من الطبيعي أن تشن الهجمات ضد الكتاب والمفكرين لأجل كلمة أو مقالة وترفع القضايا التي تكفر وتتهم بالردة والإلحاد كل ذي صاحب رأي مختلف وتشوه سمعة المثقفات والناشطات بتهم مختلفة. ومن الطبيعي أن أسير في الشارع فيوقفني شخص ليصرخ بوجهي شاتما حجابي السافر ووجهي المكشوف.
ومن الطبيعي أن تدخل المكتبات فلا تجد كتباً تبحث عنها لأنها ممنوعة بأمر رقابي. ومن الطبيعي ألا تتابع القناة المحلية لأنها لا تحوي شيئاً. ومن الطبيعي أن يصلك خبر دخول أحدهم السجن بتهمة الردة لكلمات كتبها بجريدة ومن الطبيعي أن يهدر دم كاتب أو صحافي لأنه يحكم على الأمور بغير حكم التيار الإسلامي المتطرف. هكذا يصبح وطنك مكانا لتجميع الممنوعات.
وهذا هو عهد المتطرفين الإسلاميين حين يسيطرون، لا حياء. لا مروءة. لا حضارة. فإما أن يسير كل شيء حسب المبتغى أو يكون الحل هو السيف.
قبل يومين كتب الدكتور القدير أيمن الجندي صاحب العمود الجميل (الكثير من الحب)، مقالا عنوانه خطأ فودة بعد مقالة بعنوان صواب فودة. وضمن اخطاء فودة برأي الدكتور الجندي أنه يركز على السواد من التاريخ الإسلامي العظيم. لا أعلم ما العيب في إبراز السواد فحتى الأمم المتحضرة تبرز السواد بتاريخها وحاضرها بل وتركز عليه لتفاديه. إن الاعتناء المفرط بالتاريخ وتفضيله على الحاضر دفع لتقديس البعض واعتبارهم بمنزلة الأنبياء. هناك التابعون وتابعو تابعو التابعين وابن فلان وابن ابن فلان وسلسلة تاريخية لا نهاية لها تحكمنا، في مقابل الثقافة الغربية التي تشرح بنفسها أخطاء الماضي، أقرب مثال السينما هناك وكم الأفلام التي عرضت لإبراز السواد من التاريخ الغربي والمسيحي.
لا أحد يخجل من المجازر التي ارتكبت والمؤامرات الدنيئة التي حيكت ومن دور الكنيسة المظلم في فترات التاريخ الكئيب. تلك شعوب تجاوزت حتى نفسها.
إرث فرج فودة هو ملك للعرب جميعاً، ودمه حق يطالب به كل العرب. دم هؤلاء المفكرين تحول لحق عام لا يخص عائلاتهم وحدها ولا مصر وحدها ولا الرئيس المصري وحده.
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]
«إلى زملاء ولدي الصغير أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده تصديقاً لمقولة آبائهم عني، إليهم حين يكبرون ويقرأون ويدركون أنني دافعت عنهم وعن مستقبلهم وأن ما فعلوه كان أقسى من رصاص جيل آبائهم».
يقين عميق بأن أصدقاء ابنه سيقرأون ويدركون يوماً ما.
فيما مضى كانت الحكومات تعتقل الأحرار وكان الشباب يستاء ويحتج ويموت. اليوم، بعض الشباب الملتحي يخطف ويحبس ويطلق أحكام الإعدام والحكومات تتفرج وتشجع.
أبو العلا عبد ربه أحد الضالعين بجريمة ذبح الثقافة. حرره الرئيس المصري مرسي.
خرج أبوالعلا. عاش الإرهاب. سقطت الثقافة. و جثة فودة تبشر بعذاب عربي جديد.
فودة مجرم.
جريمته أنه فكر من زاوية مختلفة.
حين يرفع المتطرف خنجره ليطعن محفوظ أو فودة أو ليرفع قضية مطالباً بحبس وتغريم «أحد الكفار»، فهو لا يدافع عن عقيدته بل عن غبائه ومحدودية فكره، إطلاق المفكرين يكشف فكر المتطرفين الفارغ من كل شيء. يعجز عن تفسير ظواهر الكون فينكرها. يعجز عن القراءة فيكفر. كلها أمور عصفت بنا حتى اعتاد بعضنا عليها.
مرت الثمانينات وكانت صور المرأة تمنع منعا باتا من الظهور عبر وسائل إعلام بعض دول الخليج من صحف ومجلات حتى لو كانت مسؤولة تزور البلاد، الأصح القول إن المرأة اختفت ولم تعد موجودة طيلة سني الخوف. كل شيء تحت قبضة الرقابة. مجلات، كتب، إعلانات، مسلسلات، أفلام، لا شيء يعرض على المواطن قبل أن تقصه وتشذبه وتهذبه أدوات الرقابة وتجعله صالحاً للعرض حتى لو وصلنا مهترئ ميت لا لون له ولا نكهة. فقط لأن المتطرفين معترضون على التبرج والسفور والفلسفة والمنطق والفن والتمثيل والأزياء والألوان والموسيقى والفرح والمرأة والفكر والرقص والتكنولوجيا والتقدم.
كل شيء صار ممنوعاً، وانفلت المتطرفون بالشوارع يرهبون المواطنين تحت ستار نشر الفضيلة. وصار من الطبيعي أن تشن الهجمات ضد الكتاب والمفكرين لأجل كلمة أو مقالة وترفع القضايا التي تكفر وتتهم بالردة والإلحاد كل ذي صاحب رأي مختلف وتشوه سمعة المثقفات والناشطات بتهم مختلفة. ومن الطبيعي أن أسير في الشارع فيوقفني شخص ليصرخ بوجهي شاتما حجابي السافر ووجهي المكشوف.
ومن الطبيعي أن تدخل المكتبات فلا تجد كتباً تبحث عنها لأنها ممنوعة بأمر رقابي. ومن الطبيعي ألا تتابع القناة المحلية لأنها لا تحوي شيئاً. ومن الطبيعي أن يصلك خبر دخول أحدهم السجن بتهمة الردة لكلمات كتبها بجريدة ومن الطبيعي أن يهدر دم كاتب أو صحافي لأنه يحكم على الأمور بغير حكم التيار الإسلامي المتطرف. هكذا يصبح وطنك مكانا لتجميع الممنوعات.
وهذا هو عهد المتطرفين الإسلاميين حين يسيطرون، لا حياء. لا مروءة. لا حضارة. فإما أن يسير كل شيء حسب المبتغى أو يكون الحل هو السيف.
قبل يومين كتب الدكتور القدير أيمن الجندي صاحب العمود الجميل (الكثير من الحب)، مقالا عنوانه خطأ فودة بعد مقالة بعنوان صواب فودة. وضمن اخطاء فودة برأي الدكتور الجندي أنه يركز على السواد من التاريخ الإسلامي العظيم. لا أعلم ما العيب في إبراز السواد فحتى الأمم المتحضرة تبرز السواد بتاريخها وحاضرها بل وتركز عليه لتفاديه. إن الاعتناء المفرط بالتاريخ وتفضيله على الحاضر دفع لتقديس البعض واعتبارهم بمنزلة الأنبياء. هناك التابعون وتابعو تابعو التابعين وابن فلان وابن ابن فلان وسلسلة تاريخية لا نهاية لها تحكمنا، في مقابل الثقافة الغربية التي تشرح بنفسها أخطاء الماضي، أقرب مثال السينما هناك وكم الأفلام التي عرضت لإبراز السواد من التاريخ الغربي والمسيحي.
لا أحد يخجل من المجازر التي ارتكبت والمؤامرات الدنيئة التي حيكت ومن دور الكنيسة المظلم في فترات التاريخ الكئيب. تلك شعوب تجاوزت حتى نفسها.
إرث فرج فودة هو ملك للعرب جميعاً، ودمه حق يطالب به كل العرب. دم هؤلاء المفكرين تحول لحق عام لا يخص عائلاتهم وحدها ولا مصر وحدها ولا الرئيس المصري وحده.
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]