| د. حسن عبدالله عباس |
الخطاب الطائفي الذي ظهر قبل أيام لا يمس بالتأكيد حرية التعبير بقدر ما هو حراك سياسي دولي، فهذا الخطاب لم يأتِ بمحض الصدفة بل إنه وبلا شك برنامج تاريخي سياسي استخدمته جميع الدول وما زالت لحد اليوم خدمة لقضاياها الاستراتيجية!
الخطاب الطائفي هو في أصله خطاب عنصري طبقي. وهو خطاب مارسته جميع الشعوب والامم حتى الديموقراطية منها. فأوروبا الوسطى كان خطابها دينياً عنصرياً يفصل بين الكنيسة وظل الله وبقية الشعب، وأميركا والعالم الجديد حوت هي الاخرى خطاباً عنصريا يفرق بحسب اللون، وفي بعض الدول خطابها العنصري يشتمل على العرق، ورابعة بحسب الدم والعائلة، وخامسة بحسب المال.
قد يكون العرب أكثر الناس ممارسة للخطاب العنصري الطبقي بالنظر لتاريخهم. فمنذ بدايات الرسالة الاسلامية والعرب يترزقون على هذا الاصل الاجتماعي. فالعرب فضّلوا أنفسهم على غيرهم من الاعاجم، وقريش على غيرهم من العرب والغني منهم على الفقير. ومع نزول الاسلام صاروا يتفاضلون بحسب الهجرة والنصرة، وبحسب المدينة والدولة. وأكثر من بالغ سياسة التمييز العنصري في التاريخ الإسلامي الأمويون ممن فضلوا أنفسهم على غيرهم حتى كانت سياستهم في كل شيء بدءاً بالعطاء إلى التزويج إلى التسمية إلى بقية أطراف الحياة الاجتماعية كلها مبنية بحسب التمييز الطبقي والعنصري.
من هنا لا استغراب أن يُكن أتباع هذه المنطقة كل هذا الحقد والكراهية والبغضاء لبعضهم البعض. فمثلما جاءت المذاهب الإسلامية المتشددة فجعلت اتباعها يفضلون أنفسهم على غيرهم كونهم اعتقدوا أنهم قد اجتمعت فيهم خيرات العرق العربي وفضائل الاسلام «المتشدد» الاصيل، صار عند غيرهم فكر متشدد مقابل له واعتقدوا بأفضلية أعجميتهم بالنظر لما تركوه بِرَهن التاريخ وبالنظر إلى أنهم أهل الاسلام الصحيح!
فهذه الخلفيات التاريخية والتراث المتراكم في العقول، لجانب المصالح السياسية للدول خصوصا الكُبرى، مضافا لها الشح الثقافي والفقر الفكري، كل ذلك مهّد السبيل لمن تتوافر لديه سُبل السيطرة والتحكم ليركب راحلة القوم ويهديهم إلى هذا الهلاك. لهذا وبالرغم من توافر كل مصادر المعرفة والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، برغم ذلك فإنه من اليسير جدا أن يكذب أحدهم وتصدّقه العقول الطائشة لا لشيء سوى أنه يُغَني على وتر معشوق الملايين الوتر الطائفي والعنصري! واليوم اكتملت عناصر الطائفية الاربعة (جهل، اعلام، سياسة، وفتاوى علماء البلاط) لتتلقح الفتنة وتكبر وتلد ديناصورا ينفث النار على شعوب المنطقة ويحرقها بالكامل!
[email protected]