محمد العوضي / خواطر قلم / المثقف... وفسوق تغريدات المسيرات!
عرضت إذاعة الـ «B.B.C» العربية الأسبوع الماضي برنامجاً حوارياً عن المعارك اللفظية المتصاعدة في القبح على شاشات القنوات العربية بل تجاوز الحد إلى الاشتباك بالأيدي والتقاذف بالكراسي وفي قناة أردنية أشهر أحد الضيوف مسدسه في وجه خصمه!!
هذا الصراع تتلقاه الشعوب بكل فئاتها الاجتماعية والعمرية. فماذا يكون الأثر والانطباع لدى الناس وهم يرون رموزهم الثقافية أو الفكرية أو السياسية بهذا المستوى؟
هذه مقدمة للجزء الثالث والأخير من سلسلة مقالاتي عن تغريدات المثقف وتوتره... إذ بقي السؤال عن أسباب توتر المثقف في حواراته على تويتر؟
ولا يسمح المجال هنا لتعريف (المثقف) هذا المصطلح الفضفاض والمطاط بل دعونا نأخذ منه مفهوماً كلياً ألا وهو ذلك الذي يتصدر مشهد التوجيه النقدي والتنظيري علناً في وسائل الاشهار المتعددة.
ولعل أول أسباب توتر المثقف مثاليته في معاييره ما يجعله بعيداً عن الواقعية بمعنى الاستيعاب لا بقصد النزول والاستسلام للواقع. وربما كرست عزلة المثقف بين الكتب والبحث والتنظير شيئاً من هذه المثالية وفقدان الدرب على التعاطي المباشر والتفصيلي مع الجماهير الغفيرة.
وتأتي أسباب توتر المثقف في عالم (تويتر) النرجسية والتعالي والتمركز حول الذات وتضخم (الأنا) فهو اعتاد على العطاء والتنظير وعلى الآخرين التقبل والتسليم وفي خُلده (من هذا أو هؤلاء حتى يعارضوني أو حتى يفهموني) لكن سرعان ما انكشف وهمه ففي كل فكرة يطرحها بتغريدة تأتيه التعليقات والاستدراكات والتصويبات ممن هم في سن أولاده أو أصغر طلابه! هنا يتفجر غيظاً حيث كسر غروره ولكن كان من المتواضعين علمياً ليتعاطى بشكل ناضج مع ناقديه أو مخالفيه.
وثالث الأسباب أزمة عنصر الوقت في حوار تويتر وتجزئة الفكرة على تغريدات قصيرة يضطر المثقف التنازل عن سياقات وألفاظ في سبيل حشر المعنى، وهذا يضيع عليه تألقه وعفويته وأصالة تعبيره ما يضر بالدلالات الدقيقة لفكرته.
فكيف بالله عليكم يستطيع الإنسان أن يناقش سؤالاً عن العدمية أو التصوف الفلسفي أو ماهية الإنسان أو صلة فيزياء الجسيمات الدقيقة بنظرية المعرفة وهدم البدهيات العقلية أو الفرق الدقيق بين التطور الداروني العشوائي والتطور الموجه ذي القصد والمعنى ... الخ.
ورابعاً: إلحاح الناس على المثقف أن يدلي برأيه وموقفه في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية ويريدون رأياً قطعياً ونهائياً... كأحداث مصر أو البحرين أو الكويت. والتي يدوخ الإنسان من تباين تحليلات مراكز البحث المتخصصة والخبراء الاستراتيجيين فأنى له أن يكون قاطعاً في رأيه والأحداث فيها من الغموض والتحولات السريعة والمباغتة.
ومن أسوأ أسباب توتر المثقف المغرد التشكيك بنواياه والتصنيف من أجل إلغائه أو هدمه أو التأليب عليه وهنا قد يقع المثقف في فخ الاستنزاف فيتحول من حالة الفعل إلى حالة رد الفعل ومن العطاء المنهجي الى التوضيح والتبرير ومن الخطاب العام الى الانشغال بتفهيم هذا ورد شبهة ذاك.
وأخيراً (الحماقات) أقصد التطاول على ذات الشخص في دينه وعرضه وولائه ويصبح اللون الأزرق أو الأصفر تزكيةً أو سبّةً دون فهم لتداخل المعاني ومن غير فرز للتنوع في اللون الواحد.
وأقسى ما يقع على نفسية المثقف المتصدر عندما يرى زملاء الكتاب والقلم والمنبر والحوار ينزلقون في أتون معركة التجريح القبيح فبدلاً من أن يرتقي بخطاب العامة وينتشل لغتهم ولو بتخفيف القذف المتبادل وإذ بك تجده قبل أو بعد أو أثناء كلِ نشاط سياسي أو مسيرةٍ أو مظاهرة أو اعتصام في طليعة شذاذ المغردين (مع) أو (ضد) يمارس فنوناً من فسوق التغريدات.
محمد العوضي
mh-awadi
هذا الصراع تتلقاه الشعوب بكل فئاتها الاجتماعية والعمرية. فماذا يكون الأثر والانطباع لدى الناس وهم يرون رموزهم الثقافية أو الفكرية أو السياسية بهذا المستوى؟
هذه مقدمة للجزء الثالث والأخير من سلسلة مقالاتي عن تغريدات المثقف وتوتره... إذ بقي السؤال عن أسباب توتر المثقف في حواراته على تويتر؟
ولا يسمح المجال هنا لتعريف (المثقف) هذا المصطلح الفضفاض والمطاط بل دعونا نأخذ منه مفهوماً كلياً ألا وهو ذلك الذي يتصدر مشهد التوجيه النقدي والتنظيري علناً في وسائل الاشهار المتعددة.
ولعل أول أسباب توتر المثقف مثاليته في معاييره ما يجعله بعيداً عن الواقعية بمعنى الاستيعاب لا بقصد النزول والاستسلام للواقع. وربما كرست عزلة المثقف بين الكتب والبحث والتنظير شيئاً من هذه المثالية وفقدان الدرب على التعاطي المباشر والتفصيلي مع الجماهير الغفيرة.
وتأتي أسباب توتر المثقف في عالم (تويتر) النرجسية والتعالي والتمركز حول الذات وتضخم (الأنا) فهو اعتاد على العطاء والتنظير وعلى الآخرين التقبل والتسليم وفي خُلده (من هذا أو هؤلاء حتى يعارضوني أو حتى يفهموني) لكن سرعان ما انكشف وهمه ففي كل فكرة يطرحها بتغريدة تأتيه التعليقات والاستدراكات والتصويبات ممن هم في سن أولاده أو أصغر طلابه! هنا يتفجر غيظاً حيث كسر غروره ولكن كان من المتواضعين علمياً ليتعاطى بشكل ناضج مع ناقديه أو مخالفيه.
وثالث الأسباب أزمة عنصر الوقت في حوار تويتر وتجزئة الفكرة على تغريدات قصيرة يضطر المثقف التنازل عن سياقات وألفاظ في سبيل حشر المعنى، وهذا يضيع عليه تألقه وعفويته وأصالة تعبيره ما يضر بالدلالات الدقيقة لفكرته.
فكيف بالله عليكم يستطيع الإنسان أن يناقش سؤالاً عن العدمية أو التصوف الفلسفي أو ماهية الإنسان أو صلة فيزياء الجسيمات الدقيقة بنظرية المعرفة وهدم البدهيات العقلية أو الفرق الدقيق بين التطور الداروني العشوائي والتطور الموجه ذي القصد والمعنى ... الخ.
ورابعاً: إلحاح الناس على المثقف أن يدلي برأيه وموقفه في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية ويريدون رأياً قطعياً ونهائياً... كأحداث مصر أو البحرين أو الكويت. والتي يدوخ الإنسان من تباين تحليلات مراكز البحث المتخصصة والخبراء الاستراتيجيين فأنى له أن يكون قاطعاً في رأيه والأحداث فيها من الغموض والتحولات السريعة والمباغتة.
ومن أسوأ أسباب توتر المثقف المغرد التشكيك بنواياه والتصنيف من أجل إلغائه أو هدمه أو التأليب عليه وهنا قد يقع المثقف في فخ الاستنزاف فيتحول من حالة الفعل إلى حالة رد الفعل ومن العطاء المنهجي الى التوضيح والتبرير ومن الخطاب العام الى الانشغال بتفهيم هذا ورد شبهة ذاك.
وأخيراً (الحماقات) أقصد التطاول على ذات الشخص في دينه وعرضه وولائه ويصبح اللون الأزرق أو الأصفر تزكيةً أو سبّةً دون فهم لتداخل المعاني ومن غير فرز للتنوع في اللون الواحد.
وأقسى ما يقع على نفسية المثقف المتصدر عندما يرى زملاء الكتاب والقلم والمنبر والحوار ينزلقون في أتون معركة التجريح القبيح فبدلاً من أن يرتقي بخطاب العامة وينتشل لغتهم ولو بتخفيف القذف المتبادل وإذ بك تجده قبل أو بعد أو أثناء كلِ نشاط سياسي أو مسيرةٍ أو مظاهرة أو اعتصام في طليعة شذاذ المغردين (مع) أو (ضد) يمارس فنوناً من فسوق التغريدات.
محمد العوضي
mh-awadi