جعفر رجب / تحت الحزام / العاقل لا يقلد الأحمق
في الثمانينات من القرن الماضي، وارتفاع نسمات الصحوة الاسلامية، كان الخطاب الديني- وأنا هنا أتحدث عن الشيعي فقط- اكثر تطورا، يحاكي العقل، يحاول ان يجاري الواقع، مبتعدا عن النصوص المغالية، كانت كتب (شريعتي- مطهري- باقر الصدر- الشيرازي المدرسي...) الاكثر انتشارا بين الشباب، تحاول ان تجاري الواقع السياسي الاجتماعي، كبديل عن التيارات اليسارية والشيوعية وغيرها!
كان خطاب الشباب والنخبة مختلفا، محافلهم ونشاطاتهم مختلفة، رؤيتهم للامور مختلفة، مبتعدين عن قشور الدين، متبنين خطابا تغييريا يعتمد على قيم الثورة الحسينية، وعلى التفكير العلمي والمنطقي لتفسير التاريخ الإسلامي... مبتعدين ومحاربين، لكميات كبيرة من الخرافات، والمظاهر المتكلفة، والخطابات المغالية، متبنين خطابا اكثر عقلانية وثورية، يسعون من خلالها الى تغيير المجتمع منطلقين من أهداف ثورة الحسين!
بعد ثلاثين سنة من تلك الايام الخوالي، ومحاربة الشباب للقشور الدينية، يبدو لي ان الواقع صار اكثر تخلفا، والفكر اكثر رجعية، والخرافة اكثر تأصلا، والجموع اكثر تمسكا بقشور الافكار من جواهرها، والنصوص الاكثر غلوا هي الأكثر انتشارا!
لقد حولوا الثورة التي يفترض ان تكون رمزا لتحدي الظلم، والوقوف مع المظلومين، الى ثورة طباخين من اجل توزيع الاكل على البيوت التي تمتلأ بيوتها بالاكل طوال العام، لقد تحول الشارع الثوري الى شارع للمطاعم، توزع فيه المشروبات والمعجنات وحتى المشويات، لم يعد أحد يتحدث عن قيمة ثورة الحسين بقدر حديثه عن مرق «قيمة» الحسينيات المختلفة، وصار العقل موضع التفكير، موضعا للتطبير فقط!
لا حق لي في ان اسلب حق احد في التعبير عن نفسه وعقيدته بأي وسيلة كانت، وجميل ان تكون هناك بعض المظاهر لعشرة أيام، ولكن العيب في اختزالها بالمظاهر، لقد تعلمنا ان المبالغة في العبادات منقصة، فما بالكم المبالغة باظهار المشاعر في المناسبات الدينية.
لا أظنها حصافة ان يطالب أحد عباد الله بالمسيرة على الخليج من اجل مناسبة دينية، وما اكثر مناسباتنا، ولا أجدها لائقة تعليق كل هذه الاعلام والشعارات على البيوت حتى الآن وبصورة مبالغة، ومن يرد ان يُظهر مشاعره فبامكانه ان يعلق الشعارات والاعلام في صالة بيته مثلا، ولكن الناس في الشارع- باختلاف مذاهبهم وأديانهم- ليسوا مجبرين على معرفة انتمائك الديني أو مشاعرك او رأيك ايا كان، واعتقد ان واجهة البيت ليست ملكا لصاحب البيت يفعل بها ما يشاء... وأخيرا، لا يليق بعاقل ان يقتدي بفعل «الاحمق»!
جعفر رجب
JJaaffar@hotmail.com
كان خطاب الشباب والنخبة مختلفا، محافلهم ونشاطاتهم مختلفة، رؤيتهم للامور مختلفة، مبتعدين عن قشور الدين، متبنين خطابا تغييريا يعتمد على قيم الثورة الحسينية، وعلى التفكير العلمي والمنطقي لتفسير التاريخ الإسلامي... مبتعدين ومحاربين، لكميات كبيرة من الخرافات، والمظاهر المتكلفة، والخطابات المغالية، متبنين خطابا اكثر عقلانية وثورية، يسعون من خلالها الى تغيير المجتمع منطلقين من أهداف ثورة الحسين!
بعد ثلاثين سنة من تلك الايام الخوالي، ومحاربة الشباب للقشور الدينية، يبدو لي ان الواقع صار اكثر تخلفا، والفكر اكثر رجعية، والخرافة اكثر تأصلا، والجموع اكثر تمسكا بقشور الافكار من جواهرها، والنصوص الاكثر غلوا هي الأكثر انتشارا!
لقد حولوا الثورة التي يفترض ان تكون رمزا لتحدي الظلم، والوقوف مع المظلومين، الى ثورة طباخين من اجل توزيع الاكل على البيوت التي تمتلأ بيوتها بالاكل طوال العام، لقد تحول الشارع الثوري الى شارع للمطاعم، توزع فيه المشروبات والمعجنات وحتى المشويات، لم يعد أحد يتحدث عن قيمة ثورة الحسين بقدر حديثه عن مرق «قيمة» الحسينيات المختلفة، وصار العقل موضع التفكير، موضعا للتطبير فقط!
لا حق لي في ان اسلب حق احد في التعبير عن نفسه وعقيدته بأي وسيلة كانت، وجميل ان تكون هناك بعض المظاهر لعشرة أيام، ولكن العيب في اختزالها بالمظاهر، لقد تعلمنا ان المبالغة في العبادات منقصة، فما بالكم المبالغة باظهار المشاعر في المناسبات الدينية.
لا أظنها حصافة ان يطالب أحد عباد الله بالمسيرة على الخليج من اجل مناسبة دينية، وما اكثر مناسباتنا، ولا أجدها لائقة تعليق كل هذه الاعلام والشعارات على البيوت حتى الآن وبصورة مبالغة، ومن يرد ان يُظهر مشاعره فبامكانه ان يعلق الشعارات والاعلام في صالة بيته مثلا، ولكن الناس في الشارع- باختلاف مذاهبهم وأديانهم- ليسوا مجبرين على معرفة انتمائك الديني أو مشاعرك او رأيك ايا كان، واعتقد ان واجهة البيت ليست ملكا لصاحب البيت يفعل بها ما يشاء... وأخيرا، لا يليق بعاقل ان يقتدي بفعل «الاحمق»!
جعفر رجب
JJaaffar@hotmail.com