قصة قصيرة / الحقيقة مؤلمة

تصغير
تكبير
| ساندرا عهد صوفان |

كم كان فرحا حين وقعت عيناه على شهادته قبل انتقاله للجامعة، لقد نجح في امتحانات الثانوية العامة وبدأ يستعد لمرحلة حياتية جديدة، انها المرحلة الجامعية بما تعنيه لكل شاب طموح.

لم تكن لديه معرفة بعالمه الجديد... عالم الجامعة الحلم، ولا حتى أدنى فكرة، فقد انتقل الى الجامعة بعيدا عن والديه حيث كانت المرة الأولى التي يودع فيها والديه اللذين أحبهما بجنون فقد كانا كل شيء في حياته.

بالفعل كانت أيامه التالية رائعة حقا، فقد استطاع أن يكتشف أن ذلك المكان كان واسعا جدا وجميلا، كان يتلقى العلم والمعرفة بنهم ورغبة شديدين. يشاركه صديقه غرفة نومه ودراسته، كان رفيقه في غرفته شخصا طيبا ودودا سرعان ما أصبحت صداقتهما كبيرة ومتينة. بعد مرور أسبوع استيقظ من نومه... فجأة وقد أيقن أنه تأخر على صفه فضرب الساعة بيده، وهرول الى الخارج وهو يحمل حقيبته وبعض الكتب في يده، لم يكن يرى أمامه، كان كل ما يهمه هو أن يصل الى صفه، ومن دون وعي لم ير نفسه الا وقد هوى على الأرض، ثم سمع صوت شيء يرتطم بالأرض، فأيقن أنها كتبه وبسرعة ومن دون أن يلتفت حتى الى الشخص الذي اصطدم به، أسرع يلم أغراضه عن الأرض، وعندما نهض جفل عندما رأى شخصا يقف أمامه يعتذر له، لم يكن فيه أي شيء سوى أنه رأى فيه صورة له، لقد كان يشبهه كثيرا حتى ظن أنه ربما يتخيل أشياء، وكأنه ينظر الى نفسه في المرآة. اعتذرا لبعضهما وانصرفا وبعد أسبوع التقاه ثانية في استراحة الكلية، يجلس قريبا منه ودون ارادته حياه وسلم عليه، وفي اليوم التالي أحس برغبة في لقائه فبحث عن الفرصة المناسبة لكي يقابله ويتعرف اليه، وكان له ما أراد، جلس معه وسأله عن نفسه وأهله وكل شيء فيه. وتبين أنه أصغر منه بسنتين، أصبحا أعز صديقين. اقترح زميله الجديد أن يدعوه الى بيته فوافق فورا، ان هذه فرصة ليتعرف عليه أكثر، كان جو منزل صديقه جوا دافئا وجميلا، أحس كأنما يجلس في بيته، بين عائلته وكان يشعر بالسعادة البالغة والراحة النفسية القصوى، وكأنه قد زار هذا المنزل مرات عدة. عرفه صديقه على والديه... لاحظ أن والد صديقه أخذ يختلس النظر اليه عدة مرات ليتفحصه بعناية وقد بدت عيناه تريدان أن تقولا شيئا.

ترددت الزيارات وكثرت روابطهما وعلاقتهما ببعضهما البعض، كان متشوقا ليخبر والديه عن زميله الجديد في الجامعة، الا أن والديه بديا مرتبكين ويحاولان أن يخفيا شيئا، وبخاصة عندما قال لهما اسم عائلة صديقه الجديد... وعاد الى جامعته ليكمل دراسته. لاقى عونا كبيرا من صديقه في فترة الامتحانات وأصبح لا يطيق أن يجلس ثانية من دونه أو أن يمر أسبوع دون أن يزوره في بيته ولم يستطع كبت مشاعره لوقت طويل فأخبر والديه مجددا عندما عاد اليهما في عطلة نهاية الأسبوع، عن صفات أوفى صديق له وقد لاحظ التردد والارتباك واحمرار وجه أمه... وتساءل عما يخفونه ولما سمعوا تساؤلاته أخذاه على جنب وأخبراه بالحقيقة، الحقيقة التي صعقته تماما وأوقفت شعر رأسه، هذان الشخصان اللذان يقفان أمامه ليسا والديه الحقيقيين، لقد هجر أبوه أمه عندما كان طفلا وماتت أمه بعد فترة قصيرة فتبناه جيران أمه التي كانت تعيش وحيدة مع طفلها الأمل والحلم في هذه الدنيا، وأن والده الحقيقي هو والد صديقه الجديد، لقد كان صديقه العزيز على قلبه أخاه!

لم يستطع أن يصدق ذلك لدقيقة واحدة، لقد كانت مشاعره صادقة تجاه تلك العائلة وذلك الشبه بينهما لم يكن عاديا، حسنا، انهما أخوان غير شقيقين وبنظرة التأمل البعيدة للعالم، استطاع أن يعرف كم أن الحقيقة كانت مؤلمة ولكنها مدهشة أحيانا، بما تخفيه بين طيات حروفها ولن يفرقه الآن عن أخيه سوى الموت... لقد كان الألم أكبر من الفرحة. تألم لأن أباه ترك أمه وحيدة تعاني مع طفلها الوحيد. تألم لأن أمه ماتت حزينة من قسوة الحياة. تألم لأنه سيبتعد ولو قليلا عن والديه اللذين ربياه وأحباه، ولكن لديه فرحة اللقاء بوالده وأخيه!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي