تأجيل الانتخابات وتمديد ولاية مجلس النواب لأكثر من 3 أشهر يعتبر غير دستوري ويعرضه للإبطال
لبنان... هواجس الخروج عن المسار الديموقراطي!






| بقلم ربيع الشاعر * |
يمر لبنان في مرحلة حرجة جداً من تاريخه المعاصر، اذ انه مهدد بالخروج عن مساره الديموقراطي عبر عدم إجراء الانتخابات النيابية المقبلة واحتمال التمديد لمجلس **النواب الحالي. وقد صادف لبنان ظروفاً مماثلة في العام 2005 إثر اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري. فما مدى دستورية احتمال التمديد لمجلس النواب في ظل حكومة مستقيلة او في ظل وجود حكومة حائزة على ثقة مجلس النواب؟
يقول الفقيه الفرنسي في القانون الدستوري جورج فوديل: «إني استاذ في القانون، اذاً أنا مختص في العلوم غير الدقيقة او بالاحرى التجريبية». بالاستناد الى هذا القول يجب الاعتراف انه لا يوجد تفسير واحد وثابت للقواعد القانونية والدستورية، وبالتالي ان أي رأي في هذا المجال هو قابل للمناقشة، وهو ليس أكثر من رأي نسبي ونظري، اذ ان القيّمين على المؤسسات الدستورية السياسية والقضائية وحدهم يمكنهــــم اعطــاءنــا الجــواب الشــافي وذلك عبـــر احترامهـــم تطبيق الدستور اللبناني، بما يحتوي من مبادئ ديموقراطية تضمن السلم الاهلي.
في ظل حكومة مستقيلة
إن توقيف مهل الترشيح الانتخابية بموجب قانون (ينتظر أن يبت بدستوريته) لا يمنع حكومة تصريف الأعمال من فتح باب الترشيح مجدداً. فقد استقر الاجتهاد الفرنسي واللبناني على اعتبار ان أي حكومة مستقيلة والمقتصرة صلاحياتها على «تصريف الاعمال» يمكنها دعوة الهيئات الناخبة وبالتالي إجراء انتخابات مقررة مسبقاً. وامتناع هذه الحكومة عن القيام بواجبها هذا، يرتب عليها مسؤولية عدم احترامها تطبيق الدستور القائل بتداول السلطة، مما يؤدي الى تعريض البلاد للدخول في فراغ على مستوى السلطة التشريعية، في نظام هو في الاساس برلماني وفي ظرف سياسي ووطني دقيق جداً ومفتوح على الاحتمالات كلها.
في حال أدت مماطلة الحكومة المستقيلة الى عدم إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، فيمكن لمجلس النواب الحالي او لمجلس النواب المقبل أن يقاضي رئيس مجلس الوزراء المستقيل والوزراء المستقيلون لإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم بحسب المادتين 70 و71 من الدستور اللبناني. إلاّ أن هذا الأمر يبقى بحكم الاجتهادات النظرية حيث لا محاسبة قانونية أو سياسية للسياسيين في لبنان.
أما في حال لم تتشكل حكومة جديدة ولم تجرِ الانتخابات في مواعيدها فلا يحق للحكومة المستقيلة ان ترسل مشروع قانون يطلب التمديد لمجلس النواب الحالي، لأن هذا الامر لا يدخل من ضمن التفسير الذي أعطاه الاجتهاد لعبارة «تصريف الاعمال»، ويحق للنواب عندها الطعن امام المجلس الدستوري والغاء التمديد. في هذه الحال نكون امام حكومة مستقيلة ومجلس نواب منتهية مدته، فما العمل؟
ان مجلس النواب المنتهية مدته هو بحكم المنحل، وتطبّق عليه احكام المادة 25 من الدستور التي تلزم مجلس الوزراء الدعوة الى إجراء انتخابات جديدة تجري وفقاً للمادة 24 وتنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة اشهر ويعتمد قانون 25/ 2008 الساري المفعول كأساس لهذه الانتخابات.
... وفي ظل حكومة جديدة
ولكن ماذا لو تشكلت حكومة جديدة ولم تجرِ الانتخابات في مواعيدها، فهل يحق لمجلس النواب ان يجدّد لذاته؟
ان النص الاصلي للمادة 24 من الدستور حدّد مدة ولاية النواب عبر الاحالة على قانون الانتخاب الصادر بموجب قرار المفوض السامي رقم 1307 تاريخ 8 مارس 1922، وبالتالي كانت مدة ولاية مجلس النواب من المبادئ الدستورية تماماً كما هي الحال في معظم دساتير الدول الديموقراطية. الاّ ان الدستور اللبناني الحالي لم يحدد مدة ولاية مجلس النواب، وتركت المادة 24 منه لقوانين الانتخاب المرعية الاجراء ان تحدد عدد النواب المنتخبين وكيفية انتخابهم وهذه ثغرة دستورية فادحة. فهل يعني ذلك ان في امكان مجلس النواب ان يزيد مدة ولايته؟ وفي حال الايجاب، ضمن اي حدود وبأي شروط؟
في رأي الدكتور ادمون رباط ان في استطاعة: «كل مجلس نواب، يتم انتخابه بموجب القانون المرعي الاجراء، ان يقرر تعديل هذا القانون وان يقرر بالتالي زيادة عدد اعضائه او تمديد ولايته او تجديدها، مع جعل قانون التعديل نافذاً فور إصداره ونشره. ولا يخفى ما لهذا الإمكان الخطير من نتائج، اذا أراد المجلس استعمال صلاحيته الدستورية بممارستها» (1).
اذا أردنا الاخذ برأي الفقيه رباط فهذا يعني ان مجلس النواب الحالي يمكنه في حال تشكلت حكومة جديدة ان يمدد ويجدد لذاته ما شاء الله من دون رقيب او حسيب. ولكن رأي الدكتور رباط جاء قبل اضافة مقدمة الدستور، التي جاء في الفقرة (ج) منها ان: «لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة...» وجاء في الفقرة (د) ان: «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة...». هذه المقدمة تضمن تداول السلطة والاحتكام الى الشعب واحترام الحريات ومنها حق الاقتراع لكي يحاسب المواطن ممثليه الذين أوكلهم تمثيله حين انتخبهم لمدة محددة فقط. ويجاري الدكتور زهير شكر هذا التوجه معتبراً: «انه كان في امكان البرلمان زيادة مدة ولايته وإعطاء القانون مفعولاً فور اصداره نظراً الى عدم وجود رقابة على دستورية القوانين في لبنان. إنشاء المجلس الدستوري وفق ما نص عليه التعديل الدستوري الاخيـــــر يحـــول دون هــذا الإمكان»(2).
علما انه قد جاء في المادة 63 من الدستور ان: «مخصصات رئيس الجمهورية تحدد بموجب قانون ولا تجوز زيادتها ولا إنقاصها مدة ولايته». فاذا كانت زيادة او إنقاص مخصصات رئيس الجمهورية مبدأ دستورياً لا مفاعيل له في مدة ولاية الرئيس، فكم بالحري عن مدة ولاية مجلس النواب التي اذا ارتأى مجلس النواب تعديلها لا يجب ان تسري مفاعيل التعديل الا على المجلس المقبل ولا يستفيد منها المجلس الذي اقرها، وخصوصاً اذا كان هذا التعديل يقضي بزيادة مدة الولاية.
ولكن سبق لمجلس النواب ان مددت ولايته بين عامي 1976 و1992 بسبب الظروف الاستثنائية بالتحديد الحرب التي حالت دون اجراء هذه الانتخابات. فهل هذا يعني انه يمكن التمديد لمجلس النواب في حال وجدت ظروف استثنائية؟ وماذا يقول الاجتهاد الفرنسي عن هذه «الظروف الاستثنائية»؟
التمديد في فرنسا
لم يمدد مجلس النواب الفرنسي ولايته الا مرتين في عامي 1918 و1940، وذلك بسبب الظروف المأسوية للحربين العالميتين الاولى والثانية.
اما في ظل الجمهورية الخامسة فغالبا ما لجأ المشرّع الى تمديد ولايات المجالس المحلية. فالقانون الرقم 66- 947 الصادر في 21 ديسمبر 1966 مدد ولاية بعض مجالس الاقضية لكي لا تتزامن مع الانتخابات النيابية، والقانون الرقم 72- 1070 الصادر في 4 كانون الاول 1972 مدد ولاية بعض مجالس الاقضية للأسباب ذاتها، والقانون الرقم 88- 26 الصادر في 8 يناير 1988 مدد ولاية بعض مجالس الاقضية لتجنب اي صعوبات في تنظيم الانتخابات الرئاسية، والقانون الرقم 90- 1103 الصادر في 11 ديسمبر 1990 مدد ولاية بعض مجالس الاقضية وقصر ولاية البعض الآخر لكي تتزامن مع انتخابات مجالس المناطق او المحافظات. وقد اصدر المجلس الدستوري الفرنسي القرار 90- 280 في 6 ديسمبر 1990 اعتبر فيه ان للمشرع الحق في تحديد مدة ولاية المجالس المحلية ولكن بشرط ان يحترم المبادئ الدستورية كحق الاقتراع وحرية المناطق المحلية في ادارة شؤونها. واعتبر ان تمديد الولاية او تقصيرها في هذه الحالة جاء بغية السماح لعدد اكبر من الناخبين بالمشاركة في الانتخابات وتجنيبهم الانتقال مرتين الى صناديق الاقتراع في مهلة زمنية قصيرة. واعتبر بأن لهذا التعديل في مدة الولاية الطابع الاستثنائي والانتقالي.
اما القانون الرقم 94 590 الصادر في 19 يوليو 1994 فقد مدد ولاية المجالس البلدية لتجنب اي صعوبات في اجراء الانتخابات الرئاسية، وفي القرار الرقم 94 341 في يوليو 1994، اعتبر المجلس الدستوري ان هذا التمديد دستوري بمجرد انه لم يتجاوز بشكل فاضح الاهداف التي من اجلها اعتمد.
واخيرا مدد القانون الرقم 96 98 الصادر في فبراير 1996 ولاية المجلس المحلي لبولينيزا الفرنسية لتجنب ان تتزامن هذه الانتخابات مع مناقشة مجلس النواب الفرنسي ادخال اصلاحات على نظام الاراضي الفرنسية الواقعة خلف البحار. وعاد واكد المجلس الدستوري الفرنسي قراراته السابقة في قراره الرقم 96 372 في فبراير 1996، اذ اعتبر ان اي تمديد لولاية المجالس المحلية هو دستوري شرط ألا يتجاوز بشكل فاضح الاهداف التي من اجلها اعتمد وان يكون استثنائيا وانتقاليا، وشرط ان يلبي هذا التمديد المصلحة العليا واعتبر انه في الامكان ادراج، ضمن تعريف المصلحة العليا، الاسباب الآتية:
- الرغبة في تجنب اي مصاعب مادية في تنظيم الانتخابات الرئاسية.
- الرغبة في تأمين استمرار الادارة المحلية.
- الرغبة في زيادة نسبة المشاركين في الانتخابات.
- الرغبة في تجنب ان تتزامن انتخابات مجلس محلي مع مناقشة مجلس النواب نصا يعدل في صلاحيات هذا المجلس المحلي.
ولكن كل هذه الامثلة السابق ذكرها تتعلق بتمديد ولاية مجالس محلية، فهل يمكننا ان نطبق المبادىء عينها في حال تمديد ولاية مجلس النواب؟
لقد حصلت سابقة في فرنسا، عندما صوّت مجلس النواب في 24 ابريل 2001 على قانون يجيز له تمديد ولايته 11 اسبوعا لكي تأتي الانتخابات النيابية بعد انتخاب رئيس الجمهورية، بحجة ان «روح الدستور الفرنسي» تقضي بأن يتم انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتخاب مجلس النواب. وقد اعتبر المجلس الدستوري في قراره رقم 2001 444 في 9 مايو 2001 ان هذا التمديد دستوري محيلا على اجتهاداته المتعلقة بتمديد ولاية المجالس المحلية، وأضاف ان دوره الرقابي على مجلس النواب ينحصر بالتأكيد في الاسباب الموجبة للتمديد بحيث لا تخالف أي مبدأ دستوري أو قاعدة ذات قيمة دستورية، وبألا تكون الطرق المعتمدة لتحقيق هذه الاسباب الموجبة غير ملائمة بشكل فاضح مع الاهداف التي دفعت المشرّع الى اللجوء الى التمديد.
وفي هذه الحالة اعتبر المجلس الدستوري ان مدة الاحد عشر اسبوعاً المطلوب تمديدها لولاية مجلس النواب هي مدة معقولة لا تخل بالمادة الثالثة من الدستور الفرنسي، والتي تنص على ما يأتي: «الناخبون مدعوون، في فترات زمنية ثابتة ودورية، لممارسة حقهم بالاقتراع»، وان هذا التمديد هو استثنائي وانتقالي ويتوافق مع الدافع الاساسي لقانون التمديد، وهو تأمين حصول الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات النيابية بالنظر الى الموقع الذي يحتله رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب الضامن حسن عمل المؤسسات الدستورية في ظل الجمهورية الخامسة.
لا تمديد لأكثر من ثلاثة أشهر
في العودة الى لبنان، هل يمكن المشترع اللبناني ان يرتكز على الاجتهاد الفرنسي ويمدد ولاية مجلس النواب المنتهية في 28 يونيو 2013؟ وما المدة التي يجوز له ان يمدد فيها ولايته؟
ان شرط المصلحة العليا للبلاد، كشرط اساسي لتبرير التمديد، متوافر في حال انتهت مدة ولاية المجلس الحالي ولم تدعُ الحكومة الجديدة الى اجراء الانتخابات. وان مسؤولية عدم إجراء الانتخابات (نظرياً) لا تقع على المجلس الحالي، إذ ان رئيس الوزراء والوزراء بعدم دعوتهم الهيئات الناخبة يتحملون مسؤولية هذا التأخير بحيث يكونوا قد وضعوا مجلس النواب امام واقع التمديد، وبالتالي ان مصلحة البلاد العليا تقضي في هذه الحالة بتمديد ولاية مجلس النواب الذي هو اساس النظام السياسي والدستوري في لبنان. ويبقى على المجلس المقبل ان يحاكم المصّرين امام المجلس الاعلى كما ذكرنا أعلاه استناداً الى المادتين 70 و71 من الدستور.
ولكن لكي يبقى هذا التمديد مراعياً للمصلحة العليا وللمبادىء الدستورية، يجب ان يكون استثنائياً من أجل «تغطية» المرحلة الانتقالية الممدد لها والتي يجب ان لا تتجاوز الثلاثة أشهر انسجاماً مع المادة 25 من الدستور كما سبق وذكرنا، التي توجب في حال حلّ مجلس النواب ان تجرى الانتخابات في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر. هذا يعني ان أي تمديد لولاية هذا المجلس لكي يكون دستورياً يجب ألا يتعدى شهر سبتمبر المقبل ووجب اجراء الانتخابات النيابية ضمن هذه المهلة، وإلا اعتبر التمديد غير دستوري ويصبح قابلا للابطال امام المجلس الدستوري.
اما اذا لم تمتثل الاكثرية النيابية ومجلس الوزراء والطبقة السياسية الحاكمة ومن ورائها من قوى نافذة لأحكام الدستور الآنفة الذكر وانتهت مدة ولاية مجلس النواب من دون اجراء الانتخابات او مددت ولايته بما يفوق الثلاثة اشهر على أبعد تقدير ولم يطعن بهذا التمديد، فهذا يعني ان هذه الطبقة السياسية فقدت أي شرعية في الاستمرار شعبيا ودستورياً وبأن النظام اللبناني الديموقراطي البرلماني تحوّل نظاماً ديكتاتورياً مفتوحاً على ثلاثة احتمالات: إما الحرب الاهلية، وإما العصيان الشعبي (هل يملك الشعب اللبناني قدرات على القيام بثورة أخرى؟) أو الاستسلام الذي سيؤدي الى تغيير وجه لبنان من خلال تغيير دستوره ونظامه السياسي.
• مسؤولية عدم إجراء الانتخابات لا تقع على المجلس الحالي بل رئيس الحكومة والوزراء يتحملون مسؤولية هذا التأخير
• يمكن لمجلس النواب الحالي أو المقبل مقاضاة الحكومة ورئيسها إذا ماطلت بإجراء الانتخابات
• امتناع الحكومة عن القيام بالدعوة للانتخابات يرتب عليها مسؤولية عدم احترام الدستور
• شرط المصلحة العليا لتبرير التمديد يعتبر متوافراً في حال انتهت مدة ولاية المجلس الحالي ولم تدعُ الحكومة الجديدة الى إجراء الانتخابات
• لكي يبقى التمديد مراعياً للمصلحة العليا يجب أن يكون استثنائياً وأن لا يتجاوز 3 أشهر انسجاماً مع المادة 25 من الدستور
• التمديد لأكثر من 3 أشهر يعني أن الطبقة السياسية فقدت أي شرعية في الاستمرار شعبياً ودستورياً
• الاجتهادان الفرنسي واللبناني استقرا على أن أي حكومة مستقيلة يمكنها إجراء الانتخابات
• الدستور اللبناني الحالي لم يحدد مدة ولاية مجلس النواب وترك الأمر لقوانين الانتخاب
* محاضر في القانون الدستوري
(1) ادمون رباط، «الوسيط في القانون الدستوري اللبناني»، ص 520.
(2) زهير شكر، «الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، نشأة ومسار النظام السياسي والدستوري، المؤسسات الدستورية»، ص 404.
يمر لبنان في مرحلة حرجة جداً من تاريخه المعاصر، اذ انه مهدد بالخروج عن مساره الديموقراطي عبر عدم إجراء الانتخابات النيابية المقبلة واحتمال التمديد لمجلس **النواب الحالي. وقد صادف لبنان ظروفاً مماثلة في العام 2005 إثر اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري. فما مدى دستورية احتمال التمديد لمجلس النواب في ظل حكومة مستقيلة او في ظل وجود حكومة حائزة على ثقة مجلس النواب؟
يقول الفقيه الفرنسي في القانون الدستوري جورج فوديل: «إني استاذ في القانون، اذاً أنا مختص في العلوم غير الدقيقة او بالاحرى التجريبية». بالاستناد الى هذا القول يجب الاعتراف انه لا يوجد تفسير واحد وثابت للقواعد القانونية والدستورية، وبالتالي ان أي رأي في هذا المجال هو قابل للمناقشة، وهو ليس أكثر من رأي نسبي ونظري، اذ ان القيّمين على المؤسسات الدستورية السياسية والقضائية وحدهم يمكنهــــم اعطــاءنــا الجــواب الشــافي وذلك عبـــر احترامهـــم تطبيق الدستور اللبناني، بما يحتوي من مبادئ ديموقراطية تضمن السلم الاهلي.
في ظل حكومة مستقيلة
إن توقيف مهل الترشيح الانتخابية بموجب قانون (ينتظر أن يبت بدستوريته) لا يمنع حكومة تصريف الأعمال من فتح باب الترشيح مجدداً. فقد استقر الاجتهاد الفرنسي واللبناني على اعتبار ان أي حكومة مستقيلة والمقتصرة صلاحياتها على «تصريف الاعمال» يمكنها دعوة الهيئات الناخبة وبالتالي إجراء انتخابات مقررة مسبقاً. وامتناع هذه الحكومة عن القيام بواجبها هذا، يرتب عليها مسؤولية عدم احترامها تطبيق الدستور القائل بتداول السلطة، مما يؤدي الى تعريض البلاد للدخول في فراغ على مستوى السلطة التشريعية، في نظام هو في الاساس برلماني وفي ظرف سياسي ووطني دقيق جداً ومفتوح على الاحتمالات كلها.
في حال أدت مماطلة الحكومة المستقيلة الى عدم إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، فيمكن لمجلس النواب الحالي او لمجلس النواب المقبل أن يقاضي رئيس مجلس الوزراء المستقيل والوزراء المستقيلون لإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم بحسب المادتين 70 و71 من الدستور اللبناني. إلاّ أن هذا الأمر يبقى بحكم الاجتهادات النظرية حيث لا محاسبة قانونية أو سياسية للسياسيين في لبنان.
أما في حال لم تتشكل حكومة جديدة ولم تجرِ الانتخابات في مواعيدها فلا يحق للحكومة المستقيلة ان ترسل مشروع قانون يطلب التمديد لمجلس النواب الحالي، لأن هذا الامر لا يدخل من ضمن التفسير الذي أعطاه الاجتهاد لعبارة «تصريف الاعمال»، ويحق للنواب عندها الطعن امام المجلس الدستوري والغاء التمديد. في هذه الحال نكون امام حكومة مستقيلة ومجلس نواب منتهية مدته، فما العمل؟
ان مجلس النواب المنتهية مدته هو بحكم المنحل، وتطبّق عليه احكام المادة 25 من الدستور التي تلزم مجلس الوزراء الدعوة الى إجراء انتخابات جديدة تجري وفقاً للمادة 24 وتنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة اشهر ويعتمد قانون 25/ 2008 الساري المفعول كأساس لهذه الانتخابات.
... وفي ظل حكومة جديدة
ولكن ماذا لو تشكلت حكومة جديدة ولم تجرِ الانتخابات في مواعيدها، فهل يحق لمجلس النواب ان يجدّد لذاته؟
ان النص الاصلي للمادة 24 من الدستور حدّد مدة ولاية النواب عبر الاحالة على قانون الانتخاب الصادر بموجب قرار المفوض السامي رقم 1307 تاريخ 8 مارس 1922، وبالتالي كانت مدة ولاية مجلس النواب من المبادئ الدستورية تماماً كما هي الحال في معظم دساتير الدول الديموقراطية. الاّ ان الدستور اللبناني الحالي لم يحدد مدة ولاية مجلس النواب، وتركت المادة 24 منه لقوانين الانتخاب المرعية الاجراء ان تحدد عدد النواب المنتخبين وكيفية انتخابهم وهذه ثغرة دستورية فادحة. فهل يعني ذلك ان في امكان مجلس النواب ان يزيد مدة ولايته؟ وفي حال الايجاب، ضمن اي حدود وبأي شروط؟
في رأي الدكتور ادمون رباط ان في استطاعة: «كل مجلس نواب، يتم انتخابه بموجب القانون المرعي الاجراء، ان يقرر تعديل هذا القانون وان يقرر بالتالي زيادة عدد اعضائه او تمديد ولايته او تجديدها، مع جعل قانون التعديل نافذاً فور إصداره ونشره. ولا يخفى ما لهذا الإمكان الخطير من نتائج، اذا أراد المجلس استعمال صلاحيته الدستورية بممارستها» (1).
اذا أردنا الاخذ برأي الفقيه رباط فهذا يعني ان مجلس النواب الحالي يمكنه في حال تشكلت حكومة جديدة ان يمدد ويجدد لذاته ما شاء الله من دون رقيب او حسيب. ولكن رأي الدكتور رباط جاء قبل اضافة مقدمة الدستور، التي جاء في الفقرة (ج) منها ان: «لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة...» وجاء في الفقرة (د) ان: «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة...». هذه المقدمة تضمن تداول السلطة والاحتكام الى الشعب واحترام الحريات ومنها حق الاقتراع لكي يحاسب المواطن ممثليه الذين أوكلهم تمثيله حين انتخبهم لمدة محددة فقط. ويجاري الدكتور زهير شكر هذا التوجه معتبراً: «انه كان في امكان البرلمان زيادة مدة ولايته وإعطاء القانون مفعولاً فور اصداره نظراً الى عدم وجود رقابة على دستورية القوانين في لبنان. إنشاء المجلس الدستوري وفق ما نص عليه التعديل الدستوري الاخيـــــر يحـــول دون هــذا الإمكان»(2).
علما انه قد جاء في المادة 63 من الدستور ان: «مخصصات رئيس الجمهورية تحدد بموجب قانون ولا تجوز زيادتها ولا إنقاصها مدة ولايته». فاذا كانت زيادة او إنقاص مخصصات رئيس الجمهورية مبدأ دستورياً لا مفاعيل له في مدة ولاية الرئيس، فكم بالحري عن مدة ولاية مجلس النواب التي اذا ارتأى مجلس النواب تعديلها لا يجب ان تسري مفاعيل التعديل الا على المجلس المقبل ولا يستفيد منها المجلس الذي اقرها، وخصوصاً اذا كان هذا التعديل يقضي بزيادة مدة الولاية.
ولكن سبق لمجلس النواب ان مددت ولايته بين عامي 1976 و1992 بسبب الظروف الاستثنائية بالتحديد الحرب التي حالت دون اجراء هذه الانتخابات. فهل هذا يعني انه يمكن التمديد لمجلس النواب في حال وجدت ظروف استثنائية؟ وماذا يقول الاجتهاد الفرنسي عن هذه «الظروف الاستثنائية»؟
التمديد في فرنسا
لم يمدد مجلس النواب الفرنسي ولايته الا مرتين في عامي 1918 و1940، وذلك بسبب الظروف المأسوية للحربين العالميتين الاولى والثانية.
اما في ظل الجمهورية الخامسة فغالبا ما لجأ المشرّع الى تمديد ولايات المجالس المحلية. فالقانون الرقم 66- 947 الصادر في 21 ديسمبر 1966 مدد ولاية بعض مجالس الاقضية لكي لا تتزامن مع الانتخابات النيابية، والقانون الرقم 72- 1070 الصادر في 4 كانون الاول 1972 مدد ولاية بعض مجالس الاقضية للأسباب ذاتها، والقانون الرقم 88- 26 الصادر في 8 يناير 1988 مدد ولاية بعض مجالس الاقضية لتجنب اي صعوبات في تنظيم الانتخابات الرئاسية، والقانون الرقم 90- 1103 الصادر في 11 ديسمبر 1990 مدد ولاية بعض مجالس الاقضية وقصر ولاية البعض الآخر لكي تتزامن مع انتخابات مجالس المناطق او المحافظات. وقد اصدر المجلس الدستوري الفرنسي القرار 90- 280 في 6 ديسمبر 1990 اعتبر فيه ان للمشرع الحق في تحديد مدة ولاية المجالس المحلية ولكن بشرط ان يحترم المبادئ الدستورية كحق الاقتراع وحرية المناطق المحلية في ادارة شؤونها. واعتبر ان تمديد الولاية او تقصيرها في هذه الحالة جاء بغية السماح لعدد اكبر من الناخبين بالمشاركة في الانتخابات وتجنيبهم الانتقال مرتين الى صناديق الاقتراع في مهلة زمنية قصيرة. واعتبر بأن لهذا التعديل في مدة الولاية الطابع الاستثنائي والانتقالي.
اما القانون الرقم 94 590 الصادر في 19 يوليو 1994 فقد مدد ولاية المجالس البلدية لتجنب اي صعوبات في اجراء الانتخابات الرئاسية، وفي القرار الرقم 94 341 في يوليو 1994، اعتبر المجلس الدستوري ان هذا التمديد دستوري بمجرد انه لم يتجاوز بشكل فاضح الاهداف التي من اجلها اعتمد.
واخيرا مدد القانون الرقم 96 98 الصادر في فبراير 1996 ولاية المجلس المحلي لبولينيزا الفرنسية لتجنب ان تتزامن هذه الانتخابات مع مناقشة مجلس النواب الفرنسي ادخال اصلاحات على نظام الاراضي الفرنسية الواقعة خلف البحار. وعاد واكد المجلس الدستوري الفرنسي قراراته السابقة في قراره الرقم 96 372 في فبراير 1996، اذ اعتبر ان اي تمديد لولاية المجالس المحلية هو دستوري شرط ألا يتجاوز بشكل فاضح الاهداف التي من اجلها اعتمد وان يكون استثنائيا وانتقاليا، وشرط ان يلبي هذا التمديد المصلحة العليا واعتبر انه في الامكان ادراج، ضمن تعريف المصلحة العليا، الاسباب الآتية:
- الرغبة في تجنب اي مصاعب مادية في تنظيم الانتخابات الرئاسية.
- الرغبة في تأمين استمرار الادارة المحلية.
- الرغبة في زيادة نسبة المشاركين في الانتخابات.
- الرغبة في تجنب ان تتزامن انتخابات مجلس محلي مع مناقشة مجلس النواب نصا يعدل في صلاحيات هذا المجلس المحلي.
ولكن كل هذه الامثلة السابق ذكرها تتعلق بتمديد ولاية مجالس محلية، فهل يمكننا ان نطبق المبادىء عينها في حال تمديد ولاية مجلس النواب؟
لقد حصلت سابقة في فرنسا، عندما صوّت مجلس النواب في 24 ابريل 2001 على قانون يجيز له تمديد ولايته 11 اسبوعا لكي تأتي الانتخابات النيابية بعد انتخاب رئيس الجمهورية، بحجة ان «روح الدستور الفرنسي» تقضي بأن يتم انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتخاب مجلس النواب. وقد اعتبر المجلس الدستوري في قراره رقم 2001 444 في 9 مايو 2001 ان هذا التمديد دستوري محيلا على اجتهاداته المتعلقة بتمديد ولاية المجالس المحلية، وأضاف ان دوره الرقابي على مجلس النواب ينحصر بالتأكيد في الاسباب الموجبة للتمديد بحيث لا تخالف أي مبدأ دستوري أو قاعدة ذات قيمة دستورية، وبألا تكون الطرق المعتمدة لتحقيق هذه الاسباب الموجبة غير ملائمة بشكل فاضح مع الاهداف التي دفعت المشرّع الى اللجوء الى التمديد.
وفي هذه الحالة اعتبر المجلس الدستوري ان مدة الاحد عشر اسبوعاً المطلوب تمديدها لولاية مجلس النواب هي مدة معقولة لا تخل بالمادة الثالثة من الدستور الفرنسي، والتي تنص على ما يأتي: «الناخبون مدعوون، في فترات زمنية ثابتة ودورية، لممارسة حقهم بالاقتراع»، وان هذا التمديد هو استثنائي وانتقالي ويتوافق مع الدافع الاساسي لقانون التمديد، وهو تأمين حصول الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات النيابية بالنظر الى الموقع الذي يحتله رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب الضامن حسن عمل المؤسسات الدستورية في ظل الجمهورية الخامسة.
لا تمديد لأكثر من ثلاثة أشهر
في العودة الى لبنان، هل يمكن المشترع اللبناني ان يرتكز على الاجتهاد الفرنسي ويمدد ولاية مجلس النواب المنتهية في 28 يونيو 2013؟ وما المدة التي يجوز له ان يمدد فيها ولايته؟
ان شرط المصلحة العليا للبلاد، كشرط اساسي لتبرير التمديد، متوافر في حال انتهت مدة ولاية المجلس الحالي ولم تدعُ الحكومة الجديدة الى اجراء الانتخابات. وان مسؤولية عدم إجراء الانتخابات (نظرياً) لا تقع على المجلس الحالي، إذ ان رئيس الوزراء والوزراء بعدم دعوتهم الهيئات الناخبة يتحملون مسؤولية هذا التأخير بحيث يكونوا قد وضعوا مجلس النواب امام واقع التمديد، وبالتالي ان مصلحة البلاد العليا تقضي في هذه الحالة بتمديد ولاية مجلس النواب الذي هو اساس النظام السياسي والدستوري في لبنان. ويبقى على المجلس المقبل ان يحاكم المصّرين امام المجلس الاعلى كما ذكرنا أعلاه استناداً الى المادتين 70 و71 من الدستور.
ولكن لكي يبقى هذا التمديد مراعياً للمصلحة العليا وللمبادىء الدستورية، يجب ان يكون استثنائياً من أجل «تغطية» المرحلة الانتقالية الممدد لها والتي يجب ان لا تتجاوز الثلاثة أشهر انسجاماً مع المادة 25 من الدستور كما سبق وذكرنا، التي توجب في حال حلّ مجلس النواب ان تجرى الانتخابات في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر. هذا يعني ان أي تمديد لولاية هذا المجلس لكي يكون دستورياً يجب ألا يتعدى شهر سبتمبر المقبل ووجب اجراء الانتخابات النيابية ضمن هذه المهلة، وإلا اعتبر التمديد غير دستوري ويصبح قابلا للابطال امام المجلس الدستوري.
اما اذا لم تمتثل الاكثرية النيابية ومجلس الوزراء والطبقة السياسية الحاكمة ومن ورائها من قوى نافذة لأحكام الدستور الآنفة الذكر وانتهت مدة ولاية مجلس النواب من دون اجراء الانتخابات او مددت ولايته بما يفوق الثلاثة اشهر على أبعد تقدير ولم يطعن بهذا التمديد، فهذا يعني ان هذه الطبقة السياسية فقدت أي شرعية في الاستمرار شعبيا ودستورياً وبأن النظام اللبناني الديموقراطي البرلماني تحوّل نظاماً ديكتاتورياً مفتوحاً على ثلاثة احتمالات: إما الحرب الاهلية، وإما العصيان الشعبي (هل يملك الشعب اللبناني قدرات على القيام بثورة أخرى؟) أو الاستسلام الذي سيؤدي الى تغيير وجه لبنان من خلال تغيير دستوره ونظامه السياسي.
• مسؤولية عدم إجراء الانتخابات لا تقع على المجلس الحالي بل رئيس الحكومة والوزراء يتحملون مسؤولية هذا التأخير
• يمكن لمجلس النواب الحالي أو المقبل مقاضاة الحكومة ورئيسها إذا ماطلت بإجراء الانتخابات
• امتناع الحكومة عن القيام بالدعوة للانتخابات يرتب عليها مسؤولية عدم احترام الدستور
• شرط المصلحة العليا لتبرير التمديد يعتبر متوافراً في حال انتهت مدة ولاية المجلس الحالي ولم تدعُ الحكومة الجديدة الى إجراء الانتخابات
• لكي يبقى التمديد مراعياً للمصلحة العليا يجب أن يكون استثنائياً وأن لا يتجاوز 3 أشهر انسجاماً مع المادة 25 من الدستور
• التمديد لأكثر من 3 أشهر يعني أن الطبقة السياسية فقدت أي شرعية في الاستمرار شعبياً ودستورياً
• الاجتهادان الفرنسي واللبناني استقرا على أن أي حكومة مستقيلة يمكنها إجراء الانتخابات
• الدستور اللبناني الحالي لم يحدد مدة ولاية مجلس النواب وترك الأمر لقوانين الانتخاب
* محاضر في القانون الدستوري
(1) ادمون رباط، «الوسيط في القانون الدستوري اللبناني»، ص 520.
(2) زهير شكر، «الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، نشأة ومسار النظام السياسي والدستوري، المؤسسات الدستورية»، ص 404.