يبدو أن علينا البدء من النهاية، ما الذي يمكن ان يحمل اسرائيل على التوصل الى تسوية معقولة ومقبولة وعادلة الى حدّ ما تنهي الصراع مع الفلسطينيين؟ الجواب الطبيعي أن ليس ما يدعوها الى ذلك، خصوصا في ظل وجود حكومة يمينية برئاسة بيبي نتنياهو لا تؤمن سوى بالاحتلال وكيفية تكريسه وتعتمد ارهاب الدولة سياسة معلنة من جهة، وموازين القوى السائدة في المنطقة والعالم من جهة اخرى.
اذا كان هناك من لديه ادنى شك في ذلك، أي في أن اسرائيل تمارس ارهاب الدولة، يستطيع صاحب الشكّ أن يطرح على نفسه سؤالا في غاية البساطة: ما هو الاسم الذي يمكن اطلاقه على الاحتلال وعلى حرمان شعب كامل من حقوقه؟ اوليس ذلك ارهاب دولة بكلّ معنى الكلمة؟ هل من ارهاب يفوق هذا الارهاب الذي يعني أوّل ما يعني رفض الانصياع للقانون الدولي واعتبار اسرائيل دولة غير معنية به بأي شكل؟
لا يمكن الاكتفاء بالحديث عن السياسة العدوانية لدولة تعتبر نفسها فوق القانون. هناك جوانب أخرى للمشكلة التي تفاقمت مع نشوء طبقات اجتماعية جديدة في اسرائيل نتيجة تدفق المهاجرين الروس عليها في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. هؤلاء المهاجرون الجدد يدعمون اليمين المتطرف ولم يحاولوا يوما فهم شيء عن طبيعة الصراع القائم والظلم التاريخي الذي تعرّض له الشعب الفلسطيني.
في مقدّم المشاكل التي تجعل اسرائيل غير مهتمة بالسلام، تأتي الميوعة الاميركية. تتمثّل هذه الميوعة، الموجودة على كلّ المستويات، في رفض الرئيس باراك اوباما الاقدام على أي خطوة حاسمة في أي اتجاه كان، بما في ذلك الازمة السورية، حيث يمارس نظام غير شرعي قام في الاساس على فكرة الغاء الآخر عملية ابادة لشعب بكامله. لا ذنب لهذا الشعب سوى المطالبة بالحرية والكرامة والعيش في المنطقة مثله مثل بقية الشعوب. وهذا ما ينطبق الى حدّ ما على الشعب الفلسطيني الذي يريد أيضا أن يكون له مكان على الخريطة الجغرافية للشرق الاوسط.
تجعل الميوعة، التي تستهوي البيت الابيض، أي كلام صادر عن وزير الخارجية الاميركي جون كيري لا معنى له، حتى عندما يصرّ على أن الهدف الاميركي اقامة دولة فلسطينية مستقلة وليس «دولة ذات حدود موقتة». ما يؤكّد ذلك، أن الخطاب الذي القاه الوزير الاميركي يوم السادس والعشرين من ايار- مايو الماضي في ختام دورة «المنتدى الاقتصادي العالمي للشرق الاوسط وشمال افريقيا» التي انعقدت على الضفة الاردنية من البحر الميّت كان بمثابة كلام ليل يمحوه النهار.
لم تمرّ ثمان واربعين ساعة على خطاب كيري، الذي بدا واضحا أنه يسعى الى مراعاة الحساسيات الاسرائيلية، حتى باشرت اسرائيل توسيع احدى المستوطنات القريبة من القدس والقائمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967.
لم يأت وزير الخارجية الاميركي، في خطاب البحر الميّت على ذكر حدود 1967 كمرجعية للسلام ولأيّ مفاوضات يمكن أن تجمع بين الفلسطينيين والاسرائيليين. على الرغم من ذلك، وجّه اليه نتنياهو صفعة ليس معروفا بعد هل سيكون لها أي صدى من أي نوع في البيت الابيض.
كان التحدي الاسرائيلي للولايات المتحدة قبل أن يكون موجها للسلطة الوطنية الفلسطينية التي لا حول لها ولا قوّة. انها سلطة لا تدرك حتى أنّ حكومة الدكتور سلام فيّاض هي افضل شيء حصل للفلسطينيين منذ توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993، وهو اتفاق سمح لياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب للفسطيني، بالعودة الى ارض فلسطين.
لا يمكن حصر المشكلة بحكومة اسرائيل التي تمارس ارهاب الدولة، كما أنها ليست عائدة الى الميوعة الاميركية فقط. المشكلة في الوضع الفلسطيني أيضا. هناك سلطة وطنية تحكم، بالحدود التي يسمح لها الاحتلال بأن تحكم، انطلاقا من رام الله، وهناك «حماس» أي «الاخوان المسلمون» الذين يعتبرون السيطرة على غزة وتغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني في القطاع، وفي الضفّة الغربية لاحقا، أهمّ بكثير من زوال الاحتلال.
فوق ذلك كلّه، هناك وضع عربي مزر. بلغ هذا الوضع من السوء أن الاخوان المسلمين في مصر، الذين يحكمون أكبر بلد عربي، فقدوا البوصلة في شأن كلّ ما له علاقة بالوضع في غزة. لم يعد معروفا من يتحكّم بمن. هل غزة تتحكّم بالقاهرة عبر سيناء، أم القاهرة وراء الفوضى السائدة في المنطقة الحدودية، خصوصا عند معبر رفح؟
الاكيد أن القاهرة لا يمكن أن تكون وراء هذه الفوضى ووراء الارهاب الذي يتعرّض له الجنود المصريون في سيناء. كلّ ما يمكن قوله أن الامور صارت فالتة في سيناء وأن اسرائيل لا تعترض على ذلك، مثلما أنها ترحّب بأي تهديدات يوجهها اليها هذا المسؤول الايراني أو ذاك. انّها تستغلّ هذه التهديدات الى أبعد حدود...من أجل الظهور في مظهر الضحية. هل من خدمة أكبر من هذه الخدمة يقدّمها النظام الايراني لدولة يدّعي أنّه يريد «ازالتها من الوجود»؟
في غياب الموقف الفلسطيني الموحد من العملية السلمية...وفي ظلّ الميوعة الاميركية والوضع العربي المزري، خصوصا في مصر. وفي ظلّ النموذج الذي يقدّمه النظام السوري الذي يتلطى بـ«المقاومة» كشعار من أجل التخلص من شعبه، هل لا تزال هناك ألغاز من أي نوع كان؟ هل يصح التساؤل لماذا ترفض اسرائيل التخلي عن سياسة الاحتلال وعن ارهاب الدولة؟
خيرالله خيرالله