حوار / «يكتر خيرنا» لأننا لا نزال ننتج أفلاماً ومسلسلات
هيام أبو شديد لـ «الراي»: سقطت الجنسيات وأصبح العمل الفني هو المهم

... ومع بيتر سمعان وفادي ابراهيم في مشهد من مسلسل «وداعا»

هيام في أحد المشاهد الفنية

نغم ابو شديد

مشهد من فيلم «تايتنك»

هيام أبو شديد







| بيروت - من هيام بنوت |
ترى الممثلة هيام أبو شديد أن الدراما اللبنانية بخير وهي تتقدم تدريجياً، وأن «العرب يحبون هذه الدراما ويتابعونها، لاسيما وأن الفضائيات مفتوحة أمام الجميع»**، «معتبرة أن العمل الجيد والمهم لابد أن يفرض نفسه بعيداً عن جنسيات الأشخاص المشاركين فيه، فقد سقطت الجنسيات وأصبح العمل الفني هو المهم».
أبو شديد، التي ظهرت في مسلسل «وداعا» الذي روى مأساة الطائرة الاثيوبية التي سقطت في بحر لبنان قبل ثلاثة اعوام، تحدثت في حوار مع «الراي» عن دورها والمسؤولية الكبيرة التي كانت تتحملها كممثلة نقلت مأساة عائلة فقدت ابنها في «النكبة الجوية»، كما تطرقت الى تجارب المسلسلات المشتركة، وأيضاً عن تجربتها كمقدمة والتي ستخوضها مجدداً عبر برنامج اجتماعي تعمل حالياً على تصويره لمصلحة احدى الشركات الخاصة... وهذه تفاصيل الحوار:
• شاركتِ في مسلسل «وداعاً» عبر شاشة ال.بي.سي والذي تحدث عن مأساة الطائرة الاثيوبية، فما الفارق بين عمل درامي يتناول قصة واقعية وعمل آخر فبرك أحداثَه خيال الكاتب؟
- النوع الأول يكون أكثر دقة وواقعية لأنه يدور حول قصة أشخاص لا يزالون على قيد الحياة، عدا عن أن الحادثة حصلت قبل ثلاثة أعوام وأحداثها لا تزال مطبوعة في أذهان الناس. لذلك لا يمكن أن نتعامل معها على أنها قصة من التاريخ، بل هي دراما وثائقية، لأنه تمت الاستعانة بالأرشيف للاضاءة على بعض الأحداث الآنية التي ترافقت مع فاجعة سقوط الطائرة الاثيوبية وما حكي حولها وعنها في الأخبار.
الصعوبة في هذا النوع من الأعمال تكمن في تجسيد شخصيات لا تزال موجودة على قيد الحياة، دون محاولة التشبه بهم شكلاً، لأن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل أبداً، عدا أنهم لم يعيشوا في الماضي البعيد، بحيث يمكن الاعتماد على المخيلة لمقاربة أشكالهم. لذلك حاولنا في مسلسل «وداعا» التطرق الى قصة الطائرة الاثيوبية وحقيقة العلاقة التي كانت تربط بين الأشخاص الذين رحلوا وأهلهم وأقاربهم الذين لا يزالون موجودين على قيد الحياة. وبهدف نقل حقيقة هذه العلاقة بأمانة على الشاشة اجتمعنا قبل التصوير ببعض عائلات ضحايا الطائرة، وأنا مثلاً امضيت يوماً كاملا مع نظمي أرناؤوط التي أخبرتني عن علاقتها بابنها والمواقف التي كانت تحصل بينهما، كذلك أخبرتني عن نفسها وشخصيتها قبل أن ترتدي الحجاب، وأسلوبها في اختيار الملابس، كي أحاول أن أكون قريبة منها شكلا ولكن هذا الأمر يبقى صعباً، لأنها لا تزال حية ترزق.
• حادثة الطائرة الاثيوبية وتجسيدها درامياً من خلال مسلسل «وداعاً» يعيدنا بالذاكرة الى حادثة سفينة «التيتانيك» التي تحوّلت قصتها الى فيلم سينمائي... هل ترين أن هناك ارتباطاً بين هذين العملين على المستوى الدرامي، وهل تعتقدين أن الاعمال التي تروي أحداثاً مأسوية حقيقية تحصد صدى ايجابيا عند الناس لاسيما وأن فيلم «تيتانيك» حقق نجاحاً كاسحاً عند عرضه في صالات السينما؟
- فيلم «تيتانيك» تم تصويره بعد مرور سنوات طويلة على الحادثة وليس بعد مرور ثلاث سنوات فقط كما حصل في مسلسل «وداعا» كما أنهما مختلفان انتاجياً. الى ذلك فان «التيتانيك» هو فيلم سينمائي يطول العالم بأسره لأنه كان على متن الباخرة أناس من جنسيات مختلفة، بينما «وداعا» هو مسلسل محلي تناول حادثة حصلت في لبنان. بعض العائلات وافقت على تجسيد القصة ووقّعت تعهداً عندما كتب طوني بيضون القصة، والبعض الآخر لم يوافق، لأنه كان يشعر بأن الجرح لايزال ساخناً. في المقابل، فان بعض المشاهدين قالوا انهم لن يشاهدوا العمل لأنهم يعرفون نهاية القصة التي ستكون كلها بكاء ووجعاً، أما البعض الآخر فتعاطف معه وتابعه لانه أراد أن يعرف ماذا حصل وكيف كانت علاقة الضحايا بأهلهم قبل ان يركبوا الطائرة وتحصل الكارثة. هناك نوع من «اللعب» على احساس المشاهد وعواطفه، خاصة وأن رفضه والبعض الآخر متحمس لمتابعته.
• الا ترين أن الرفض المسبق لمشاهدة العمل يؤثر سلباً على نسبة المشاهدة؟
- لا أعتقد. أظن أن الرفض يكون أوليا لأن حشرية المشاهد غالباً ما تكون أقوى لمعرفة مجريات الأحداث وقصة الناس. ثمة من قال انه سيكتفي بمشاهدة الحلقات الأولى من «وداعاً» التي سبقت حصول الكارثة لكنهم تراجعوا عن قرارهم بدافع الحشرية لأن الحادثة وقعت في لبنان.
• كممثلين، هل يكون هناك فارق في أدائكم واحساسكم في التمثيل عندما تجسدون حياة شخصيات حقيقية وبين تجسيدكم لشخصيات رسمها خيال الكاتب؟
- نعم، النوع الاول أصعب. عندما كنت أتحدث مع أفراد عائلتي في المسلسل اي فادي ابراهيم وبيتر سمعان وفيفيان انطونيوس، أو مع نوال شمعون التي جسدت شخصية جارتي في المسلسل، أو حتى مع شقيقتي نغم التي تجسد شخصية فرد في عائلة أخرى شعرنا جميعاً بأن مسؤوليتنا أكبر ووجعنا اكبر لأننا نعرف أن هناك عيناً حزينة لها علاقة بقصة المسلسل تتابع العمل. أنا اعرف أن «ام مصطفى» تتابع المسلسل، وعندما قصدت مدينة صور قبل التصوير وتعرفت عليها كما على جدة مصطفى أرناؤوط، التي تجسد شخصيتها وفاء طربية اي حماتي في المسلسل، وأيضاً علي أبو مصطفى، كانت أم مصطفى تتكلم معي وتبكي وأنا كنت أشاركها البكاء. القصة أوجعتنا كبشر فكيف الحال عندما نكون ممثلين نحمل همّ ووجع وجرح هؤلاء الناس ونعبر عنه درامياً. لا شك أن المسؤولية أكبر والوجع أكبر لاسيما وأننا تعرفنا الى الشخصيات التي سنجسدها على الشاشة وهي تحدثت معنا عن وجعها وصراخها عندما سمعت بخبر سقوط الطائرة وعن الاحساس الذي عاشته في تلك اللحظة. عندما جلست مع نظمي ارناؤوط، صرت أبكي رغماً عني وشعرت بالاختناق، وأثناء التصوير وتجسيد الشخصية كنت أفكر بكل كلمة قالتها لي وبالمأساة التي عاشتها وعن علاقتها بابنها مصطفى. ولأن بيتر سمعان رافقني في تلك الزيارة كنا نتذكر خلال تصوير مشهد يجمع بين أم مصطفى وابنها ماذا قالت لنا نظمي التي أطلعتنا على صور من أرشيف العائلة. كل هذه الأمور، كوّنت مخزونا داخليا قوياً جداً جعلنا نتفاعل أكثر وأكثر خلال التصوير.
• وماذا كانت وصية الأهالي لكم؟
- بعض الممثلين رفضوا التعرف على عائلات الضحايا كي لا يتأثروا عاطفياً، وآخرون فعلوا ذلك. مثلاً عائلة أرناؤوط حملتنا مسؤولية كبيرة. نظمي ارناؤوط قالت لبيتر سمعان «انتبه على مصطفى» وكأنها أرادت تحميله مسؤولية اعادة ابنها الى الحياة في المسلسل، أما لي فقالت «يا تقبريني... يا حبيبتي»، وأنا لا أزال على تواصل معها حتى اليوم عبر الفايسبوك والواتس آب والهاتف. لقد وُلدت بيننا وبين أهالي الضحايا علاقة عاطفية لم تنته مع انتهاء تصوير المسلسل، وأم مصطفى تنتظر زيارتنا لتمضية يوم في صور وتناول السمك، حتى أنها تعلقت ببيتر كثيراً لأنه جسّد شخصية ابنها.
• شقيقتك نغم شاركتك المسلسل ولكن لم تلتقيا في اي من المشاهد؟
- صحيح لم يكن بيننا اي مشهد مشترك. هي جسدت قصة في البترون وأنا في صور. لطالما حلمت أنا ونغم بأن نلتقي كممثلتين في عمل واحد، ونحن سبق أن اجتمعنا في مسلسل «من كل قلبي» الذي عُرض. وعندما طُرح عليّ هذا المسلسل تم ترشيحي للقيام بدور لا علاقة لشقيقتي به، ولكنني فضلت وتمسكت بدور شقيقتها على الرغم من أنه أصغر حجماً، وقد كانت تجربة مريحة جداً لكلتينا. نحن ممثلتان شقيقتان ونحلم دائماً بالاجتماع في عمل واحد.
• في عصر المسلسلات المشتركة، التي تُدعم انتاجياً واعلامياً بشكل مكثف، هل ترين أن الأعمال المحلية البحتة ولا يمكن أن تثبت نفسها، لاسيما وأن مسلسل «جذور» يعرض حالياً خارج لبنان؟
- «جذور» يُعرض ايضاً على شاشة «ال. بي. سي». الأعمال المشتركة تبشر بالخير، لأنه من الجميل أن يجتمع العرب في عمل واحد، أما الأعمال المحلية البحت، فلها هي أيضاً مكانها ومكانتها عربياً. الدراما اللبنانية بخير وهي تتقدم تدريجياً، مثلا «روبي» كان لبنانياً ببطلته وكاتبته اللبنانيتين وحقق انتشاراً عربياً، واليوم يسير مسلسل «جذور» على خطاه، كما أن هناك أعمالاً مماثلة على الطريق من بينها مسلسل للكاتبة منى طايع. العرب يحبون الدراما اللبنانية ويتابعونها، لاسيما وأن الفضائيات مفتوحة أمام الجميع وأصبح بامكان المشاهد العربي أن يشاهد كل الفضائيات اللبنانية تماماً كما نتابع نحن اللبنانيين الفضائيات العربية والغربية. الانتشار الفضائي متاح أمام الجميع، والعمل الجيد والمهم لا بد أن يفرض نفسه، بعيداً عن جنسيات الأشخاص المشاركين فيه. لقد سقطت الجنسيات وأصبح العمل الفني هو المهم.
• لكن الا ترين أيضاً أنه لا يمكن اغفال أهمية دور المحطة، مثلاً مسلسل «روبي» عرض على شاشة «ام. بي. سي» التي تُعتبر الأولى عربياً أما مسلسل «جذور» فيعرض حالياً على شاشة «أبو ظبي» وقناة «النهار» ذات المتابعة العالية؟
- لكن مسلسل «سارة» كان لبنانياً على كافة المستويات وبعد عرضه في لبنان، تم بيعه الى احدى الفضائيات العربية. كل ما يُعرض محلياً لا يلبث أن يباع ويعرض عربيا. كل شيء له سوقه ووقته، وأنا مقتنعة تماماً بذلك.
• هل ستشاركين في المسلسل الذي كتبته منى طايع؟
- لا.
• لم لا؟
- هل يجب أن اتكلم عن الأعمال التي أشارك فيها فقط؟ نفسيتي ليست كذلك على الاطلاق. منى صديقة وقد اطلعت على النص وهو جميل جداً.
• هل عُرضت عليك المشاركة ورفضت؟
- لا...
• هل ترغبين بخوض تجربة المسلسلات المشتركة؟
- لم لا، اذا أتيحت الفرصة أمامي لن أرفضها لأنها تمدني بخبرة مختلفة. العمل مع أشخاص من خارج الوطن فيه انفتاح كبير على طريقة التمثيل وادارة الممثلين وسواها من الامور. مثلا مسلسل «وداعا» من اخراج يوسف شرف الدين. صحيح أنه لبناني ولكنه يعتبر «لبناني - مصري» لانه يعيش في مصر وأخرج افلاماً مصرية الى جانب اخراجه لأعمال لبنانية، ولذلك كان العمل معه مختلفاً.
• كممثلات مخضرمات هل ترين أن الدراما المشتركة هي التي تعطي الممثلة اللبنانية حقها وهل هذا الأمر يجعلكن تشعرن باللوعة. فلو تناولنا مثلا تجربة تقلا شمعون، فنجد أنها لم تنتشر عربياً رغم براعتها وتجربتها وتاريخها الفني العريق، الا بعد مشاركتها في مسلسل «روبي»؟
- لقد تكلمتُ مع تقلا شمعون في هذا الموضوع عندما استقبلتها في برنامجي وقالت لي ان شخصية عليا في مسلسل «روبي» فتحت أمامها سوقاً آخر مختلفاً رغم أنه كانت لها تجربة مسرحية في الخارج ونالت جائزة على دورها، حتى أن الناس ينادونها «عليا» في الخارج، وهذه الناحية مهمة جداً، ولا شك في أن تقلا سعيدة جداً بها. الممثلة لا تشعر بالأسى لأنها لم تحصل سابقاً على شهرة عربية بل تفرح عندما يتحقق هذا الأمر. يجب ألا ننسى أننا عشنا فترة حرب طويلة في لبنان، والوضع لا يزال غير مستقر فيه حتى اليوم ولا أحد يعرف ماذا يمكن أن يحصل في اي لحظة. حتى عربياً، الأوضاع غير مستقرة و«منيح اللي عم نقدر نعمل انتاجات فنية». مقارنة مع تركيا وأوروبا وأميركا، نحن نبذل جهداً مضاعفاً لأننا نعيش في منطقة غير مستقرة و«كتر خيرنا» لأننا لا نزال ننتج أفلاماً ومسلسلات.
• هل ترين أنك كممثلة أصبحت محاصَرة بدور الأم؟
- حكماً، في مثل عمري دور الأم هو الأنسب لي، رغم أنهم يمكن أن يكتبوا أدوار مديرة أعمال أو مديرة شركة أو انسانة مشردة على الطريق أو امرأة تعمل في السياسة وتملك السلطة، أو وزيرة. ربما في الشرق لا يتخيل الكاتب المرأة في عمر معين أن تقوم بدور الأم بينما في الخارج يمكن أن نراها في أدوار أخرى.
• هل هذا يعني أن خيال الكتاب العرب محدود؟
- ليس محدوداً بقدر ما يشبه المجتمع الذي نعيش فيه.
• لكن مجتمعنا فيه نماذج من النساء التي أشرتِ اليها؟
- هذا صحيح. بصراحة لا أعرف لماذا لا يفكرون بهذا الاتجاه. عندنا لا يكتبون أدواراً لامرأة في سني خارج اطار الأمومة. في مسلسل «عصر الحريم» جسدت شخصية أرملة عاشت قصة حب مع محام ودخلت في مواجهة مع ابنها، لأنه رفض أن تتزوج مرة ثانية رجلاً غير والده. منى طايع قدمت في هذا العمل دور الأم ولكن في اطار مختلف.
• بين نص منى طايع ونص كلوديا مارشليان، ايهما تفضلين؟
«أحلى من بعض»، منى وكلوديا ترفعان الرأس، ومثلهما كل الكتّاب الذي يكتبون في المرحلة الحالية. منى وكلوديا تجسدان في نصوصهما المرأة القوية التي تقدم اسماً لامعاً «وبيبيض الوجه».
• اين أصبحت مشاريعك الكتابية؟
- حالياً انا أعيش فترة نقاهة، لأنني مشغولة بأشياء أخرى.
• في مجال التمثيل؟
- والتقديم أيضاً. سأشارك قريباً في مسلسل عن الحقبة التركية، كما أصور برنامجاً مؤلفاً من 25 حلقة لمصلحة احدى الشركات الخاصة. الكتابة تحتاج الى تفرغ كامل.
• هل اشتقتِ الى التقديم؟
طبعاً، أنا أحب التقديم لأنه يتيح الفرصة أمامي لتكوين علاقات انسانية. في التقديم أقدم شخصيتي كشخص بينما في التمثيل أتبنى شخصية معينة وأدافع عنها.
ترى الممثلة هيام أبو شديد أن الدراما اللبنانية بخير وهي تتقدم تدريجياً، وأن «العرب يحبون هذه الدراما ويتابعونها، لاسيما وأن الفضائيات مفتوحة أمام الجميع»**، «معتبرة أن العمل الجيد والمهم لابد أن يفرض نفسه بعيداً عن جنسيات الأشخاص المشاركين فيه، فقد سقطت الجنسيات وأصبح العمل الفني هو المهم».
أبو شديد، التي ظهرت في مسلسل «وداعا» الذي روى مأساة الطائرة الاثيوبية التي سقطت في بحر لبنان قبل ثلاثة اعوام، تحدثت في حوار مع «الراي» عن دورها والمسؤولية الكبيرة التي كانت تتحملها كممثلة نقلت مأساة عائلة فقدت ابنها في «النكبة الجوية»، كما تطرقت الى تجارب المسلسلات المشتركة، وأيضاً عن تجربتها كمقدمة والتي ستخوضها مجدداً عبر برنامج اجتماعي تعمل حالياً على تصويره لمصلحة احدى الشركات الخاصة... وهذه تفاصيل الحوار:
• شاركتِ في مسلسل «وداعاً» عبر شاشة ال.بي.سي والذي تحدث عن مأساة الطائرة الاثيوبية، فما الفارق بين عمل درامي يتناول قصة واقعية وعمل آخر فبرك أحداثَه خيال الكاتب؟
- النوع الأول يكون أكثر دقة وواقعية لأنه يدور حول قصة أشخاص لا يزالون على قيد الحياة، عدا عن أن الحادثة حصلت قبل ثلاثة أعوام وأحداثها لا تزال مطبوعة في أذهان الناس. لذلك لا يمكن أن نتعامل معها على أنها قصة من التاريخ، بل هي دراما وثائقية، لأنه تمت الاستعانة بالأرشيف للاضاءة على بعض الأحداث الآنية التي ترافقت مع فاجعة سقوط الطائرة الاثيوبية وما حكي حولها وعنها في الأخبار.
الصعوبة في هذا النوع من الأعمال تكمن في تجسيد شخصيات لا تزال موجودة على قيد الحياة، دون محاولة التشبه بهم شكلاً، لأن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل أبداً، عدا أنهم لم يعيشوا في الماضي البعيد، بحيث يمكن الاعتماد على المخيلة لمقاربة أشكالهم. لذلك حاولنا في مسلسل «وداعا» التطرق الى قصة الطائرة الاثيوبية وحقيقة العلاقة التي كانت تربط بين الأشخاص الذين رحلوا وأهلهم وأقاربهم الذين لا يزالون موجودين على قيد الحياة. وبهدف نقل حقيقة هذه العلاقة بأمانة على الشاشة اجتمعنا قبل التصوير ببعض عائلات ضحايا الطائرة، وأنا مثلاً امضيت يوماً كاملا مع نظمي أرناؤوط التي أخبرتني عن علاقتها بابنها والمواقف التي كانت تحصل بينهما، كذلك أخبرتني عن نفسها وشخصيتها قبل أن ترتدي الحجاب، وأسلوبها في اختيار الملابس، كي أحاول أن أكون قريبة منها شكلا ولكن هذا الأمر يبقى صعباً، لأنها لا تزال حية ترزق.
• حادثة الطائرة الاثيوبية وتجسيدها درامياً من خلال مسلسل «وداعاً» يعيدنا بالذاكرة الى حادثة سفينة «التيتانيك» التي تحوّلت قصتها الى فيلم سينمائي... هل ترين أن هناك ارتباطاً بين هذين العملين على المستوى الدرامي، وهل تعتقدين أن الاعمال التي تروي أحداثاً مأسوية حقيقية تحصد صدى ايجابيا عند الناس لاسيما وأن فيلم «تيتانيك» حقق نجاحاً كاسحاً عند عرضه في صالات السينما؟
- فيلم «تيتانيك» تم تصويره بعد مرور سنوات طويلة على الحادثة وليس بعد مرور ثلاث سنوات فقط كما حصل في مسلسل «وداعا» كما أنهما مختلفان انتاجياً. الى ذلك فان «التيتانيك» هو فيلم سينمائي يطول العالم بأسره لأنه كان على متن الباخرة أناس من جنسيات مختلفة، بينما «وداعا» هو مسلسل محلي تناول حادثة حصلت في لبنان. بعض العائلات وافقت على تجسيد القصة ووقّعت تعهداً عندما كتب طوني بيضون القصة، والبعض الآخر لم يوافق، لأنه كان يشعر بأن الجرح لايزال ساخناً. في المقابل، فان بعض المشاهدين قالوا انهم لن يشاهدوا العمل لأنهم يعرفون نهاية القصة التي ستكون كلها بكاء ووجعاً، أما البعض الآخر فتعاطف معه وتابعه لانه أراد أن يعرف ماذا حصل وكيف كانت علاقة الضحايا بأهلهم قبل ان يركبوا الطائرة وتحصل الكارثة. هناك نوع من «اللعب» على احساس المشاهد وعواطفه، خاصة وأن رفضه والبعض الآخر متحمس لمتابعته.
• الا ترين أن الرفض المسبق لمشاهدة العمل يؤثر سلباً على نسبة المشاهدة؟
- لا أعتقد. أظن أن الرفض يكون أوليا لأن حشرية المشاهد غالباً ما تكون أقوى لمعرفة مجريات الأحداث وقصة الناس. ثمة من قال انه سيكتفي بمشاهدة الحلقات الأولى من «وداعاً» التي سبقت حصول الكارثة لكنهم تراجعوا عن قرارهم بدافع الحشرية لأن الحادثة وقعت في لبنان.
• كممثلين، هل يكون هناك فارق في أدائكم واحساسكم في التمثيل عندما تجسدون حياة شخصيات حقيقية وبين تجسيدكم لشخصيات رسمها خيال الكاتب؟
- نعم، النوع الاول أصعب. عندما كنت أتحدث مع أفراد عائلتي في المسلسل اي فادي ابراهيم وبيتر سمعان وفيفيان انطونيوس، أو مع نوال شمعون التي جسدت شخصية جارتي في المسلسل، أو حتى مع شقيقتي نغم التي تجسد شخصية فرد في عائلة أخرى شعرنا جميعاً بأن مسؤوليتنا أكبر ووجعنا اكبر لأننا نعرف أن هناك عيناً حزينة لها علاقة بقصة المسلسل تتابع العمل. أنا اعرف أن «ام مصطفى» تتابع المسلسل، وعندما قصدت مدينة صور قبل التصوير وتعرفت عليها كما على جدة مصطفى أرناؤوط، التي تجسد شخصيتها وفاء طربية اي حماتي في المسلسل، وأيضاً علي أبو مصطفى، كانت أم مصطفى تتكلم معي وتبكي وأنا كنت أشاركها البكاء. القصة أوجعتنا كبشر فكيف الحال عندما نكون ممثلين نحمل همّ ووجع وجرح هؤلاء الناس ونعبر عنه درامياً. لا شك أن المسؤولية أكبر والوجع أكبر لاسيما وأننا تعرفنا الى الشخصيات التي سنجسدها على الشاشة وهي تحدثت معنا عن وجعها وصراخها عندما سمعت بخبر سقوط الطائرة وعن الاحساس الذي عاشته في تلك اللحظة. عندما جلست مع نظمي ارناؤوط، صرت أبكي رغماً عني وشعرت بالاختناق، وأثناء التصوير وتجسيد الشخصية كنت أفكر بكل كلمة قالتها لي وبالمأساة التي عاشتها وعن علاقتها بابنها مصطفى. ولأن بيتر سمعان رافقني في تلك الزيارة كنا نتذكر خلال تصوير مشهد يجمع بين أم مصطفى وابنها ماذا قالت لنا نظمي التي أطلعتنا على صور من أرشيف العائلة. كل هذه الأمور، كوّنت مخزونا داخليا قوياً جداً جعلنا نتفاعل أكثر وأكثر خلال التصوير.
• وماذا كانت وصية الأهالي لكم؟
- بعض الممثلين رفضوا التعرف على عائلات الضحايا كي لا يتأثروا عاطفياً، وآخرون فعلوا ذلك. مثلاً عائلة أرناؤوط حملتنا مسؤولية كبيرة. نظمي ارناؤوط قالت لبيتر سمعان «انتبه على مصطفى» وكأنها أرادت تحميله مسؤولية اعادة ابنها الى الحياة في المسلسل، أما لي فقالت «يا تقبريني... يا حبيبتي»، وأنا لا أزال على تواصل معها حتى اليوم عبر الفايسبوك والواتس آب والهاتف. لقد وُلدت بيننا وبين أهالي الضحايا علاقة عاطفية لم تنته مع انتهاء تصوير المسلسل، وأم مصطفى تنتظر زيارتنا لتمضية يوم في صور وتناول السمك، حتى أنها تعلقت ببيتر كثيراً لأنه جسّد شخصية ابنها.
• شقيقتك نغم شاركتك المسلسل ولكن لم تلتقيا في اي من المشاهد؟
- صحيح لم يكن بيننا اي مشهد مشترك. هي جسدت قصة في البترون وأنا في صور. لطالما حلمت أنا ونغم بأن نلتقي كممثلتين في عمل واحد، ونحن سبق أن اجتمعنا في مسلسل «من كل قلبي» الذي عُرض. وعندما طُرح عليّ هذا المسلسل تم ترشيحي للقيام بدور لا علاقة لشقيقتي به، ولكنني فضلت وتمسكت بدور شقيقتها على الرغم من أنه أصغر حجماً، وقد كانت تجربة مريحة جداً لكلتينا. نحن ممثلتان شقيقتان ونحلم دائماً بالاجتماع في عمل واحد.
• في عصر المسلسلات المشتركة، التي تُدعم انتاجياً واعلامياً بشكل مكثف، هل ترين أن الأعمال المحلية البحتة ولا يمكن أن تثبت نفسها، لاسيما وأن مسلسل «جذور» يعرض حالياً خارج لبنان؟
- «جذور» يُعرض ايضاً على شاشة «ال. بي. سي». الأعمال المشتركة تبشر بالخير، لأنه من الجميل أن يجتمع العرب في عمل واحد، أما الأعمال المحلية البحت، فلها هي أيضاً مكانها ومكانتها عربياً. الدراما اللبنانية بخير وهي تتقدم تدريجياً، مثلا «روبي» كان لبنانياً ببطلته وكاتبته اللبنانيتين وحقق انتشاراً عربياً، واليوم يسير مسلسل «جذور» على خطاه، كما أن هناك أعمالاً مماثلة على الطريق من بينها مسلسل للكاتبة منى طايع. العرب يحبون الدراما اللبنانية ويتابعونها، لاسيما وأن الفضائيات مفتوحة أمام الجميع وأصبح بامكان المشاهد العربي أن يشاهد كل الفضائيات اللبنانية تماماً كما نتابع نحن اللبنانيين الفضائيات العربية والغربية. الانتشار الفضائي متاح أمام الجميع، والعمل الجيد والمهم لا بد أن يفرض نفسه، بعيداً عن جنسيات الأشخاص المشاركين فيه. لقد سقطت الجنسيات وأصبح العمل الفني هو المهم.
• لكن الا ترين أيضاً أنه لا يمكن اغفال أهمية دور المحطة، مثلاً مسلسل «روبي» عرض على شاشة «ام. بي. سي» التي تُعتبر الأولى عربياً أما مسلسل «جذور» فيعرض حالياً على شاشة «أبو ظبي» وقناة «النهار» ذات المتابعة العالية؟
- لكن مسلسل «سارة» كان لبنانياً على كافة المستويات وبعد عرضه في لبنان، تم بيعه الى احدى الفضائيات العربية. كل ما يُعرض محلياً لا يلبث أن يباع ويعرض عربيا. كل شيء له سوقه ووقته، وأنا مقتنعة تماماً بذلك.
• هل ستشاركين في المسلسل الذي كتبته منى طايع؟
- لا.
• لم لا؟
- هل يجب أن اتكلم عن الأعمال التي أشارك فيها فقط؟ نفسيتي ليست كذلك على الاطلاق. منى صديقة وقد اطلعت على النص وهو جميل جداً.
• هل عُرضت عليك المشاركة ورفضت؟
- لا...
• هل ترغبين بخوض تجربة المسلسلات المشتركة؟
- لم لا، اذا أتيحت الفرصة أمامي لن أرفضها لأنها تمدني بخبرة مختلفة. العمل مع أشخاص من خارج الوطن فيه انفتاح كبير على طريقة التمثيل وادارة الممثلين وسواها من الامور. مثلا مسلسل «وداعا» من اخراج يوسف شرف الدين. صحيح أنه لبناني ولكنه يعتبر «لبناني - مصري» لانه يعيش في مصر وأخرج افلاماً مصرية الى جانب اخراجه لأعمال لبنانية، ولذلك كان العمل معه مختلفاً.
• كممثلات مخضرمات هل ترين أن الدراما المشتركة هي التي تعطي الممثلة اللبنانية حقها وهل هذا الأمر يجعلكن تشعرن باللوعة. فلو تناولنا مثلا تجربة تقلا شمعون، فنجد أنها لم تنتشر عربياً رغم براعتها وتجربتها وتاريخها الفني العريق، الا بعد مشاركتها في مسلسل «روبي»؟
- لقد تكلمتُ مع تقلا شمعون في هذا الموضوع عندما استقبلتها في برنامجي وقالت لي ان شخصية عليا في مسلسل «روبي» فتحت أمامها سوقاً آخر مختلفاً رغم أنه كانت لها تجربة مسرحية في الخارج ونالت جائزة على دورها، حتى أن الناس ينادونها «عليا» في الخارج، وهذه الناحية مهمة جداً، ولا شك في أن تقلا سعيدة جداً بها. الممثلة لا تشعر بالأسى لأنها لم تحصل سابقاً على شهرة عربية بل تفرح عندما يتحقق هذا الأمر. يجب ألا ننسى أننا عشنا فترة حرب طويلة في لبنان، والوضع لا يزال غير مستقر فيه حتى اليوم ولا أحد يعرف ماذا يمكن أن يحصل في اي لحظة. حتى عربياً، الأوضاع غير مستقرة و«منيح اللي عم نقدر نعمل انتاجات فنية». مقارنة مع تركيا وأوروبا وأميركا، نحن نبذل جهداً مضاعفاً لأننا نعيش في منطقة غير مستقرة و«كتر خيرنا» لأننا لا نزال ننتج أفلاماً ومسلسلات.
• هل ترين أنك كممثلة أصبحت محاصَرة بدور الأم؟
- حكماً، في مثل عمري دور الأم هو الأنسب لي، رغم أنهم يمكن أن يكتبوا أدوار مديرة أعمال أو مديرة شركة أو انسانة مشردة على الطريق أو امرأة تعمل في السياسة وتملك السلطة، أو وزيرة. ربما في الشرق لا يتخيل الكاتب المرأة في عمر معين أن تقوم بدور الأم بينما في الخارج يمكن أن نراها في أدوار أخرى.
• هل هذا يعني أن خيال الكتاب العرب محدود؟
- ليس محدوداً بقدر ما يشبه المجتمع الذي نعيش فيه.
• لكن مجتمعنا فيه نماذج من النساء التي أشرتِ اليها؟
- هذا صحيح. بصراحة لا أعرف لماذا لا يفكرون بهذا الاتجاه. عندنا لا يكتبون أدواراً لامرأة في سني خارج اطار الأمومة. في مسلسل «عصر الحريم» جسدت شخصية أرملة عاشت قصة حب مع محام ودخلت في مواجهة مع ابنها، لأنه رفض أن تتزوج مرة ثانية رجلاً غير والده. منى طايع قدمت في هذا العمل دور الأم ولكن في اطار مختلف.
• بين نص منى طايع ونص كلوديا مارشليان، ايهما تفضلين؟
«أحلى من بعض»، منى وكلوديا ترفعان الرأس، ومثلهما كل الكتّاب الذي يكتبون في المرحلة الحالية. منى وكلوديا تجسدان في نصوصهما المرأة القوية التي تقدم اسماً لامعاً «وبيبيض الوجه».
• اين أصبحت مشاريعك الكتابية؟
- حالياً انا أعيش فترة نقاهة، لأنني مشغولة بأشياء أخرى.
• في مجال التمثيل؟
- والتقديم أيضاً. سأشارك قريباً في مسلسل عن الحقبة التركية، كما أصور برنامجاً مؤلفاً من 25 حلقة لمصلحة احدى الشركات الخاصة. الكتابة تحتاج الى تفرغ كامل.
• هل اشتقتِ الى التقديم؟
طبعاً، أنا أحب التقديم لأنه يتيح الفرصة أمامي لتكوين علاقات انسانية. في التقديم أقدم شخصيتي كشخص بينما في التمثيل أتبنى شخصية معينة وأدافع عنها.