| عبدالعزيز الكندري |
أصدر الرئيس المصري محمد مرسي إعلانا دستوريا يحتوي على مجموعة من المواد ، وهي إقالة النائب العام المصري وإعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين ومنع حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى ، إضافة إلى المادة التي تسببت في تهييج الشارع والإعلام المصري الداخلي والخارجي وهي تحصين قرارات الرئيس ولا يمكن وقف تنفيذها أمام أي جهة قضائية كانت.
بعد ذلك خرج المعارضون للرئيس من جميع الأحزاب للشوارع معبرين عن عدم ارتياحهم من «تحصين قرارات الرئيس» واعتبروا ذلك عودة للنظام القديم بل تطرف بعضهم وقال ان الرئيس تحول إلى «فرعون» و «ديكتاتور» والبعض رددوا عبارة «يسقط يسقط حكم المرشد» في اشارة المرشد العام للإخوان المسلمين ، وصاحب ذلك تراشق لفظي وإعلامي وقانوني بين المتخاصمين، فهل من الموضوعية أن نقارن التجربة الوليدة للرئيس الجديد وفي أشهر قليلة مع حكم النظام السابق الذي استمر عشرات السنين، واستباح أموال البلد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، إضافة لوجود أكثر من 10 ملايين فرد عاطل عن العمل!
نعم قد يكون الرئيس الجديد أخطأ في الإعلان الدستوري ولديه نقص خبرة، ولكن لا يعني ذلك انقلابا على الشرعية وهو جاء بانتخابات وليس بالوراثة أو على ظهر دبابة، وهو متفاجئ بشراسة المعارضة الداخلية والمدعومة من أطراف خارجية، وكان ذلك واضحا في الخطاب الذي ألقاه ودعا المعارضه للحوار... وقاطعت المعارضة المتمثلة بـ «جبهة الإنقاذ» هذا الحوار ، ولكن الملفت للمراقب والمحلل هو تحالف العلمانية والليبرالية ومدعي الدولة المدنية مع الفلول المتمرسين في الفوضى من النظام السابق ضد قرارات الرئيس مرسي ، وكان ذلك واضحا للعيان وللقاصي والداني ، وقد عبر بعضهم عن ذلك في وسائل التواصل... حيث قال أحدهم انه «لا يثق بحكم الجمهور» ، وآخر طلب «منع الأميين والبكم من التصويت»، وهذا فيه استعلام واضح من مدعي الدولة المدنية ، بل بعضهم استقوى بأطراف خاجية على الرئيس المنتخب ، فكيف نصدقهم في مقبل الأيام ، وأن يتم حرق 29 مقرا للإخوان وفي وقت واحد متزامن دون أن يعترض أحد من خصوم «مرسي» السياسيين من العمل غير الأخلاقي! والذي أرادوا فيه جر البلد لمعركة هامشية وتغييب القضية الكبرى وهي الاستقرار.
بصراحة... لم أكن أتوقع في يوم من الأيام تحالف العلمانية والإعلام العربي مع فلول النظام السابق أبدا ، بل أصبحوا حلفاء لكثير من الأنظمة ضد تطلعات شعوبها والذي تخلى بدوره عن المهنية والموضوعية ، وبينت الأحداث بأن الدولة المدنية والحديث عنها في العالم العربي مجرد موضة يتم استخدامها وقت الحاجة ، وأنهم من أبعد الناس عن الدولة المدنية... نعم الطرفان مخطئان في تقدير الأمور ، وذلك بسبب نقص الخبرة لدى الرئيس الجديد ، وتمرس كبير في إدارة الفوضى من قبل الفلول ، ولكن تحالف الفلول الذين اعتادوا على الصراع على الثروة ومدعي الدولة المدنية مع بعض غير مبرر أبدا.
إذاً من الواضح بأن المشهد السياسي سيطول بعض الشيء قبل أن يستقر ، فهناك رجال أعمال ومتنفذون ومتغلغلون في أجهزة الدولة لا يريدون أن يكون هناك مجلسا للشعب ، ويودون إطالة مدة الفوضى حتى يتم إسقاط الرئيس والتجربة الوليدة ، وهذا ما توده دول عربية كثيرة ، لأنها تعتقد بأن استقرار مصر ونجاح الإخوان يسبب خطر استراتيجي على بقائهم أطول. مطلوب من الإخوان اليوم أن يكونوا على قدر أكبر من المسؤولية، والانفتاح على شرائح المجتمع كافة، وفصل العمل السياسي عن باقي الأعمال في الجماعة «الإخوان المسلمين»، والاستفادة والاقتداء بالتجربة التركية ، وهي تجربة تحتاج من الإخوان التضحية بكثير من الخلفيات الفكرية المسبقة والتي من الاستحالة تطبيقها.
أما الدستور المصري الجديد فهو يمثل نقلة نوعية في دساتير العالم العربي ، وهذا ما لا يريده أكثر هذه الأنظمة...، والذي حدد مدة ولاية الرئيس بأربع سنوات ولفترتين من غير تجديد والتي كانت في عهد النظام السابق 6 سنوات وبمدد مفتوحة ، إضافة إلى أنه غل يد الرئيس في حل المجالس المنتخبة وكانت في العهد السابق تحل بأمر الرئيس ، ونزع صلاحيات الرئيس ووزعها على المجالس المختلفة ، ومنع رئيس الجمهورية من مزاولة العمل التجاري ومن تسلم الهدايا التي تقدم له ، وذكر بأن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيس للتشريعات المنظمة لأحولهم الشخصية ، وشؤونهم الدينية ، إضافة إلى المادة التي تسمح طلب اللجوء السياسي وهي مادة رقم «57» حيث تمنح الدولة حق الالتجاء للأجانب المحرومين في بلادهم من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور.
akndary@gmail.comakandary@