الإسلام اهتم بهن منذ بزوغ فجره الأول ونظر لهن نظرة منصفة تقديراًً ورعاية وحماية
«الأرامل» ... نساء يعشن في الخفاء...!






| إعداد عبدالله متولي |
يحتفل العالم بعد ايام باليوم العالمي للأرامل، بعد أن قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2010 الاحتفال بالأرامل في 23 يونيو من كل عام اعترافا وتقديرا ولفت** الأنظار إلى واقع الأرامل وأطفالهن وسعيا لتخفيف المعاناة التي تواجهها الأرملة فور وفاة زوجها وحرصا على تقديم المعونة للنساء ليواجهن الفقر ولكي يتمتعن بحقوقهن الاجتماعية الأساسية.
وترصد المنظمات المعنية بشؤون المرأة والمنظمات الحقوقية العالمية مواجهة الأرامل للعديد من المشاكل في كثير من الدول إذ تعاني حرمانا من الإرث والحقوق العقارية وطقوس حداد ودفن مهينة ومهددة للحياة وأشكالا أخرى من إساءة معاملة الأرملة، إذ يتعرض البعض منهن للطرد من بيوتهن والاعتداء البدني فضلا عن تعرض بعضهن للقتل على يد أفراد أسرهن كما تواجه الأرامل أيضا في البلدان المتقدمة صعوبات بالغة بدءا بفقدان تغطية التأمين وانتهاء بتحملهن مسؤولية رعاية الأطفال، وفي بعض الحالات يمكن أن تصبح الأرامل مسؤولات عن ديون الزوج المتوفى.
وتسعى الأمم المتحدة إلى مساعدة الأرامل من خلال توفير فرص استفادتهن من الرعاية الصحية المناسبة والتعليم والعمل اللائق، والمشاركة الكاملة في صنع القرار وفي الحياة العامة، وكفالة عيشهن بمنأى عن العنف وسوء المعاملة من شأنه أن يتيح لهن فرص بناء حياة آمنة بعد الفجيعة، علاوة على خلق فرص لهن لمساعدتهن على حماية أطفالهن، وتجنب دوامة الفقر والحرمان العابرة للأجيال.
ويعتبر اليوم الدولي للأرامل فرصة للعمل من أجل الحفاظ على حقوق الأرامل والاعتراف بهن بعد أن ظللن لعهد طويل في الخفاء لا يحسب لهن حساب ويقابلن بالتجاهل.
وإذا كانت الأمم المتحدة قد فطنت في الآونة الأخيرة إلى قضية الأرامل والمشكلات التي تحاصرهن بمجرد ترملهن،فإن الدين الإسلامي الحنيف قد اهتم بهذه القضية منذ بزوغ فجره الأول كغيرها من القضايا الإنسانية ونظر للأرملة نظرة منصفة، وبين أن لها حقوقا تستحقها بعد حصول الترمل، ولا يجوز لأحد من الناس أن يبخسها شيئا من حقوقها، فلها الحق في أن تتزوج بعد انتهاء عدتها إذا رضيت، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فلم يتزوج بكرا إلا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهذا إن دل فإنما يدل على تقدير الاسلام للأرامل ورعايته لهن، ولو أننا طبقنا شرع الله والتزمنا بتعاليم دينه الحنيف، وهدي نبيه الكريم، ما ظهرت في مجتمعاتنا مثل هذه المشكلات، ولا انتظرنا قرونا حتى تقرر الأمم المتحدة أن يكون للأرامل يوما عالميا من كل عام لبحث مشكلاتهن ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها..!!
وفي السطور التالية بيان لنظرة الإسلام لقضية الأرامل وكيفية تعامله معها، وبعض الاحصاءات والأرقام لعدد الارامل في بعض دول العالم، وعرض لنموذج صارخ لهذه القضية وهو قرية الأرامل في أفغانستان.. فتابع معنا..
معلومات وحقائق
انتهاك الحقوق
وضع الأرامل وضع خفي فعلاً، إذ تُغَيبُهُن الإحصاءات ويُغفلهن الباحثون وتُهملهن السلطات الوطنية وتتغاضى عن معظمهن منظمات المجتمع المدني.
بيد أن إساءة معاملة الأرامل وأطفالهن تشكل انتهاكاً من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وعقبة من العقبات كأداة التي تعترض سبيل التنمية في الوقت الراهن. فملايين الأرامل في العالم يعانين من الفقر المدقع والنبذ والعنف والتشرد والاعتلال والتمييز بحكم القانون والعرف. وإقراراً بالوضع الخاص للأرامل من كل الأعمار والمناطق والثقافات، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 يونيو 2011 أول يوم دولي للأرامل.
مشاكل خفية
عندما تترمل المرأة، فإنها كثيراً ما تواجه في العديد من البلدان حرماناً من الإرث والحقوق العقارية، وطقوس حداد ودفن مهينة ومهددة للحياة وأشكالاً أخرى من إساءة معاملة الأرملة. وكثيراً ما تطرد الأرامل من بيوتهن ويتعرضن للاعتداء البدني - بل إن بعضهن يتعرض للقتل - على يد أفراد أسرهن. وفي بلدان عديدة، يرتبط مركز المرأة الاجتماعي ارتباطاً لا ينفصم بمركز زوجها، حيث انه عندما يتوفى زوجها، تفقد مكانتها في المجتمع. ولكي تستعيد الأرملة مركزها الاجتماعي، يتوقع منها أن تتزوج أحد أقارب زوجها، كرهاً في بعض الأحيان. وبالنسبة للعديد من الأرامل، لا يكون فقدان الزوج سوى الصدمة الأولى في محنتها الطويلة الأمد.
وفي بلدان عديدة، يكون الترمل وصمة، إذ ينظر إليه على أنه مصدر للعار. وفي بعض الثقافات، يعتقد أن اللعنة تحيق بالأرامل، بل ويوصمن بالسحر. ويمكن أن تؤدي هذه المفاهيم الخاطئة إلى نبذ الأرامل وإساءة معاملتهن وقد تفضي إلى ما هو أدهى من ذلك. وعلى سبيل المثال، خلص بحث قامت به الرابطة الدولية لمساعدة المسنين (HelpAge International) إلى أن مئات المسنات في تنزانيا - ومعظمهن من الأرامل - يُقتلن لاتهامهن بالسحر . وكثيراً ما يتأثر أبناء الأرامل، عاطفياً واقتصادياً على حد سواء. وتضطر الأمهات الأرامل، اللواتي يعلن أسرهن لوحدهن، إلى سحب الأطفال من المدرسة والاعتماد على عمالتهم في كسب قوت يومهن. وعلاوة على ذلك، قد تعاني بنات الأرامل من أشكال متعددة من الحرمان، ما يزيد من احتمال تعرضهن لسوء المعاملة. وغالباً ما تعتبر تلك القسوة مبررة في الممارسة الثقافية أو الدينية. فالإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الأرامل متفش، وقلما يفلح مسعى تقديم الجناة إلى العدالة. وحتى في البلدان التي تكون فيها الحماية القانونية أكثر شمولاً، يمكن أن تعاني الأرامل من التهميش الاجتماعي.
الفقر والعدم
في مجموعة واسعة من البلدان والأديان والمجموعات العرقية، تصبح المرأة معدمة بوفاة زوجها. ويتفاقم فقرها بقلة فرص الاستفادة من القروض أو من الموارد الاقتصادية الأخرى أو انعدامها، كما يستفحل فقرها بالأمية أو قلة التعليم. فمن دون التعليم والتدريب، لا يمكن للأرامل أن يُعِلنَ أنفسهن أو أسرهن. ولا يكون للعديد من الأرامل في المجتمعات التقليدية حق في الإرث أو الملكية العقارية بموجب القانون العرفي والديني، أو تكون حقوقهن محدودة للغاية. ومن دون حقوق الإرث، بما في ذلك انعدام الحق في ممتلكات أسرة المولد، تجد الأرامل أنفسهن في وضع غير آمن مالياً ويعتمدن اعتماداً كلياً على إحسان أقارب أزواجهن. ففي الهند، حيث يشكل الترمل مؤسسة اجتماعية وضيعة وحالة متدنية من الأحوال الشخصية، يتنكر الأقارب لآلاف الأرامل فيصبحن بلا مأوى، ما يجبر العديد من النساء على البحث عن عمل غير نظامي كخادمات بيوت أو اللجوء إلى التسول أو البغاء. وقد تواجه الأرامل أيضاً في البلدان المتقدمة النمو صعوبات بالغة، بدءًا بفقدان تغطية التأمين مروراً بصعوبة الحصول على القروض وانتهاءً بتحملهن لوحدهن مسؤولية رعاية الأطفال. وفي بعض الحالات، يمكن أن تصبح الأرامل مسؤولات عن ديون الزوج المتوفى.
العنف الموجه
يعد العنف الموجه ضد المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً، إذ يمس النساء من كافة الشرائح والأعمار والثقافات والبلدان. ولا تشكل الأرامل استثناءً، بل إنهن في الواقع أكثر عرضة لخطر العنف.
وفي العديد من البلدان، ولا سيما في أفريقيا وآسيا، تجد الأرامل أنفسهن ضحايا للعنف المادي والمعنوي- بما في ذلك الاعتداء الجنسي - المتصل بمنازعات الإرث والعقار والممتلكات. فالأرملة المحرومة من حقوق ملكية أموال زوجها، قد تكون عرضة لسوء المعاملة وتطرد من بيتها نهائياً. وفي أفريقيا، تتخطى إساءة معاملة الأرامل كافة الفوارق الإثنية والطبقية وفوارق الدخل، ما يجعل الأرامل أشد ضعفاً وفاقة في المنطقة.
وتجبر الأرامل على المشاركة في الممارسات التقليدية الضارة والمهينة بل والمهددة للحياة في إطار طقوس الدفن والحداد. ففي عدد من البلدان، تجبر الأرامل، مثلاً، على شرب المياه التي غُسلت بها جثث أزواجهن. وقد تنطوي طقوس الحداد أيضاً على إقامة علاقات جنسية مع الأقارب وحلق الشعر والتخديش.
الآثار صحية
يمكن أن تتأثر الصحة البدنية والعقلية للأرامل بسوء التغذية والمأوى غير اللائق والتعرض للعنف، إلى جانب انعدام فرص الاستفادة من الرعاية الصحية. وقد لا تلبى احتياجات الصحة الإنجابية والجنسية للأرامل، إضافة إلى أن الأرامل كثيرا ما يَكُنَّ ضحايا للاغتصاب.
والأرامل قليلات المناعة لاسيما في سياق فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز. وقد لا تكون المرأة على علم بأن وفاة زوجها مرتبطة بالإيدز فتخضع لطقوس التطهير عن طريق الاتصال الجنسي بالأقارب في تجاهل لحالة فيروس نقص المناعة البشرية. كما أن انعدام الأمن الاقتصادي الناجم عن الترمل يدفع بعض النساء والفتيات إلى الاشتغال بالجنس.
النزاع المسلح
ثمة أعداد غفيرة من النساء اللواتي ترملن بسبب النزاع المسلح. ففي بعض بقاع شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية، على سبيل المثال، أفادت التقارير بأن حوالي 50 في المئة من النساء هن أرامل، في حين ثمة ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين أرملة في العراق وأكثر من 000 70 أرملة في كابول، أفغانستان. وإن لم تكن هناك إحصاءات تبين عدد الأرامل في سورية نتيجة الحرب الدائرة هناك والتي دخلت عامها الثالث ، فإن الأمر مرشح للزيادة ، ما ينبئ بوقوع كارثة محققة بعد انتهاء الحرب .
وتسعى الأرامل جاهدات إلى رعاية أنفسهن وأطفالهن في بلدانهن، أو في مخيمات اللاجئين أو بلدان اللجوء. وفي عدة حالات لاحقة لانتهاء النزاع، تعتمد أعداد كبيرة من الأطفال على أمهاتهم الأرامل، معيلاتهم الوحيدات، اللواتي كثيراً ما يكن شابات، وأحياناً طفلات هن أنفسهن. كما تؤول رعاية الأحفاد اليتامى والمرضى إلى الجدات الأرامل.
وقبل أن يصبحن أرامل أثناء نزاع مسلح، يشهد العديد من النساء ما يلاقيه أزواجهن من تعذيب أو تشويه أو غيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية. وقد تتعرض الأرامل أنفسهن للعنف المتصل بالنزاعات - بما في ذلك العنف الجنسي كأسلوب من أساليب الحرب - إذ أفادت التقارير بحدوث عنف موجه ضد المرأة أثناء النزاعات المسلحة أو بعدها في جميع مناطق الحرب الدولية أو غير الدولية. وقد أصيب العديد من الأرامل بفيروس نقص المناعة البشرية خلال نزاع مسلح، وذلك بعد أن تعرضن للاغتصاب والتشويه.
وتكون الأرامل في البلدان الخارجة من النزاع عرضة لاستمرار سوء المعاملة وغالباً ما يتعرضن للمزيد من العنف والتمييز في فترة ما بعد انتهاء النزاع. ويمكن أن يترتب على إساءة معاملة الأرامل أثر سلبي على الاستثمار في السلام والأمن، يغذي حلقة الفقر، ويؤجج القلاقل وانعدام الأمن، ما يشكل في نهاية المطاف تحدياً للديموقراطية والأمن المستدام.
الأرملة امرأة قُدِّر لها أن تفقِد زوْجَها وعائِلها في مرحلة من مراحل حياتها، وهذا أمر طارئٌ لا يمنَعُها من مُمارسة حقِّها في الحياة الكريمة، فموْت الزَّوج ليس معناه نِهاية الحياة بالنِّسبة للزَّوجة، وليس معناه أن تعيش هذه الأرْملة بقيَّة حياتِها في أغلال وقيود هذا اللقب الجديد، الذي تحمله كأرملة.
فالواقع المعاش يؤكِّد أنَّ المرأة في أغْلب الأحيان، عندما يموت زوجها، تَجد نفسَها وحيدةً أمام مأساتِها ومسؤوليَّاتِها الجديدة، وبالإضافة إلى هذه المعاناة تبدأُ معاناة من نوع آخر، معاناتها من نظرة المجتمع لها لكونِها بلا زوج، فيحسبون عليْها حركاتِها وسكناتها.
والترمل سنة من سنن الله تعالى التي كتبها على بعض خلقه؛ رجالا ونساء، ففقد شريك العمر نوع من ابتلاء الله تعالى للخلق، غير أن هذا لا يعني توقف قطار الحياة، بل لا بد أن يؤخذ في إطار السنن الاجتماعية لله تعالى في كونه، وأن «الترمل» ليس وحده من السنن الاستثنائية في حياة الناس. وتختلف نظرة المجتمع تجاه الأرملة باختلاف أفكار المجموعة البشرية؛ شرقا وغربا، والتي تتحدد من خلال عدد من العوامل الاجتماعية والنفسية والدينية، ما يعني أن المشكلات التي تقابلها يجب أن تخضع للاحتياجات النفسية، ولقوانين الله تعالى في كونه، وهو ما يعرف بالنظرة الاجتماعية المبنية على الفطرة، كما أنها يجب أن تكون منبثقة من نظرة الشرع الحكيم لتلك الطائفة من المجتمع، لا أن تكون خاضعة للعوائد والأعراف الزائفة التي لا تراعي حقوق المرأة الأرملة، وتصب عليها أحيانا جام غضبها بدعاوى هامشية تضر ولا تنفع، وتنذر بالخطر والشرر إن لم تقاوم بإثبات حق الأرملة في الحياة كبقية النساء.
عطف... طمع... ازدراء
ومن أهم الإشكاليات التي تقابل الأرملة في حياتها: الإعالة والكفالة، فمن الذي ينفق على امرأة مات زوجها، وخاصة أن معظم الأرامل يلجأن إلى النزول في سوق العمل؛ ليجدن لقمة العيش لهن ولأبنائهن.
وثانيها: الحاجة إلى الأنس والسكن، مع رفيق للحياة بعد موت الرفيق، ونظرة المجتمع الشرقي إلى الأرملة ذات الولد التي ترغب في الحياة الزوجية مرة أخرى.
وثالثها: طبيعة التعامل الاجتماعي من طوائف المجتمع مع تلك المرأة؛ عطفا أو طمعا، أو ازدراء ونحو ذلك.
أما عن الأمر الأول، وهو حاجة الأرملة إلى الطعام والشراب والإعالة، فنظرة الإسلام تعد من أشمل النظريات التي راعت حق الأرملة في الحياة، فالإسلام يوجب على الوالد إن ترملت ابنته أن يقوم بكفالتها إن لم يكن لزوجها ميراث تركه لها، فإن لم يكن لها والد، كان حقا على إخوتها أن يعينوها في النفقة، فإن لم يكن لها إخوة، أو كان لها إخوة غير قادرين، كان واجبا على ولي الأمر، ممثلا في بيت مال المسلمين، أو «لجان الزكاة» ونحوها، حتى لا تحتاج المرأة المسلمة إلى ما يضطرها للخروج وترك الأولاد، إلا أن يكون عندها سعة، أو كانت ترغب في هذا.
بل كانت نظرة الإسلام أشمل وأبعد، ففي نصوص السنة نجد إشارة إلى قيام المجتمع المدني بتلك الوظيفة، وكأنها إشارة إلى وجوب مراعاة حق الأرملة في الحياة إن تخلى عنها أقاربها، أو تخلت عنها الدولة بمؤسساتها، فليكن المجتمع المدني هو القائم على رعايتها، فقد وردت نصوص عديدة، تحث المسلمين إلى التسابق والتسارع في كفالة الأرملة، فقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثواب كفالة الأرملة أن يكون صاحبها في ظل الله تعالى يوم القيامة، فروي عنه أنه قال: «من كفل يتيما أو أرملة أظله الله في ظله يوم القيامة».
على مشارف الجنة
ويفتح النبي صلى الله عليه وسلم بابا من أبواب الجنة للساعي على الأرملة فيما ورد عن أبي هريرة، قال: قَالَ النَّبِى -صلى الله عليه وسلم-: (السَّاعِى عَلَى الأرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أو كَالَّذِى يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ).
فيقرن النبي صلى الله عليه وسلم الساعي على الأرملة بعملين جليلين، أحدهما: الجهاد في سبيل الله، والآخر: العبادة بأشق أنواعها؛ صياما بالنهار، وقياما بالليل.
ومن دلائل الإعجاز أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم الأرملة بالضعيفة؛ حتى يستثير اهتمام الناس بها؛ كفالة ورعاية لحقها، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في الضعيفين: الأرملة واليتيم».
ثقافة إسلامية
وهكذا نرى أن ثقافة المجتمع المسلم تحض على رعاية الأرامل والمساكين واليتامى، حتى إن أحدهم ليرى أخاه بعد الموت في المنام، ويعرف مكانته عند الله، لما كان يقوم به من رعاية الأرامل، فقد نقل عن البندنيجي أنه قال رأيت صدقة (وهو أحد السلف الصالح) في حالة حسنة فسألته عن حاله فقال: غفر لي بتميرات تصدقت بها على أرملة.
وإن كان هذا ثواب الساعي على الأرملة في شريعة الله، فإن الأرملة الصابرة لا يقل ثوابها عن الساعي عليها، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أنه تأتي امرأة تبادرني فأقول لها مالك ومن أنت فتقول أنا امرأة قعدت على أيتام لي.
الأرامل في الحضارات الأخرى
إن النَّظرة الكريمة للأرملة، والتي أسَّس الإسلام قواعدها، وامتدَّ بعضُها إلى المجتمع العربي قبل الإسلام، تختلِف كلَّ الاختِلاف عن موقف الدِّيانات والحضارات الأُخرى من الأرملة، ولنا أن ننظُر إلى ديانةٍ واحدة على سبيل المثال، وهي الدِّيانة الهندوسيَّة، لنرى كيف تَحيا فيها الأرملة.
ففي المجتمع الهنديِّ الذي ينتمي غالبيَّته إلى الديانة الهندوسيَّة، لا صوتَ للأرامل، حيثُ تفقد الأرملة هويَّتها - وحتَّى حقوقها الأساسيَّة - حين تفقد زوْجَها، وفي بعض الحالات يقوم السكان بإحْراق المرأة وهي حيَّة مع جثَّة زوجِها عند وفاته، وهي العادة التي وصفَها البعضُ بـ «حياة الساتي»، في إشارة إلى عادة حرْق الأرملة مع زوجِها المتوفَّى، وهي ممارسة تمَّ حظرُها حاليًّا. وتُواجِه الأرامل الهندوسيَّات مجموعةً من المحرَّمات الاجتماعيَّة، فعندما يَموت الرَّجُل، يُتوقَّع من أرملته أن تُقلع عن جميع المتع الدنيويَّة، ولا يحق لها الزَّواج، ويقوم أقارب آلاف الأرامل بالتخلُّص منهنَّ، ونفيهنَّ إلى بلدات هندوسيَّة متزمِّتة.
ونتيجةً لهذه المعتقدات الخاطِئة الخاصَّة بالأرامل، تُعاني أكثر من 33 مليون أرْملة هنديَّة من الفقْر والجوع والعوَز، كما يُعانين الوحْدة أيضًا، بِسبب المعتقدات الدينيَّة المتخلِّفة التي تُسيْطِر على عقولهم، حيث لا تُجيز الديانة الهندوسيَّة للأرملة الزَّواج مرَّة أخرى، ما يُجْبِرهنَّ على العيش وحدَهُنَّ وسط الفقْر والعوز، وتعيش معظم الأرامل على المساعدات، وبعضُهُنَّ يلجأْن إلى التسوُّل.
فشتَّان بين رحْمة الإسلام بالأرملة، وما تناله في ظلِّ شريعتِه وهدْيِه من رعاية وتكريم، وبين موقف الدِّيانات والحضارات الأُخْرى من الأرامل، والذي يقوم على الإجحاف بها وإهدار كل حقوقِها بمجرَّد ترمُّلها!
الزواج من الأرامل والمطلقات
إن الإسلام، ذلك الدين العظيم الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، هو رسالة هداية ورحمة للعالم كله. وفي ظل تطبيق أنظمة الإسلام وأحكامه لم تكن المطلقة والأرملة تعاني، ولم يكن الترمل والطلاق يشكل مشكلة في المجتمع الإسلامي مطلقا، بل كانت الأرملة ومثلها المطلقة تقبل على الزواج بعد انتهاء عدتها من زوجها المتوفى، أو بعد انتهاء عدة طلاقها. وكانت نظرة المجتمع لهما نظرة عادية جدا كغيرهما من النساء، ولم يكن وجود أولاد عندهما يشكل عائقا أمام زواجهما. وعليه فالقاعدة في المجتمع الإسلامي، أنه عندما تكثر الأرامل كما في حالات الجهاد في سبيل الله مثلا، أن يسارع الرجال للزواج منهن، وهو الأمر الذي فعله الصحابة والتابعون، رضي الله عنهم، بحيث أصبح الزواج من الأرامل عرفا محببا في المجتمع الإسلامي.
واليوم في المجتمعات الراهنة التي يعيش فيها المسلمون، في ظل غياب تطبيق أنظمة الإسلام عنها، انقلبت الأمور رأسا على عقب، وأصبحت الأرملة تعاني، والمطلقة تعاني، والبكر تعاني، والكل يعاني من مشاكل شتى كما هو مشاهد ومحسوس في بلاد المسلمين. فتطبيق الإسلام رحمة للمسلمين، كما هو رحمة للعالمين.
وفي غياب تطبيق الإسلام والعيش الطبيعي في ظله نشأت عادات بالية وتقاليد مستهجنة كثيرة في بعض أوساط المسلمين، مثل انتشار فكرة عدم تحبيذ الزواج من المطلقة والأرملة، ومنها منع الأرملة من الزواج ثانية واعتبارها ملكية خاصة لأهل زوجها يتحكمون بها كما يشاؤون، فيتدخل أبو الفقيد واخوته وأقاربه، تحت حجج واهية لا يقرها الإسلام ولا يقرها العقل السليم، لمنعها من مواصلة حياتها في كنف زوج آخر تجد عنده المودة والرحمة والكفالة المادية والمعنوية.
نموذج صارخ
وسط الحروب الطاحنة التي لا تبقي على أخضر أو يابس في أفغانستان، لم تجد بعض أرامل أفغانستان أمامهن سوى إنشاء قرية خاصة بهن فوق التلال، عساهن يجدن فيها الراحة والطمأنينة والسكون. على تل «تابايا زاناباد» كما يطلق عليه، تجد مجتمعا من الأرامل اللاتي ذقن مرارة الحروب مع أزواجهن، ولاقين الكثير من الصعوبات في توفير مسكن يأويهن، يعشن وسط كهوف متناثرة، وحصون قديمة، ودبابات صدئة، وأضرحة ملوك تاريخيين. على مدار العقد الماضي، قامت أرامل الحروب في أفغانستان ببناء أكواخ الطين بأيديهن على هذا التل لشرقي العاصمة الأفغانية كابل. وما ألجأهن إلى هذه الأكواخ التي تشبه القبور إلا شظف العيش، ووطأة الفقر، فضلا عن أنهن لن يجبرن على دفع مقابل لهذه الأرض، حيث تقوم الشرطة بفرض غرامة أو الحكم بالسجن على من يستولي أو يبني بيتا على الأراضي التابعة للحكومة، لذلك رأت الأرامل أن يغامرن ويخضن التجربة بذكائهن، فحضر المئات منهن إلى التل تباعا حتى تجاوز عددهن ألف أرملة، حسب ما قاله أحد عمال الإغاثة.
جدير بالذكر أن أفغانستان تعاني ويلات الحروب المتواصلة لأكثر من ثلاث عقود، ما أفرز هذا العدد الضخم من الأرامل. ورغم عدد وجود إحصائيات دقيقة، إلا أن العدد الإجمالي لهن يتراوح بين مئات الآلاف إلى 2 مليون، وبحسب تقدير الأمم المتحدة فإن نصف الأطفال في كابل يعيشون مع أمهاتهم فحسب بعد فقدان الآباء.
ما من شك أن الأرملة الأفغانية التي لا تجد من يعولها بعد موت زوجها، تصبح الخيارات أمامها نادرة وشحيحة، في ظل عدم توفير الحكومة أو حتى الجهات المانحة شبكة أمان لهؤلاء الأرامل، اللاتي انقطع دخلهن بوفاة أرباب أسرتهن.
ونظرا لأن المجتمع يحظر على الأرامل الاختلاط والعمل خارج البيت، فقد وجدت تلك الأرامل في قريتهن الجديدة مناخا ملائما للعمل وتبادل المنافع والخدمات، رغم أن السكن الجديد لم يقدم لهن الكثير، حيث لا يزلن يعانين الفقر، إلا أنهن يعشن جوا مفعما بالأخوة في المجتمع الجديد. وهذا ما تؤكده أنيسة إحدى الأرامل المسنات «لم يكن لدى السيدات شيء حين قدمن إلى هنا، ولكننا فور وصولنا قمنا بالتعرف على بعضنا البعض وصرنا نشعر أننا أخوات».
الجدير بالذكر، أن هذا المجتمع من الأرامل يعقد اجتماعات من وقت لآخر، حيث تتعاون النساء ولو بشكل غير رسمي، ومع ذلك، فإن هذا التل لا يقدم إلا القليل من الأمان، حيث توجد محاولات مستميتة من قبل السلطات للحد من بناء المساكن غير القانونية، في حين أن الحكومة لا توفر للأرامل سوى مساعدة هزيلة لا تذكر.
إحصاءات
تشير احصاءات المنظمات العالمية أنه يوجد ما لا يقل عن 245 مليون أرملة في جميع أنحاء العالم يعيش ما يقرب من نصفهن في فقر مدقع.
ووفقا لآخر احصائية فإن أكبر عدد من الأرامل يوجد في الصين بحوالي 43 مليون أرملة، تليها الهند 42 مليون أرملة، الولايات المتحدة الأميركية بـ15 مليون أرملة، إند ونسيا 9 ملايين،اليابان 5.7 مليون ، روسيا 7 ملايين، البرازيل 5.6 مليون، ألمانيا 5 ملايين أرملة. وبنغلاديش وفيتنام بحوالي 7.4 مليون أرملة لكل منهما. وتضم أفغانستان إحدى أعلى النسب من الأرامل في العالم مقارنة بمجموع سكانها وذلك بسبب النزاعات المسلحة التي مزقت البلاد خلال أكثر من عقدين من الزمن، إذ يبلغ عدد سكان أفغانستان 6.26 مليون نسمة بينما يصل عدد الأرامل فيها إلى حوالي 5.1 مليون أرملة، ويعيش ما بين 50 ألفا إلى 70 ألف أرملة في كابول وحدها.
وتشير اخر الاحصاءات نقلا عن مسؤولين عراقيين ومنظمات مدنية أن ما بين 90 الى 100 امرأة عراقية تترمل كل يوم نتيجة اعمال القتل والعنف الطائفي والجريمة المنظمة في العراق، ويقول مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية من جنيف، ان هذه الارقام قد تكون أقل مما هي في الواقع إذا اخذنا بنظر الاعتبار جرائم القتل الخفية التي يتعذر تسجيلها.
وتشير سجلات وزارة شؤون المرأة في العراق أن هناك 300 الف أرملة في بغداد وحدها إلى جانب 8 ملايين أرملة في مختلف انحاء العراق حسب السجلات الرسمية أي بنسبة 35 في المئة من عدد سكان العراق، وأنها تشكل نسبة 65 في المئة من عدد نساء العراق، وقد تشكل نسبة 80 في المئة من النساء المتزوجات بين سن العشرين والاربعين.
وتؤكد التقارير أن عدد الأرامل يتزايد في العراق بسبب الحروب التي خاضها البلد والتي بدأت بالحرب مع إيران ثم حرب الكويت ثم أحداث العنف التي شهدتها البلاد في ظل الاحتلال والتفجيرات اليومية.
وتسعى الأمم المتحدة إلى مساعدة الأرامل من خلال توفير فرص استفادتهن من الرعاية الصحية المناسبة والتعليم والعمل اللائق، والمشاركة الكاملة في صنع القرار وفي الحياة العامة، وكفالة عيشهن بمنأى عن العنف وسوء المعاملة من شأنه أن يتيح لهن فرص بناء حياة آمنة بعد الفجيعة، علاوة على خلق فرص لهن لمساعدتهن على حماية أطفالهن، وتجنب دوامة الفقر والحرمان العابرة للأجيال. ويعتبر اليوم الدولي للأرامل فرصة للعمل من أجل الحفاظ على حقوق الأرامل والاعتراف بهن بعد أن ظللن لعهد طويل في الخفاء لا يحسب لهن حساب ويقابلن بالتجاهل.
يحتفل العالم بعد ايام باليوم العالمي للأرامل، بعد أن قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2010 الاحتفال بالأرامل في 23 يونيو من كل عام اعترافا وتقديرا ولفت** الأنظار إلى واقع الأرامل وأطفالهن وسعيا لتخفيف المعاناة التي تواجهها الأرملة فور وفاة زوجها وحرصا على تقديم المعونة للنساء ليواجهن الفقر ولكي يتمتعن بحقوقهن الاجتماعية الأساسية.
وترصد المنظمات المعنية بشؤون المرأة والمنظمات الحقوقية العالمية مواجهة الأرامل للعديد من المشاكل في كثير من الدول إذ تعاني حرمانا من الإرث والحقوق العقارية وطقوس حداد ودفن مهينة ومهددة للحياة وأشكالا أخرى من إساءة معاملة الأرملة، إذ يتعرض البعض منهن للطرد من بيوتهن والاعتداء البدني فضلا عن تعرض بعضهن للقتل على يد أفراد أسرهن كما تواجه الأرامل أيضا في البلدان المتقدمة صعوبات بالغة بدءا بفقدان تغطية التأمين وانتهاء بتحملهن مسؤولية رعاية الأطفال، وفي بعض الحالات يمكن أن تصبح الأرامل مسؤولات عن ديون الزوج المتوفى.
وتسعى الأمم المتحدة إلى مساعدة الأرامل من خلال توفير فرص استفادتهن من الرعاية الصحية المناسبة والتعليم والعمل اللائق، والمشاركة الكاملة في صنع القرار وفي الحياة العامة، وكفالة عيشهن بمنأى عن العنف وسوء المعاملة من شأنه أن يتيح لهن فرص بناء حياة آمنة بعد الفجيعة، علاوة على خلق فرص لهن لمساعدتهن على حماية أطفالهن، وتجنب دوامة الفقر والحرمان العابرة للأجيال.
ويعتبر اليوم الدولي للأرامل فرصة للعمل من أجل الحفاظ على حقوق الأرامل والاعتراف بهن بعد أن ظللن لعهد طويل في الخفاء لا يحسب لهن حساب ويقابلن بالتجاهل.
وإذا كانت الأمم المتحدة قد فطنت في الآونة الأخيرة إلى قضية الأرامل والمشكلات التي تحاصرهن بمجرد ترملهن،فإن الدين الإسلامي الحنيف قد اهتم بهذه القضية منذ بزوغ فجره الأول كغيرها من القضايا الإنسانية ونظر للأرملة نظرة منصفة، وبين أن لها حقوقا تستحقها بعد حصول الترمل، ولا يجوز لأحد من الناس أن يبخسها شيئا من حقوقها، فلها الحق في أن تتزوج بعد انتهاء عدتها إذا رضيت، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فلم يتزوج بكرا إلا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهذا إن دل فإنما يدل على تقدير الاسلام للأرامل ورعايته لهن، ولو أننا طبقنا شرع الله والتزمنا بتعاليم دينه الحنيف، وهدي نبيه الكريم، ما ظهرت في مجتمعاتنا مثل هذه المشكلات، ولا انتظرنا قرونا حتى تقرر الأمم المتحدة أن يكون للأرامل يوما عالميا من كل عام لبحث مشكلاتهن ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها..!!
وفي السطور التالية بيان لنظرة الإسلام لقضية الأرامل وكيفية تعامله معها، وبعض الاحصاءات والأرقام لعدد الارامل في بعض دول العالم، وعرض لنموذج صارخ لهذه القضية وهو قرية الأرامل في أفغانستان.. فتابع معنا..
معلومات وحقائق
انتهاك الحقوق
وضع الأرامل وضع خفي فعلاً، إذ تُغَيبُهُن الإحصاءات ويُغفلهن الباحثون وتُهملهن السلطات الوطنية وتتغاضى عن معظمهن منظمات المجتمع المدني.
بيد أن إساءة معاملة الأرامل وأطفالهن تشكل انتهاكاً من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان وعقبة من العقبات كأداة التي تعترض سبيل التنمية في الوقت الراهن. فملايين الأرامل في العالم يعانين من الفقر المدقع والنبذ والعنف والتشرد والاعتلال والتمييز بحكم القانون والعرف. وإقراراً بالوضع الخاص للأرامل من كل الأعمار والمناطق والثقافات، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 يونيو 2011 أول يوم دولي للأرامل.
مشاكل خفية
عندما تترمل المرأة، فإنها كثيراً ما تواجه في العديد من البلدان حرماناً من الإرث والحقوق العقارية، وطقوس حداد ودفن مهينة ومهددة للحياة وأشكالاً أخرى من إساءة معاملة الأرملة. وكثيراً ما تطرد الأرامل من بيوتهن ويتعرضن للاعتداء البدني - بل إن بعضهن يتعرض للقتل - على يد أفراد أسرهن. وفي بلدان عديدة، يرتبط مركز المرأة الاجتماعي ارتباطاً لا ينفصم بمركز زوجها، حيث انه عندما يتوفى زوجها، تفقد مكانتها في المجتمع. ولكي تستعيد الأرملة مركزها الاجتماعي، يتوقع منها أن تتزوج أحد أقارب زوجها، كرهاً في بعض الأحيان. وبالنسبة للعديد من الأرامل، لا يكون فقدان الزوج سوى الصدمة الأولى في محنتها الطويلة الأمد.
وفي بلدان عديدة، يكون الترمل وصمة، إذ ينظر إليه على أنه مصدر للعار. وفي بعض الثقافات، يعتقد أن اللعنة تحيق بالأرامل، بل ويوصمن بالسحر. ويمكن أن تؤدي هذه المفاهيم الخاطئة إلى نبذ الأرامل وإساءة معاملتهن وقد تفضي إلى ما هو أدهى من ذلك. وعلى سبيل المثال، خلص بحث قامت به الرابطة الدولية لمساعدة المسنين (HelpAge International) إلى أن مئات المسنات في تنزانيا - ومعظمهن من الأرامل - يُقتلن لاتهامهن بالسحر . وكثيراً ما يتأثر أبناء الأرامل، عاطفياً واقتصادياً على حد سواء. وتضطر الأمهات الأرامل، اللواتي يعلن أسرهن لوحدهن، إلى سحب الأطفال من المدرسة والاعتماد على عمالتهم في كسب قوت يومهن. وعلاوة على ذلك، قد تعاني بنات الأرامل من أشكال متعددة من الحرمان، ما يزيد من احتمال تعرضهن لسوء المعاملة. وغالباً ما تعتبر تلك القسوة مبررة في الممارسة الثقافية أو الدينية. فالإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الأرامل متفش، وقلما يفلح مسعى تقديم الجناة إلى العدالة. وحتى في البلدان التي تكون فيها الحماية القانونية أكثر شمولاً، يمكن أن تعاني الأرامل من التهميش الاجتماعي.
الفقر والعدم
في مجموعة واسعة من البلدان والأديان والمجموعات العرقية، تصبح المرأة معدمة بوفاة زوجها. ويتفاقم فقرها بقلة فرص الاستفادة من القروض أو من الموارد الاقتصادية الأخرى أو انعدامها، كما يستفحل فقرها بالأمية أو قلة التعليم. فمن دون التعليم والتدريب، لا يمكن للأرامل أن يُعِلنَ أنفسهن أو أسرهن. ولا يكون للعديد من الأرامل في المجتمعات التقليدية حق في الإرث أو الملكية العقارية بموجب القانون العرفي والديني، أو تكون حقوقهن محدودة للغاية. ومن دون حقوق الإرث، بما في ذلك انعدام الحق في ممتلكات أسرة المولد، تجد الأرامل أنفسهن في وضع غير آمن مالياً ويعتمدن اعتماداً كلياً على إحسان أقارب أزواجهن. ففي الهند، حيث يشكل الترمل مؤسسة اجتماعية وضيعة وحالة متدنية من الأحوال الشخصية، يتنكر الأقارب لآلاف الأرامل فيصبحن بلا مأوى، ما يجبر العديد من النساء على البحث عن عمل غير نظامي كخادمات بيوت أو اللجوء إلى التسول أو البغاء. وقد تواجه الأرامل أيضاً في البلدان المتقدمة النمو صعوبات بالغة، بدءًا بفقدان تغطية التأمين مروراً بصعوبة الحصول على القروض وانتهاءً بتحملهن لوحدهن مسؤولية رعاية الأطفال. وفي بعض الحالات، يمكن أن تصبح الأرامل مسؤولات عن ديون الزوج المتوفى.
العنف الموجه
يعد العنف الموجه ضد المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً، إذ يمس النساء من كافة الشرائح والأعمار والثقافات والبلدان. ولا تشكل الأرامل استثناءً، بل إنهن في الواقع أكثر عرضة لخطر العنف.
وفي العديد من البلدان، ولا سيما في أفريقيا وآسيا، تجد الأرامل أنفسهن ضحايا للعنف المادي والمعنوي- بما في ذلك الاعتداء الجنسي - المتصل بمنازعات الإرث والعقار والممتلكات. فالأرملة المحرومة من حقوق ملكية أموال زوجها، قد تكون عرضة لسوء المعاملة وتطرد من بيتها نهائياً. وفي أفريقيا، تتخطى إساءة معاملة الأرامل كافة الفوارق الإثنية والطبقية وفوارق الدخل، ما يجعل الأرامل أشد ضعفاً وفاقة في المنطقة.
وتجبر الأرامل على المشاركة في الممارسات التقليدية الضارة والمهينة بل والمهددة للحياة في إطار طقوس الدفن والحداد. ففي عدد من البلدان، تجبر الأرامل، مثلاً، على شرب المياه التي غُسلت بها جثث أزواجهن. وقد تنطوي طقوس الحداد أيضاً على إقامة علاقات جنسية مع الأقارب وحلق الشعر والتخديش.
الآثار صحية
يمكن أن تتأثر الصحة البدنية والعقلية للأرامل بسوء التغذية والمأوى غير اللائق والتعرض للعنف، إلى جانب انعدام فرص الاستفادة من الرعاية الصحية. وقد لا تلبى احتياجات الصحة الإنجابية والجنسية للأرامل، إضافة إلى أن الأرامل كثيرا ما يَكُنَّ ضحايا للاغتصاب.
والأرامل قليلات المناعة لاسيما في سياق فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز. وقد لا تكون المرأة على علم بأن وفاة زوجها مرتبطة بالإيدز فتخضع لطقوس التطهير عن طريق الاتصال الجنسي بالأقارب في تجاهل لحالة فيروس نقص المناعة البشرية. كما أن انعدام الأمن الاقتصادي الناجم عن الترمل يدفع بعض النساء والفتيات إلى الاشتغال بالجنس.
النزاع المسلح
ثمة أعداد غفيرة من النساء اللواتي ترملن بسبب النزاع المسلح. ففي بعض بقاع شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية، على سبيل المثال، أفادت التقارير بأن حوالي 50 في المئة من النساء هن أرامل، في حين ثمة ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين أرملة في العراق وأكثر من 000 70 أرملة في كابول، أفغانستان. وإن لم تكن هناك إحصاءات تبين عدد الأرامل في سورية نتيجة الحرب الدائرة هناك والتي دخلت عامها الثالث ، فإن الأمر مرشح للزيادة ، ما ينبئ بوقوع كارثة محققة بعد انتهاء الحرب .
وتسعى الأرامل جاهدات إلى رعاية أنفسهن وأطفالهن في بلدانهن، أو في مخيمات اللاجئين أو بلدان اللجوء. وفي عدة حالات لاحقة لانتهاء النزاع، تعتمد أعداد كبيرة من الأطفال على أمهاتهم الأرامل، معيلاتهم الوحيدات، اللواتي كثيراً ما يكن شابات، وأحياناً طفلات هن أنفسهن. كما تؤول رعاية الأحفاد اليتامى والمرضى إلى الجدات الأرامل.
وقبل أن يصبحن أرامل أثناء نزاع مسلح، يشهد العديد من النساء ما يلاقيه أزواجهن من تعذيب أو تشويه أو غيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية. وقد تتعرض الأرامل أنفسهن للعنف المتصل بالنزاعات - بما في ذلك العنف الجنسي كأسلوب من أساليب الحرب - إذ أفادت التقارير بحدوث عنف موجه ضد المرأة أثناء النزاعات المسلحة أو بعدها في جميع مناطق الحرب الدولية أو غير الدولية. وقد أصيب العديد من الأرامل بفيروس نقص المناعة البشرية خلال نزاع مسلح، وذلك بعد أن تعرضن للاغتصاب والتشويه.
وتكون الأرامل في البلدان الخارجة من النزاع عرضة لاستمرار سوء المعاملة وغالباً ما يتعرضن للمزيد من العنف والتمييز في فترة ما بعد انتهاء النزاع. ويمكن أن يترتب على إساءة معاملة الأرامل أثر سلبي على الاستثمار في السلام والأمن، يغذي حلقة الفقر، ويؤجج القلاقل وانعدام الأمن، ما يشكل في نهاية المطاف تحدياً للديموقراطية والأمن المستدام.
الأرملة امرأة قُدِّر لها أن تفقِد زوْجَها وعائِلها في مرحلة من مراحل حياتها، وهذا أمر طارئٌ لا يمنَعُها من مُمارسة حقِّها في الحياة الكريمة، فموْت الزَّوج ليس معناه نِهاية الحياة بالنِّسبة للزَّوجة، وليس معناه أن تعيش هذه الأرْملة بقيَّة حياتِها في أغلال وقيود هذا اللقب الجديد، الذي تحمله كأرملة.
فالواقع المعاش يؤكِّد أنَّ المرأة في أغْلب الأحيان، عندما يموت زوجها، تَجد نفسَها وحيدةً أمام مأساتِها ومسؤوليَّاتِها الجديدة، وبالإضافة إلى هذه المعاناة تبدأُ معاناة من نوع آخر، معاناتها من نظرة المجتمع لها لكونِها بلا زوج، فيحسبون عليْها حركاتِها وسكناتها.
والترمل سنة من سنن الله تعالى التي كتبها على بعض خلقه؛ رجالا ونساء، ففقد شريك العمر نوع من ابتلاء الله تعالى للخلق، غير أن هذا لا يعني توقف قطار الحياة، بل لا بد أن يؤخذ في إطار السنن الاجتماعية لله تعالى في كونه، وأن «الترمل» ليس وحده من السنن الاستثنائية في حياة الناس. وتختلف نظرة المجتمع تجاه الأرملة باختلاف أفكار المجموعة البشرية؛ شرقا وغربا، والتي تتحدد من خلال عدد من العوامل الاجتماعية والنفسية والدينية، ما يعني أن المشكلات التي تقابلها يجب أن تخضع للاحتياجات النفسية، ولقوانين الله تعالى في كونه، وهو ما يعرف بالنظرة الاجتماعية المبنية على الفطرة، كما أنها يجب أن تكون منبثقة من نظرة الشرع الحكيم لتلك الطائفة من المجتمع، لا أن تكون خاضعة للعوائد والأعراف الزائفة التي لا تراعي حقوق المرأة الأرملة، وتصب عليها أحيانا جام غضبها بدعاوى هامشية تضر ولا تنفع، وتنذر بالخطر والشرر إن لم تقاوم بإثبات حق الأرملة في الحياة كبقية النساء.
عطف... طمع... ازدراء
ومن أهم الإشكاليات التي تقابل الأرملة في حياتها: الإعالة والكفالة، فمن الذي ينفق على امرأة مات زوجها، وخاصة أن معظم الأرامل يلجأن إلى النزول في سوق العمل؛ ليجدن لقمة العيش لهن ولأبنائهن.
وثانيها: الحاجة إلى الأنس والسكن، مع رفيق للحياة بعد موت الرفيق، ونظرة المجتمع الشرقي إلى الأرملة ذات الولد التي ترغب في الحياة الزوجية مرة أخرى.
وثالثها: طبيعة التعامل الاجتماعي من طوائف المجتمع مع تلك المرأة؛ عطفا أو طمعا، أو ازدراء ونحو ذلك.
أما عن الأمر الأول، وهو حاجة الأرملة إلى الطعام والشراب والإعالة، فنظرة الإسلام تعد من أشمل النظريات التي راعت حق الأرملة في الحياة، فالإسلام يوجب على الوالد إن ترملت ابنته أن يقوم بكفالتها إن لم يكن لزوجها ميراث تركه لها، فإن لم يكن لها والد، كان حقا على إخوتها أن يعينوها في النفقة، فإن لم يكن لها إخوة، أو كان لها إخوة غير قادرين، كان واجبا على ولي الأمر، ممثلا في بيت مال المسلمين، أو «لجان الزكاة» ونحوها، حتى لا تحتاج المرأة المسلمة إلى ما يضطرها للخروج وترك الأولاد، إلا أن يكون عندها سعة، أو كانت ترغب في هذا.
بل كانت نظرة الإسلام أشمل وأبعد، ففي نصوص السنة نجد إشارة إلى قيام المجتمع المدني بتلك الوظيفة، وكأنها إشارة إلى وجوب مراعاة حق الأرملة في الحياة إن تخلى عنها أقاربها، أو تخلت عنها الدولة بمؤسساتها، فليكن المجتمع المدني هو القائم على رعايتها، فقد وردت نصوص عديدة، تحث المسلمين إلى التسابق والتسارع في كفالة الأرملة، فقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثواب كفالة الأرملة أن يكون صاحبها في ظل الله تعالى يوم القيامة، فروي عنه أنه قال: «من كفل يتيما أو أرملة أظله الله في ظله يوم القيامة».
على مشارف الجنة
ويفتح النبي صلى الله عليه وسلم بابا من أبواب الجنة للساعي على الأرملة فيما ورد عن أبي هريرة، قال: قَالَ النَّبِى -صلى الله عليه وسلم-: (السَّاعِى عَلَى الأرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أو كَالَّذِى يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ).
فيقرن النبي صلى الله عليه وسلم الساعي على الأرملة بعملين جليلين، أحدهما: الجهاد في سبيل الله، والآخر: العبادة بأشق أنواعها؛ صياما بالنهار، وقياما بالليل.
ومن دلائل الإعجاز أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم الأرملة بالضعيفة؛ حتى يستثير اهتمام الناس بها؛ كفالة ورعاية لحقها، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في الضعيفين: الأرملة واليتيم».
ثقافة إسلامية
وهكذا نرى أن ثقافة المجتمع المسلم تحض على رعاية الأرامل والمساكين واليتامى، حتى إن أحدهم ليرى أخاه بعد الموت في المنام، ويعرف مكانته عند الله، لما كان يقوم به من رعاية الأرامل، فقد نقل عن البندنيجي أنه قال رأيت صدقة (وهو أحد السلف الصالح) في حالة حسنة فسألته عن حاله فقال: غفر لي بتميرات تصدقت بها على أرملة.
وإن كان هذا ثواب الساعي على الأرملة في شريعة الله، فإن الأرملة الصابرة لا يقل ثوابها عن الساعي عليها، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أنه تأتي امرأة تبادرني فأقول لها مالك ومن أنت فتقول أنا امرأة قعدت على أيتام لي.
الأرامل في الحضارات الأخرى
إن النَّظرة الكريمة للأرملة، والتي أسَّس الإسلام قواعدها، وامتدَّ بعضُها إلى المجتمع العربي قبل الإسلام، تختلِف كلَّ الاختِلاف عن موقف الدِّيانات والحضارات الأُخرى من الأرملة، ولنا أن ننظُر إلى ديانةٍ واحدة على سبيل المثال، وهي الدِّيانة الهندوسيَّة، لنرى كيف تَحيا فيها الأرملة.
ففي المجتمع الهنديِّ الذي ينتمي غالبيَّته إلى الديانة الهندوسيَّة، لا صوتَ للأرامل، حيثُ تفقد الأرملة هويَّتها - وحتَّى حقوقها الأساسيَّة - حين تفقد زوْجَها، وفي بعض الحالات يقوم السكان بإحْراق المرأة وهي حيَّة مع جثَّة زوجِها عند وفاته، وهي العادة التي وصفَها البعضُ بـ «حياة الساتي»، في إشارة إلى عادة حرْق الأرملة مع زوجِها المتوفَّى، وهي ممارسة تمَّ حظرُها حاليًّا. وتُواجِه الأرامل الهندوسيَّات مجموعةً من المحرَّمات الاجتماعيَّة، فعندما يَموت الرَّجُل، يُتوقَّع من أرملته أن تُقلع عن جميع المتع الدنيويَّة، ولا يحق لها الزَّواج، ويقوم أقارب آلاف الأرامل بالتخلُّص منهنَّ، ونفيهنَّ إلى بلدات هندوسيَّة متزمِّتة.
ونتيجةً لهذه المعتقدات الخاطِئة الخاصَّة بالأرامل، تُعاني أكثر من 33 مليون أرْملة هنديَّة من الفقْر والجوع والعوَز، كما يُعانين الوحْدة أيضًا، بِسبب المعتقدات الدينيَّة المتخلِّفة التي تُسيْطِر على عقولهم، حيث لا تُجيز الديانة الهندوسيَّة للأرملة الزَّواج مرَّة أخرى، ما يُجْبِرهنَّ على العيش وحدَهُنَّ وسط الفقْر والعوز، وتعيش معظم الأرامل على المساعدات، وبعضُهُنَّ يلجأْن إلى التسوُّل.
فشتَّان بين رحْمة الإسلام بالأرملة، وما تناله في ظلِّ شريعتِه وهدْيِه من رعاية وتكريم، وبين موقف الدِّيانات والحضارات الأُخْرى من الأرامل، والذي يقوم على الإجحاف بها وإهدار كل حقوقِها بمجرَّد ترمُّلها!
الزواج من الأرامل والمطلقات
إن الإسلام، ذلك الدين العظيم الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، هو رسالة هداية ورحمة للعالم كله. وفي ظل تطبيق أنظمة الإسلام وأحكامه لم تكن المطلقة والأرملة تعاني، ولم يكن الترمل والطلاق يشكل مشكلة في المجتمع الإسلامي مطلقا، بل كانت الأرملة ومثلها المطلقة تقبل على الزواج بعد انتهاء عدتها من زوجها المتوفى، أو بعد انتهاء عدة طلاقها. وكانت نظرة المجتمع لهما نظرة عادية جدا كغيرهما من النساء، ولم يكن وجود أولاد عندهما يشكل عائقا أمام زواجهما. وعليه فالقاعدة في المجتمع الإسلامي، أنه عندما تكثر الأرامل كما في حالات الجهاد في سبيل الله مثلا، أن يسارع الرجال للزواج منهن، وهو الأمر الذي فعله الصحابة والتابعون، رضي الله عنهم، بحيث أصبح الزواج من الأرامل عرفا محببا في المجتمع الإسلامي.
واليوم في المجتمعات الراهنة التي يعيش فيها المسلمون، في ظل غياب تطبيق أنظمة الإسلام عنها، انقلبت الأمور رأسا على عقب، وأصبحت الأرملة تعاني، والمطلقة تعاني، والبكر تعاني، والكل يعاني من مشاكل شتى كما هو مشاهد ومحسوس في بلاد المسلمين. فتطبيق الإسلام رحمة للمسلمين، كما هو رحمة للعالمين.
وفي غياب تطبيق الإسلام والعيش الطبيعي في ظله نشأت عادات بالية وتقاليد مستهجنة كثيرة في بعض أوساط المسلمين، مثل انتشار فكرة عدم تحبيذ الزواج من المطلقة والأرملة، ومنها منع الأرملة من الزواج ثانية واعتبارها ملكية خاصة لأهل زوجها يتحكمون بها كما يشاؤون، فيتدخل أبو الفقيد واخوته وأقاربه، تحت حجج واهية لا يقرها الإسلام ولا يقرها العقل السليم، لمنعها من مواصلة حياتها في كنف زوج آخر تجد عنده المودة والرحمة والكفالة المادية والمعنوية.
نموذج صارخ
وسط الحروب الطاحنة التي لا تبقي على أخضر أو يابس في أفغانستان، لم تجد بعض أرامل أفغانستان أمامهن سوى إنشاء قرية خاصة بهن فوق التلال، عساهن يجدن فيها الراحة والطمأنينة والسكون. على تل «تابايا زاناباد» كما يطلق عليه، تجد مجتمعا من الأرامل اللاتي ذقن مرارة الحروب مع أزواجهن، ولاقين الكثير من الصعوبات في توفير مسكن يأويهن، يعشن وسط كهوف متناثرة، وحصون قديمة، ودبابات صدئة، وأضرحة ملوك تاريخيين. على مدار العقد الماضي، قامت أرامل الحروب في أفغانستان ببناء أكواخ الطين بأيديهن على هذا التل لشرقي العاصمة الأفغانية كابل. وما ألجأهن إلى هذه الأكواخ التي تشبه القبور إلا شظف العيش، ووطأة الفقر، فضلا عن أنهن لن يجبرن على دفع مقابل لهذه الأرض، حيث تقوم الشرطة بفرض غرامة أو الحكم بالسجن على من يستولي أو يبني بيتا على الأراضي التابعة للحكومة، لذلك رأت الأرامل أن يغامرن ويخضن التجربة بذكائهن، فحضر المئات منهن إلى التل تباعا حتى تجاوز عددهن ألف أرملة، حسب ما قاله أحد عمال الإغاثة.
جدير بالذكر أن أفغانستان تعاني ويلات الحروب المتواصلة لأكثر من ثلاث عقود، ما أفرز هذا العدد الضخم من الأرامل. ورغم عدد وجود إحصائيات دقيقة، إلا أن العدد الإجمالي لهن يتراوح بين مئات الآلاف إلى 2 مليون، وبحسب تقدير الأمم المتحدة فإن نصف الأطفال في كابل يعيشون مع أمهاتهم فحسب بعد فقدان الآباء.
ما من شك أن الأرملة الأفغانية التي لا تجد من يعولها بعد موت زوجها، تصبح الخيارات أمامها نادرة وشحيحة، في ظل عدم توفير الحكومة أو حتى الجهات المانحة شبكة أمان لهؤلاء الأرامل، اللاتي انقطع دخلهن بوفاة أرباب أسرتهن.
ونظرا لأن المجتمع يحظر على الأرامل الاختلاط والعمل خارج البيت، فقد وجدت تلك الأرامل في قريتهن الجديدة مناخا ملائما للعمل وتبادل المنافع والخدمات، رغم أن السكن الجديد لم يقدم لهن الكثير، حيث لا يزلن يعانين الفقر، إلا أنهن يعشن جوا مفعما بالأخوة في المجتمع الجديد. وهذا ما تؤكده أنيسة إحدى الأرامل المسنات «لم يكن لدى السيدات شيء حين قدمن إلى هنا، ولكننا فور وصولنا قمنا بالتعرف على بعضنا البعض وصرنا نشعر أننا أخوات».
الجدير بالذكر، أن هذا المجتمع من الأرامل يعقد اجتماعات من وقت لآخر، حيث تتعاون النساء ولو بشكل غير رسمي، ومع ذلك، فإن هذا التل لا يقدم إلا القليل من الأمان، حيث توجد محاولات مستميتة من قبل السلطات للحد من بناء المساكن غير القانونية، في حين أن الحكومة لا توفر للأرامل سوى مساعدة هزيلة لا تذكر.
إحصاءات
تشير احصاءات المنظمات العالمية أنه يوجد ما لا يقل عن 245 مليون أرملة في جميع أنحاء العالم يعيش ما يقرب من نصفهن في فقر مدقع.
ووفقا لآخر احصائية فإن أكبر عدد من الأرامل يوجد في الصين بحوالي 43 مليون أرملة، تليها الهند 42 مليون أرملة، الولايات المتحدة الأميركية بـ15 مليون أرملة، إند ونسيا 9 ملايين،اليابان 5.7 مليون ، روسيا 7 ملايين، البرازيل 5.6 مليون، ألمانيا 5 ملايين أرملة. وبنغلاديش وفيتنام بحوالي 7.4 مليون أرملة لكل منهما. وتضم أفغانستان إحدى أعلى النسب من الأرامل في العالم مقارنة بمجموع سكانها وذلك بسبب النزاعات المسلحة التي مزقت البلاد خلال أكثر من عقدين من الزمن، إذ يبلغ عدد سكان أفغانستان 6.26 مليون نسمة بينما يصل عدد الأرامل فيها إلى حوالي 5.1 مليون أرملة، ويعيش ما بين 50 ألفا إلى 70 ألف أرملة في كابول وحدها.
وتشير اخر الاحصاءات نقلا عن مسؤولين عراقيين ومنظمات مدنية أن ما بين 90 الى 100 امرأة عراقية تترمل كل يوم نتيجة اعمال القتل والعنف الطائفي والجريمة المنظمة في العراق، ويقول مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية من جنيف، ان هذه الارقام قد تكون أقل مما هي في الواقع إذا اخذنا بنظر الاعتبار جرائم القتل الخفية التي يتعذر تسجيلها.
وتشير سجلات وزارة شؤون المرأة في العراق أن هناك 300 الف أرملة في بغداد وحدها إلى جانب 8 ملايين أرملة في مختلف انحاء العراق حسب السجلات الرسمية أي بنسبة 35 في المئة من عدد سكان العراق، وأنها تشكل نسبة 65 في المئة من عدد نساء العراق، وقد تشكل نسبة 80 في المئة من النساء المتزوجات بين سن العشرين والاربعين.
وتؤكد التقارير أن عدد الأرامل يتزايد في العراق بسبب الحروب التي خاضها البلد والتي بدأت بالحرب مع إيران ثم حرب الكويت ثم أحداث العنف التي شهدتها البلاد في ظل الاحتلال والتفجيرات اليومية.
وتسعى الأمم المتحدة إلى مساعدة الأرامل من خلال توفير فرص استفادتهن من الرعاية الصحية المناسبة والتعليم والعمل اللائق، والمشاركة الكاملة في صنع القرار وفي الحياة العامة، وكفالة عيشهن بمنأى عن العنف وسوء المعاملة من شأنه أن يتيح لهن فرص بناء حياة آمنة بعد الفجيعة، علاوة على خلق فرص لهن لمساعدتهن على حماية أطفالهن، وتجنب دوامة الفقر والحرمان العابرة للأجيال. ويعتبر اليوم الدولي للأرامل فرصة للعمل من أجل الحفاظ على حقوق الأرامل والاعتراف بهن بعد أن ظللن لعهد طويل في الخفاء لا يحسب لهن حساب ويقابلن بالتجاهل.