| أسيل الظفيري |
ردود كثيرة وتفاعل كبير من المربين، جاءني رد على مقالي السابق (اسمع معي هذا الصوت)، ذلك لأن المقال لامس شيئا من همومهم مع ابنائهم، وكشف لهم جانباً لربما لم يكتشفه بعضهم قبل ذلك، ألا وهو صوت المراهق وما يحمله من ألم ونضج عندما يتحدث بشفافية موجهاً كلامه لوالديه عن حقيقة شعوره بالطريقة التي يعامله أبواه بها.
أما كان للمربي أن يسمع هذا الصوت من ابنه المراهق داخل بيته في الصالة مثلا، وأثناء شرب الشاي عصراً؟ غياب مثل هذه الصراحة مؤشر على وجود مشكلة في الإحساس بالأمان عند الأبناء، وقطع لجسور التواصل والحوار معهم.
نعلم جميعاً أهمية الحوار في خلق بيئة حميمة، ولن أتكلم في هذا المقال عن أهميته، التي لطالما تحدث عنها الكثيرون وعلى الرغم من هذا نجد آهات كبيرة عند المراهق عندما يتحدث عن توتر العلاقة مع والديه، والأمر نفسه عند المربي عندما يتحدث عن عناد المراهق له.
مشكلة الحوار ليست في الاقتناع بأهميته، بل ممارسته بشكل مجدٍ، إن عدم الوصول للمصارحة والثقة بين الآباء والأبناء يحثو التراب في وجه الحقيقة بأننا لم نصل بالحوار مع الأبناء لما نصبو إليه.
عندما يحاور المربي ابنه بنبرة حماس بصوته، بهدف النصح تجعل الابن يسمع ولكن بأذن من طين، نافراً من تلك النبرة، هل تعرف أيها المربي نبرة الصوت التي تستخدمها وأنت تتحدث مع صديقك في جلسة سمر؟ كيف تكون طريقة جلستك؟ حركة يدك، هدوء أعصابك، مع هذا الارتياح في الحديث لا يخلو حديثك معه من تمرير بعض قناعاتك بطريقة ذكية، ومناقشة أمور تختلفون عليها بسلاسة، هذا ما يريده الأبناء منا (سوالف) وليس حوارا بإسلوب سلطوي فلنتفق على هذه التسمية لنأخذ من روحها، طبيعتها المريحة المؤنسة.
قد يشتكي البعض بأن حتى هذه السوالف - كما اتفقنا على تسميتها- لا يسمعها الابن، والحقيقة أن هذا طبيعي، ففي زحمة وجود أصدقائه حوله من خلال الأجهزة الحديثة والهواتف، وكل ما يقوم به هؤلاء الأصدقاء من تفهم لمشاعره ومشاركته هواياته واستشارته في مشاكلهم ومدحهم له طوال الوقت، تصبح المنافسة معك ايها المربي ليست سهلة على الإطلاق، فعليك أن تقوم بما يقوم به هؤلاء الأصدقاء بل واكثر، لكن لحسن الحظ أن ما يمهد الطريق عليك حاجة ابنك للإشباع العاطفي منك، والتي لا يستطيع مليون صديق لابنك أن يشبعها له، ولكن هذا لا يكون إلا بمجهود يجب عليك أن تبذله فالتحدي كبير.
مما يجعل للسوالف ثمرة، أن يشعر الابن بكامل الارتياح والأمان وهو يخرج ما في نفسه دون أن يخشى عبوس وجه أو رفعة حاجب؛ بذلك يستطيع أن يفصح عما يدور بداخله خطأ كان أم صوابا، لتناقش فكرته وتؤسس معه طرقاً لتناولها دون رهبة، وإلا كيف استطاع أن يدخل شاب مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس بين كبار الصحابة ليقول بكل ارتياح «إئذن لي بالزنا يا رسول الله»! فماذا كانت ردة فعل نبي الرحمة، قال له (ادنه) وذلك ليحسسه بالأمان ويتقرب منه -صلى الله عليه وسلم- ثم قال له (أترضاه لأمك؟)، فقدرة الشاب على أن يتلفظ بلفظة الزنا بحضرة نبي وأصحابه المرضيين، دليل على يقينه من إنه لن تنال من كرامته ولا حتى يُستهزأ به.
نتفق جميعاً على أن البنيان صعب والهدم سهل، ولكن أن تبدأ بالسوالف الآن خير لك من أن تبدأ بعد حدوث مشكلة أو تضارب في رغبات الآباء مع الأبناء، لأنه وقتها ستصم الآذان وتتحجر القلوب، وسيكون اختراقها في غاية الصعوبة.
@AseelAL-zafiri