في ذكرى رحيل المفكر والمستشرق الفلسطيني الأميركي

ضوء / إدوارد سعيد ... اسم راسخ وباقٍ في الفكر العالمي

u0625u062fu0648u0627u0631u062f u0633u0639u064au062f
إدوارد سعيد
تصغير
تكبير
| سعاد العنزي |

يقول محمود درويش، من نص طباق إلى إدوارد سعيد:

أنا من هناك

أنا من هنا**

ولست هناك ولست هنا

ليَ اسمان يلتقيان ويفترقان

ولي لغتان نسيت بأيهما كنت أحلم

لي لغة إنكليزية للكتابة طيّعة المفردات

ولي لغة من حوار السماء مع القدس.

إدوارد سعيد اسم نقدي وفكري منسوج ليس في الذاكرة العربية والإسلامية وحسب، بل هو اسم راسخ وباق في الفكر العالمي كله، وعلامة أساسية في أي حقل دراسي انساني يبحث في إشكاليات القمع والظلم والاستبداد، يبحث في صراع القوي والضعيف، المستعمر والمستعمر، المركز والأطراف. هو كذلك ركن من أهم أركان نظرية ما بعد الاستعمار التي أجهزت بأدواتها النقدية على سلطة المؤسسات السياسية الظالمة وممارساتها الإقصائية والتهميشية للآخر عبر تفكيك النسق الفكري المتبع في أي سلطة استبدادية، فهو واحد من الأسماء العربية الخالدة في الفكر العالمي وفي سجل النقاد والمثقفين الحقييقين الذين قدموا إضافة للحياة الإنسانية.

نكتب هذا المقال بمناسبة ذكرى رحيل هذا المفكر والإنسان العميق إذ تصادف تاريخ 2003/9/25م، ونحن هنا لا نريد أن نتألم لحالة الفقد الفكري والنقدي التي نعيشها بعده هو وعدة من الأصوات التي رحلت قبله، أو استراحت من عناء ومشقات النضال الفكر، ولكن لنتذكر معا إدوارد سعيد الإنسان والناقد والمفكر، ولنذكر الآخرين بإسهاماته المثمرة في الدفاع عن قضايا العرب والمسلمين عامة و فلسطين على نحو خاص. ولا بد من الالتفات أخيرا إلى نظرته الإنسانية المتسامحة والمتسامية على آلامها على الرغم من إن خاصرته نازفة من ألم فقد الوطن والتنقل المستمر من منفى إلى آخر.

أول انطلاقاته المعرفية والفلسفية المجابهة لظلم المؤسسة الغربية لشعوب بلدان العالم الثالث على وجه التحديد وبقية شعوب العالم بشكل عام كما يشرحها ستارت هول في مقاله الغرب وبقية دول العالم، كانت في كتابه «الاستشراق» الذي حلل فيه بعمق كيف تم عن طريق الدراسات الاستشراقية تشويه الحقيقة والواقع العربي بالدراسات الأوروبية الاستشراقية ولاسيما الدراسات البريطانية والفرنسية، مما كان له الدور الهام في فضح أساليب الاستشراق العامدة على تزييف الواقع من خلال اللغة والدراسات الإنسانية المتبنية انطباعات عنصرية وعرقية تجاه الآخر العربي، وهو بهذه المقاربة يتبنى نظرية ميشيل فوكو «السلطة والمعرفة» و انطونيو جرامشي «المثقف العضوي»، كما قد قدم نقدا راديكاليا لممارسات المؤسسة السياسية الغربية المتحيزة ضد العرب والمسلمين وغير الخاضعة لأسس موضوعية منطقية بل لمجرد محاربة العرب والمسلمين لمصالح صراع القوى وفرض الهيمنة السياسية على بقية دول العالم، وخصيصا العرب المخالفين لهم في الدين والطبيعة واللغة، وأرض الأديان، وكنوز الأرض السوداء المحركة لمصادر الطاقة لديهم.

والكتاب السابق يربطنا بشكل مباشر في كتاب « تغطية الإسلام» إذ يقدم فيه فكرة مشابهة لكتابه السابق ومختلفة في الموضوع حيث يقول إن الإسلام المقدم إلى الغرب ليس إسلاما حقيقيا بل هو مجرد تصورات مصنوعة وخاطئة تهدف إلى تشويه صورة الإسلام لدى الشعوب الغربية من خلال المؤسسة الإعلامية العارضة للإسلام على إنه دين العصبية العرقية والكراهية ونبذ الآخر، بينما تصور بقية الأديان بهالة من القداسة والتسامح والمحبة، وهذا ما نزال نلاحظه في الغرب من بين فترة وأخرى يعيدون ترسيخ هذه النظرة الاستشراقية المزيفة من خلال الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة من شخصيات الصحابة رضوان الله عليهم، والفيلم الذي عرض أخيرا عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، محاولين الإساءة للمسلمين واستفزازهم بشكل واضح بعدما سادت التيارات الإسلامية في الوطن العربي، وانتشر الإسلام في العالم، فكأنهم أولا يريدون أن يختبروا ردة فعل المسلمين بهذه الحادثة، ومن جانب آخر يكشفون عن هلع عظيم من انتشار الإسلام، بحيث لم يطيقوا أن يخفوا كراهيتهم للإسلام بطروحاتهم التسامحية الزائفة من خلال هذا الإعلان السافر عن استهزائهم بمشاعر المسلمين وبمقدساتهم.

ومن زاوية نظر أخرى فإن إدوارد سعيد المفكر العظيم لم تفته قضية الوطن كذلك، الوطن المسلوب والمختطف عنوة من الآخر اليهودي، فكتب كثيرا حول فلسطين محاولا الكشف عن الظلم الواقع على بلده، كما يحاول أن يؤسس لخطاب فلسطيني قوي يفكك خطاب الآخر الاسرائيلي وينقضه ويصحح الأفكار المغلوطه عن الفلسطينيين، ويقدم حوارا إنسانيا لكل شعوب العالم لإقناعهم بالحق الفلسطيني المختطف من خلال عدة مشاركات من أهمها كتاب « المسألة الفلسطينية» وكتاب « ما بعد السماء الأخيرة».

وبعد يبقى هو الإنسان المتعدد الأفق والمحب للآخر والنابذ لكل أطياف العنصرية والتفرقة بين شعوب العالم، والناظر إلى العالم كله بنظرة كونية عالمية متسامحة ومتصالحة على الرغم من إنه خرج من رحم القضية الفلسطينية الشائكة،، ومن فضاء اغتراب تلو اغتراب، فإن كل هذه العوامل أسهمت في تكوين شخصية فريدة في التسامح ومحبة الآخر مثلما يوضحها محمود درويش في قصيدته في بداية هذا المقال فهو منتمٍ إلى عدة أمكنة وثقافات بلورت نوعا من الفرادة والجمال في التعاطي مع مكونات الهوية الواحدة.



ناقدة وكاتبة كويتية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي