كتابه صدر عن «الدار العربية للعلوم»
نشمي مهنا ... يسعى إلى «مجاراة المحموم في هذيانه»
غلاف الكتاب
نشمي مهنا
| كتب مدحت علام |
لم يكن الاصدار الاخير للشاعر الزميل نشمي مهنا «مجاراة المحموم في هذيانه»... بعيدا عن روح الشعر رغم اندراج مادته الادبية تحت** مسمى النثر، فالكتاب يقترب - اكثر ما يقترب - الى الشعر روحا ومضمونا ومعنى رغم الاختلاف في الشكل والاسلوب والرؤى.
و«مجاراة المحموم في هذيانه»... تجربة ادبية خاضها مهنا بكل جرأة وبالتالي استطاع ان يستحضر الكثير من الصور الخيالية تارة والواقعية تارة اخرى على سبيل رسم ملامح جديدة ومغايرة للحياة، تلك الحياة التي يراها الشاعر بمشاعره ممسوسة بالحلم ومتفاعلة مع الانسان بكل ما يحمله من تطلعات ورؤى.
والكتاب يضم 111 ورقة من القطع المتوسط وصدر عن «الدار العربية للعلوم - ناشرون» بعد مجموعتين شعريتين الاولى صدرت العام 2001 عن دار الفارابي بعنوان «البحر يستدرجنا للخطيئة» والثانية تحت عنوان «الآتية كغد مألوف» صدرت في العام الحالي عن دار مسعى.
وقسم مهنا كتابه الى بابين كل باب يضم عددا من النصوص الادبية يتتبع من خلالها المؤلف الكثير من الرؤى والاستشرافات والمعاني المكدسة في الذاكرة، والتجارب الإنسانية المفرطة في الحلم.
ومن الباب الاول «الاحزان بكامل زينتها» نقرأ أول نص عنوانه «سيرتها الصباحية» والذي يقول فيه:
قيل ان النوارس في احد الصباحات الممطرة من يناير الفائت، حومن طويلا حولها، حومن حتى تعب الهواء، وكادت تتكسر الاجنحة، والمرأة الممتلئة بشموخها، الفائضة الباهرة، القادرة العارفة المتجاهلة الواثقة بأنها الآتية كغد مألوف: لم تلتفت».
وفي ما يشبه البوح الصوفي والوله... والعشق، جاءت نصوص الكتاب متناسقة مع الايحاءات التي ساقها مهنا في متن اصداره ليقول في نص «في عينيها العاشقتين»:
هنا
انتصف الطريق
خارت قواي
اعلم ان اكملت اليك... غريق
ان عدت حيث بدأت... غريق
لكني سأموت
في الموجة التي لا تأتيك بجثتي
وسنجد في نص «انِثى في قارورة عطر» الكثير من البوح الشعري والاستلهام الحسي للاشياء:
اطلت.... وصوت يصرخ في احشائي
يريد الحبو الى انق بعيد
وسط ضباب عال، لن اتمكن من كتم انفاسه، فلأعد الى البيت المسائي، لتعبث اصابعي بضفائر الشعر».
وتداخلت الرؤى في نصوص الكتاب في سياق ادبي متواصل مع ما يريد مهنا ابرازه من مشاهد حياتية يومية يتعايش معها، الاصدقاء والشعر والسياسة والصحافة وغيرها.
وحينما نقرأ نصوص الباب الثاني من الكتاب «الجالس قرب الميت في شارع (مونو) فسنجد اننا امام تداعيات حياتية متفاعلة بشكل مستمر مع الايحاء وذلك عبر طرق بعضها خيالي والآخر واقعي وبالتالي فقد استلهم نصه «حبات متناثرة على بلاط دمشقي» من مضامين ذات ايقاعات متناهية في الرشاقة ليقول:
تتطاير حمامات دمشقية في الباحة القريبة، تنتفض اسرابها من وراء الزجاج تعيدك الى صمت المقهى ورواده الذين يرتشفون مرارتهم بحزن».
وفي نص «شظايا من وسط بيروت»... استدعى المؤف بعض الاحداث التي مرت بها بيروت كي يسقطها على الواقع بأسلوب ادبي متوهج بالحيوية:
«الاحتلال قد يتكلم شامي
الاميون وحدهم يظنون بلسان ووجه
عبري ولا يأتي إلا من الجنون!».
وتتداخل السياسة مع الادب في نص «غبار... يا اميمة»:
سياستنا واقتصادنا واحوالنا الاجتماعية وتاريخنا وثقافتنا وتعليمنا وفهمنا لتعاليم الاديان وفنوننا تناثرت واندثرت وبعضها لم يبن اساسا الا في اوهامنا».
وتولدت الفكرة من رحم الواقع الممزوج بالخيال وذلك في نص «غطرسة الجغرافية».
بينما عبر مهنا في نص «بحجم الصخرة بقسوتها» عن الكثير من المضامين الحسية ليقول:
«فكرة لمعالجة الفكرة... هكذا خطر في بالي فلن تفتتها سوى القصيدة بالتأكيد سيستكين عنفوانها، وتلطف ارتطاماتها وتلين سأحبس حصواتها في بيت القصيد، حتى وان كان زجاجيا».
ويختتم الشاعر نشمي مهنا كتابه بنص «افراح صغيرة» بكل ما يحمله من معان كبيرة:
«يتشوق دوما الى فصل المطر، ونسمات الشتاء، خصوصا في بدء الموسم، وعلى اول رذاذ، يمطر قلبه عصافير وصباحات باكرة وقصائد... لن تكتمل.
في الصباح التالي لليلة ممطرة، استيقظ باكرا، كي يكمل ما تبقى من حلم.
بفرح طفولي، وبعيدا عن اعين «الناشفين» وقف تحت غيمة صباحية مليئة بالحكايا، شرع قلبه لهمسها، وطالبها بمواصلة السرد... او الرقص.
لم يقتنع باعذار «شهرذادها».
حينها كان يتساءل: ما «دخل» المطر بالقصائد... والانثى؟!
خصوصا، بعدما تأكد من البلل.
خياله الطري يمنيه دوما بمستحيل ايروتيكي غريب كأن تقذف به مصادفة شتائية في حضن قرية معزولة في شمال القوقاز.
ليس هذا فقط.
بل يضيف هذا الخيال ويبالغ في رسم مكان اقامة الحلم:
«في سكن خاص بممرضات عازبات!».
لم يكن الاصدار الاخير للشاعر الزميل نشمي مهنا «مجاراة المحموم في هذيانه»... بعيدا عن روح الشعر رغم اندراج مادته الادبية تحت** مسمى النثر، فالكتاب يقترب - اكثر ما يقترب - الى الشعر روحا ومضمونا ومعنى رغم الاختلاف في الشكل والاسلوب والرؤى.
و«مجاراة المحموم في هذيانه»... تجربة ادبية خاضها مهنا بكل جرأة وبالتالي استطاع ان يستحضر الكثير من الصور الخيالية تارة والواقعية تارة اخرى على سبيل رسم ملامح جديدة ومغايرة للحياة، تلك الحياة التي يراها الشاعر بمشاعره ممسوسة بالحلم ومتفاعلة مع الانسان بكل ما يحمله من تطلعات ورؤى.
والكتاب يضم 111 ورقة من القطع المتوسط وصدر عن «الدار العربية للعلوم - ناشرون» بعد مجموعتين شعريتين الاولى صدرت العام 2001 عن دار الفارابي بعنوان «البحر يستدرجنا للخطيئة» والثانية تحت عنوان «الآتية كغد مألوف» صدرت في العام الحالي عن دار مسعى.
وقسم مهنا كتابه الى بابين كل باب يضم عددا من النصوص الادبية يتتبع من خلالها المؤلف الكثير من الرؤى والاستشرافات والمعاني المكدسة في الذاكرة، والتجارب الإنسانية المفرطة في الحلم.
ومن الباب الاول «الاحزان بكامل زينتها» نقرأ أول نص عنوانه «سيرتها الصباحية» والذي يقول فيه:
قيل ان النوارس في احد الصباحات الممطرة من يناير الفائت، حومن طويلا حولها، حومن حتى تعب الهواء، وكادت تتكسر الاجنحة، والمرأة الممتلئة بشموخها، الفائضة الباهرة، القادرة العارفة المتجاهلة الواثقة بأنها الآتية كغد مألوف: لم تلتفت».
وفي ما يشبه البوح الصوفي والوله... والعشق، جاءت نصوص الكتاب متناسقة مع الايحاءات التي ساقها مهنا في متن اصداره ليقول في نص «في عينيها العاشقتين»:
هنا
انتصف الطريق
خارت قواي
اعلم ان اكملت اليك... غريق
ان عدت حيث بدأت... غريق
لكني سأموت
في الموجة التي لا تأتيك بجثتي
وسنجد في نص «انِثى في قارورة عطر» الكثير من البوح الشعري والاستلهام الحسي للاشياء:
اطلت.... وصوت يصرخ في احشائي
يريد الحبو الى انق بعيد
وسط ضباب عال، لن اتمكن من كتم انفاسه، فلأعد الى البيت المسائي، لتعبث اصابعي بضفائر الشعر».
وتداخلت الرؤى في نصوص الكتاب في سياق ادبي متواصل مع ما يريد مهنا ابرازه من مشاهد حياتية يومية يتعايش معها، الاصدقاء والشعر والسياسة والصحافة وغيرها.
وحينما نقرأ نصوص الباب الثاني من الكتاب «الجالس قرب الميت في شارع (مونو) فسنجد اننا امام تداعيات حياتية متفاعلة بشكل مستمر مع الايحاء وذلك عبر طرق بعضها خيالي والآخر واقعي وبالتالي فقد استلهم نصه «حبات متناثرة على بلاط دمشقي» من مضامين ذات ايقاعات متناهية في الرشاقة ليقول:
تتطاير حمامات دمشقية في الباحة القريبة، تنتفض اسرابها من وراء الزجاج تعيدك الى صمت المقهى ورواده الذين يرتشفون مرارتهم بحزن».
وفي نص «شظايا من وسط بيروت»... استدعى المؤف بعض الاحداث التي مرت بها بيروت كي يسقطها على الواقع بأسلوب ادبي متوهج بالحيوية:
«الاحتلال قد يتكلم شامي
الاميون وحدهم يظنون بلسان ووجه
عبري ولا يأتي إلا من الجنون!».
وتتداخل السياسة مع الادب في نص «غبار... يا اميمة»:
سياستنا واقتصادنا واحوالنا الاجتماعية وتاريخنا وثقافتنا وتعليمنا وفهمنا لتعاليم الاديان وفنوننا تناثرت واندثرت وبعضها لم يبن اساسا الا في اوهامنا».
وتولدت الفكرة من رحم الواقع الممزوج بالخيال وذلك في نص «غطرسة الجغرافية».
بينما عبر مهنا في نص «بحجم الصخرة بقسوتها» عن الكثير من المضامين الحسية ليقول:
«فكرة لمعالجة الفكرة... هكذا خطر في بالي فلن تفتتها سوى القصيدة بالتأكيد سيستكين عنفوانها، وتلطف ارتطاماتها وتلين سأحبس حصواتها في بيت القصيد، حتى وان كان زجاجيا».
ويختتم الشاعر نشمي مهنا كتابه بنص «افراح صغيرة» بكل ما يحمله من معان كبيرة:
«يتشوق دوما الى فصل المطر، ونسمات الشتاء، خصوصا في بدء الموسم، وعلى اول رذاذ، يمطر قلبه عصافير وصباحات باكرة وقصائد... لن تكتمل.
في الصباح التالي لليلة ممطرة، استيقظ باكرا، كي يكمل ما تبقى من حلم.
بفرح طفولي، وبعيدا عن اعين «الناشفين» وقف تحت غيمة صباحية مليئة بالحكايا، شرع قلبه لهمسها، وطالبها بمواصلة السرد... او الرقص.
لم يقتنع باعذار «شهرذادها».
حينها كان يتساءل: ما «دخل» المطر بالقصائد... والانثى؟!
خصوصا، بعدما تأكد من البلل.
خياله الطري يمنيه دوما بمستحيل ايروتيكي غريب كأن تقذف به مصادفة شتائية في حضن قرية معزولة في شمال القوقاز.
ليس هذا فقط.
بل يضيف هذا الخيال ويبالغ في رسم مكان اقامة الحلم:
«في سكن خاص بممرضات عازبات!».