أوراق ملونة / انتظر الآتي... ولم يأت!

تصغير
تكبير
| بريشة وقلم علي حسين|

كنت يوما في منتجع اندونيسي في مدينة بغور الجبلية... فأصبحت باكرا ذاكرا لله وحده... لأخرج بعد ذلك من غرفة الكوخ الخشبي، متجولا في حديقة المنتزة التي لم تر عيناي قط جمال خضرة كجماله، فحرت من أين أبدأ طريقي، هل إلى النهر القريب الذي لا يبعد عني سوى أمتار قليلة أم إلى الشلال المنهمر وحوض الماء الذي يسقيه وبلحظة القرار مرت أمامي فراشتان جميلتان تداعب كل منهما الاخرى في مرح وسرور، فتتبعتهما مستمتعاً بشكلهما الأصفر الزاهي كأنهما وردتان حلقتا في الفضاء تتطايرن حبا وعذوبة، حلقتا مسافة ثم حطتا على غصن مزهر، دنوت منهما فدنوتا من بعضهما، حاولت عبثا أن أفرقهما حين لوحت بيدي لكنهما ظلتا ملتصقتين ودودتين لم تأبها بما صنعت، حلقتا مرة أخرى ولعبتا من حولي، وانا اتامل ذلك الزوج البهيج كيف سكنه الحب والود الجميل، كأنهما أرادتا حين دنوتا مني أن يهمسا برسالة نصح بالغة تقول بحب كبير: ماذا تصنع هنا وحدك أيها العازب الوحيد، فانك مهما سافرت بعيدا إلى بلاد الله الواسعة لن تنعم بجمال الدنيا وزينتها، لان الحياة بغير الأزواج وحشة هالكة والحب فيها عنوان رحمة صادقة وسكن لمن تاه دربه في الدنيا؟، انظر إلينا والى أرواحنا كيف ذابت شوقا وحبا فينا حتى وان افترقنا إلى ذكر وأنثى، لكننا في النهاية نشكل نفسا واحدة خلقت لتحب وتنجب وليكتمل فرحها في سعادة ابدية دائمة؟؟.. أنصت إلى همس الفراشتين ونظرت إليهما بصمت وسكنني حينها الخوف وقلت لنفسي: ماذا تراني اصنع هنا وحدي في هذا الجنة الفردوسية دون حبيبة يرف لها القلب وتسكن لها المودة؟

لكن مشهد الصمت لم يطل حين هز المكان صوت الرعد الكبير، فرفعت رأسي إلى السماء لأنظر، واذا بسحب ركامية أتت من بعيد؟ انهمر مطرها فجأة؟ غادرت الفراشتان وعدت مسرعا إلى كوخي الصغير محتميا من المطر الغزير، الذي لم اعرف سبب مجيئه في ذلك اليوم الصحو الجميل؟ غادرت المكان لأعود الى الكويت.

عدت لأرسم وارسم، وارسم لوحات معرضي الأول فرسمت من اللوحات ما أردت أن أبينه للناس جمال المتناقضات؟، فرسمت يوما وبدقائق معدودة تلك الفراشتين، في فضاء اللوحة الابيض؟

علقت اللوحة في يوم المعرض في الزاوية البعيدة، وانشغلت بالافتتاح مرحبا وشاكرا لكل من حضر وبعد ساعة من الزمن أتاني زوجان رائعان عرفا بنفسيهما، ثم طلبا بأدب لوحة الفراشتين فسألت عن سبب اختيارهما لتلك اللوحة فقالا: لنا قصة حب أردنا أن نتممها بلوحتك المعبرة هل نستطيع اقتناءها؟، أجبتهما باسما: بالطبع؟ وكنت فرحا انا أيضا لان الرسالة وصلت مبلغها من العلم والفن، غادر الحضور وبقيت وحدي في المكان متوحشا أرضه فأوصدت باب المعرض الصغير، لأنظر إلى السماء وإذا هي ملونة بغيوم سوداء كريهة نتنة، تنذر بعواصف كبيرة أحاطتني من كل جانب ينهمر مطرها الأسود علي دون رحمة... دون رحمة... دون رحمة؟، بلل المطر ثيابي وسود حياتي حين سرقت تلك الغيوم المتصابئة فرح عمري وسنوات شبابي طال صبري وطال انتظاري إلى الحلم الغائب الآتي؟ فرفعت يدي إلى السماء مناجيا الهي بدعاء خفي: اللهم انك تعلم بحالي وأنت ارحم الراحمين... كتبت آجالنا وأقدارنا بعلمك ونورك العظيم ونحن لك يارب مسلمون مؤمنون موحدون... الهي لا أسالك من هذه الفانية إلا زوجة على سنة الله ورسوله فانك وحدك تعلم ان حلمي كان منذ سنوات دراستي الجامعية زوجة صالحة لا بقرة صارفة، اللهم تمم فرحي اللهم تمم فرحي وأكمل نصف ديني يا ولي الصابرين.


* كاتب وفنان تشكيلي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي