خواطر تقرع الأجراس / تعتيم النور وتنوير العتمة

مصطفى سليمان


| مصطفى سليمان |
لليل بعتمته عندما يغشى رهبةٌ. لذلك ارتبط ظلامه بالأشباح والجن والعفاريت. وفي القرآن الكريم إشارة إلى رهبة الليل وشره: «ومن شر غاسق إذا وقب»**. وللجاحظ تفسير لظهور الأشباح في مخيلة البدو في عتمة الصحراء وسكونها، ردّاً على من يدّعي تهيُّؤَ الجن والعفاريت له في لياليها الموحشة.
والأطفال يخشون العتمة بالفطرة غير الأصيلة، أو بالتخويف المتعمَّد. وهذا يمكن فهمه وتسويغه، أما أن يخشى الكبار النور فهذا أمر عجب!
وقد مرت البشرية في حبوها على سُلَّم الحضارة، وارتقائها معارج الوعي، بمراحل متناقضة من تعتيم النور، وتنوير العتمة. أُحرِق مفكرون وفلاسفة، مع كتبهم، تحت منصة صليب محاكم التفتيش، لأنهم كانوا ينوّرون عتمة الوعي البشري. وجُلِد شعراء حتى الموت، وهُجِّر كثير من المفكرين والشعراء عن أوطانهم، أو نَهش تعذيبُ الزنازين ورطوبتها وعتمتها أرواحَهم.
العظيم غاليليو لم يحصل على البراءة من الهرطقة إلا في العصر الحديث، بعد مئات القرون، حين أعاد الفاتيكان محاكمته في القرن العشرين، والغريب أن بعض رجال الكنيسة ممن حاكمه متهَّم بالميول الجنسية المثلية، أو اغتصاب الأطفال تحت سقف الكنيسة، وفي رحابها المقدسة!
في أميركا «ما غيرها» كان يوجين مكارثي يشن حرباً شعواء على المفكرين الأميركيين اليساريين: اعتقالاً واغتيالاً، جسدياً أو فكرياً. حتى صارت المكارثية علَماً على الا ضطهاد الفكري وتعتيم النور. وقد يرى بعضهم أن اليسار ليس نوراً ليُعتَّم. كما يرى بعضهم أن اليمين ظلام يجب تعتيمه! هذه هي معادلة السوفسطائي بروتاغوراس: «الإنسان مقياس الأشياء». إسماعيل صدقي «مكارثي مصر» زمن الملكية الفاسدة، كان يرسل كلابه البوليسية مع طلائع الفجر ليلقي القبض على كل المتهَّمين بتنوير العتمة! يزج بهم في عتمة الزنازين التي صارت منارات مضيئة، وانطفأ مكارثي مصر.
واليوم نشهد من يسعون إلى تعتيم النور. يؤسسون أحزاباً تحمل وياللسخربة! اسم النور. يغتالون الجسد والفكر والروح والوجدان... والدين ذاته!. يُفتون بقتل كل متظاهر سلمي في الشوارع الغاضبة، الجائعة للخبز، والحرية، والكرامة الإنسانية. ويصدرون فتاوى فضائية تقشعر لها الأبدان من تفخيذ الرضيعة، وإرضاع الكبار، إلى مضاجعة الزوجة المتوّفّاة قبل مضي ستّ ساعات على وفاتها! وإلى... وإلى... وإلى...
من هؤلاء؟ من يحاسبهم؟ من يغتال فكرهم، بالفكر المتنوِّر؟ لا بالأحزمة الناسفة، ولا بطلقة مشحونة ببارود الفقه الإرهابي؟! ما أعظمك يا جبران: «وقاتل الجسم مقتول بفعلته/ وقاتل الروح لا تدري به البشر»!
لا بد من حملة مكارثية بالمفهوم الحضاري الإيجابي، لا القمعي، لتنوير العتمة، مقابل من يسعى إلى تعتيم النور.
*كاتب سوري
لليل بعتمته عندما يغشى رهبةٌ. لذلك ارتبط ظلامه بالأشباح والجن والعفاريت. وفي القرآن الكريم إشارة إلى رهبة الليل وشره: «ومن شر غاسق إذا وقب»**. وللجاحظ تفسير لظهور الأشباح في مخيلة البدو في عتمة الصحراء وسكونها، ردّاً على من يدّعي تهيُّؤَ الجن والعفاريت له في لياليها الموحشة.
والأطفال يخشون العتمة بالفطرة غير الأصيلة، أو بالتخويف المتعمَّد. وهذا يمكن فهمه وتسويغه، أما أن يخشى الكبار النور فهذا أمر عجب!
وقد مرت البشرية في حبوها على سُلَّم الحضارة، وارتقائها معارج الوعي، بمراحل متناقضة من تعتيم النور، وتنوير العتمة. أُحرِق مفكرون وفلاسفة، مع كتبهم، تحت منصة صليب محاكم التفتيش، لأنهم كانوا ينوّرون عتمة الوعي البشري. وجُلِد شعراء حتى الموت، وهُجِّر كثير من المفكرين والشعراء عن أوطانهم، أو نَهش تعذيبُ الزنازين ورطوبتها وعتمتها أرواحَهم.
العظيم غاليليو لم يحصل على البراءة من الهرطقة إلا في العصر الحديث، بعد مئات القرون، حين أعاد الفاتيكان محاكمته في القرن العشرين، والغريب أن بعض رجال الكنيسة ممن حاكمه متهَّم بالميول الجنسية المثلية، أو اغتصاب الأطفال تحت سقف الكنيسة، وفي رحابها المقدسة!
في أميركا «ما غيرها» كان يوجين مكارثي يشن حرباً شعواء على المفكرين الأميركيين اليساريين: اعتقالاً واغتيالاً، جسدياً أو فكرياً. حتى صارت المكارثية علَماً على الا ضطهاد الفكري وتعتيم النور. وقد يرى بعضهم أن اليسار ليس نوراً ليُعتَّم. كما يرى بعضهم أن اليمين ظلام يجب تعتيمه! هذه هي معادلة السوفسطائي بروتاغوراس: «الإنسان مقياس الأشياء». إسماعيل صدقي «مكارثي مصر» زمن الملكية الفاسدة، كان يرسل كلابه البوليسية مع طلائع الفجر ليلقي القبض على كل المتهَّمين بتنوير العتمة! يزج بهم في عتمة الزنازين التي صارت منارات مضيئة، وانطفأ مكارثي مصر.
واليوم نشهد من يسعون إلى تعتيم النور. يؤسسون أحزاباً تحمل وياللسخربة! اسم النور. يغتالون الجسد والفكر والروح والوجدان... والدين ذاته!. يُفتون بقتل كل متظاهر سلمي في الشوارع الغاضبة، الجائعة للخبز، والحرية، والكرامة الإنسانية. ويصدرون فتاوى فضائية تقشعر لها الأبدان من تفخيذ الرضيعة، وإرضاع الكبار، إلى مضاجعة الزوجة المتوّفّاة قبل مضي ستّ ساعات على وفاتها! وإلى... وإلى... وإلى...
من هؤلاء؟ من يحاسبهم؟ من يغتال فكرهم، بالفكر المتنوِّر؟ لا بالأحزمة الناسفة، ولا بطلقة مشحونة ببارود الفقه الإرهابي؟! ما أعظمك يا جبران: «وقاتل الجسم مقتول بفعلته/ وقاتل الروح لا تدري به البشر»!
لا بد من حملة مكارثية بالمفهوم الحضاري الإيجابي، لا القمعي، لتنوير العتمة، مقابل من يسعى إلى تعتيم النور.
*كاتب سوري