جعفر رجب / تحت الحزام / أجداد مسخرة

تصغير
تكبير
للصور القديمة هيبتها، اللونان الأبيض والأسود، والنظرة العميقة، والخزة القاتلة للمصور، مع الملابس الرسمية، تشعرك انك بالفعل مع ماض عريق، تشير للصورة وتقول لولدك «هذا هو جدك»، ويترسخ في ذهن الطفل شكل جده ورصانته وخبرته، حتى لو كان غير ذلك، فللصور القديمة هيبة، وحتى في المسلسلات العربية دائما يعلقون صورة المتوفى في الصالة، وتكون الصورة قديمة والمرحوم «ضايق خلقه» بالصورة لانه ميت، كتعبير عن الحزن وحكمة الماضي... ويبدو لي والله اعلم انه كان يمنع في السابق الابتسامة عند التصوير ولهذا دائما الناس في الصور القديمة «معصبين»!

تخيل بعد اربعين سنة، يأتي الاب ويريد ان يطلع اولاده على صور اجداده وجداته، وبدلا من الألبوم سيدخل على الانستغرام التاريخي، بالطبع لن يشاهدوا صورا عميقة، ولا خزات رهيبة، ولا وقارا وحكمة وعبقرية، بل سيريهم صور جدهم «انظر هذا جدك وهو لابس شورت وحاط تاج ومسوي تان، وهذه صورة عيون جدتك، وكان (نك نيمها) الفراشة المينونة، وهذا جدكم من امكم يبيع كان (كبك كيك) في المعرض يعني مشروعا وطنيا، وهذه هي جدتكم وهي لابسة سروالا مخططا تأثرا بسروال الخابز الايراني المخطط» باختصار ستكون صور الاجداد في المستقبل آخر مسخرة!

أما بعد اربعين سنة، وعندما يكتب التاريخ عن الكويت، فلن يكون عن الجهراء، والرقة، الصريف، والغزو وبطولات شباب الكويت، بل سيكون كالتالي «وكان الناس يلبسون البرتقالي ويتمشون في المجمعات، يعني معارضة شرسة، وكانوا يشتكون في المحافل الدولية عندما يرشون عليهم الماء من دون الصابون، وكانت الحكومة حكيمة جدا، يخسرون المليارات في النفط، وتتأخر المشاريع، وتحترق المشاريع، وتضيع الملايين، وتتجمد القوانين، وهم كما هم، لا احساس ولا حزن ولا ألم، ولا حياء ولا مستحى، ونواب صامتين ساكتين وجودهم كان وعدهم واحدا، وشعب يتبرع للحرب في افغانستان وسورية ومصر وليبيا وتونس والشيشان وبورما والصومال... وغير مستعد ان يطرق الباب على جاره ليسأله عن حاله». وسينظر الأحفاد مستقبلا للتاريخ كما ينظرون صور أجدادهم بالانستغرام!



جعفر رجب

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي