صراع العمالقة الروس ينتهي لصالح صاحب نادي تشيلسي

ابراموفيتش هزم بيريزوفسكي (عدو بوتين) في أكبر قضية شهدتها المحاكم البريطانية

تصغير
تكبير
| لندن - من إلياس نصرالله |

أثار قرار المحكمة العليا في لندن أمس في القضية المرفوعة من بوريس بيريزوفسكي، الثري الروسي الحاصل على لجوء سياسي في بريطانيا، ضد رومان أبراموفيتش، الثري الروسي الكبير وصاحب نادي تشيلسي الرياضي البريطاني الذي يلعب فريقه لكرة القدم في الدوري الممتاز الإنكليزي، أثار ضجة واسعة، على المستويين المحلي في بريطانيا والعالمي، إذ ان قرار المحكمة جاء لصالح أبراموفيتش الذي كان مطالباً من بيريزوفسكي بدفع تعويض قدره 5 مليارات دولار أميركي (3.2 مليار جنيه استرليني) تقريباً، فيما رأى المراقبون السياسيون أن للقضية أبعادا سياسية تتعلق في شكل شخصي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والساحة السياسية في روسيا.

فعلاوة على أن القضية بين هذين الثريين الروسيين اعتبرت أكبر قضية تشهدها المحاكم البريطانية من ناحية القيمة المالية للدعوى والمصاريف القانونية التي دفعت للمحكمة ولشركات المحاماة التي مثلت الطرفين فيها، إلا أن ما هو أهم وأخطر في القضية أن أسواق المال والنفط العالمية كانت تراقب باهتمام شديد القضية، نظراً إلى أنها تدور حول خلاف في شركتي النفط الروسيتين «سيب نفط» الروسية العملاقة لإنتاج النفط في سيبيريا و«روسال»، حيث كان من المتوقع أن تتأثر هاتان الشركتان في حال خسر أبراموفيتش القضية واضطر لدفع التعويض المالي الضخم المطلوب منه وبالتالي أن يؤثر ذلك على تجارة النفط الروسية ومن ثم تجارة النفط العالمية ولو بنسبة بسيطة في شكل عام. ففي القضية وُجِّه اتهام خطير إلى أبراموفيتش أنه في عام 2000 استغل الخلاف السياسي بين بيريزوفسكي والرئيس الروسي بوتين واضطراره على اللجوء إلى بريطانيا فجرّد بيريزوفسكي من حصته في «سيب نفط» بسعر بخس.

علاوة على ذلك ساد ترقب على الساحة البريطانية لمعرفة نتيجة الدعوى، تحسباً لإمكانية أن تؤثر خسارة أبراموفيتش على نادي تشيلسي وأن تنعكس على الحياة الرياضية في البلد وكرة القدم الإنكليزية في شكل عام.

وتلت كبيرة القضاة غلوستر قرار المحكمة بحضور بيريزوفسكي (66 عاماً)، فيما تغيب عن الجلسة التي انعقدت صباح أمس أبراموفيتش (45 عاماً)، وذلك بعد مداولات طويلة استغرقت حوالي عشرة أشهُر. وتلخصت القضية في ادعاء بيريزوفسكي أن أبراموفيتش جرّده من حصته في «سيب نفط» بالخداع وأخل بشروط اتفاق كان مبرماً بينهما، مكبداً إياه خسارة مالية تقدر بالمليارات، حيث قدَّر قيمة حصته بسبع مليارات دولار، في الوقت الذي حصل منه على 1.5 مليار دولار مقابلها من أبراموفيتش، بالإضافة إلى مطالبته بـ 564 مليون جنيه إسترليني أخرى لقاء حصة أخرى له في شركة «روسال للنفط» راحت هي الأخرى لأبراموفيتش. وتوقع المتابعون لهذه القضية أن يؤدي نجاح بيريزوفسكي فيها إلى إلحاق الضرر بالرئيس بوتين، نظراً لأن بيريزوفسكي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى أشد المعارضين السياسيين لبوتين وكان من المتوقع أن يُعطي نجاحه في القضية دفعاً قوياً لحملة المعارضة السياسية ضد الحكم الحالي في روسيا.

في حيثيات القرار الذي تلته غلوستر، أشارت إلى أن القضاة لم يكونوا بحاجة للرجوع إلى نصوص قانونية كثيرة لكي يستندوا عليها، لأن الوقائع والأدلة التي قـُدِّمت من الطرفين كانت كافية من أجل أن يبني القضاة عليها قرارهم. وأضافت أن كل ما كان على القضاة أن يفعلوه في تحليلهم النهائي للقضية هو اتخاذ قرار فيما إذا كان ينبغي بهم أن يصدّقوا بيريزوفسكي أما لا.

وقالت غلوستر «وجدنا أن أن أدلة بيريزوفسكي لم تكن مقنعة ولا يمكن الاعتماد على شهوده»، ملمحة إلى أن الشهود كانوا «ذوي ذمة واسعة، ضاقت واتسعت حسب الظرف». حتى بيريزوفسكي نفسه بدا عندما قدّم شهادته أمام المحكمة أنه غير صادق، وتهرّب من الإجابة عن بعض الأسئلة في شكل متواصل طوال جلسات المحكمة، ووجد صعوبة في الرد عليها أو ادعى أنه نسي الوقائع، بما في ذلك وقائع قال انه لا يتذكرها بينما كانت في الواقع مذكورة في البيان الخطي المقدم منه إلى المحكمة. وقالت ان بيريزوفسكي «بدا كمن كذب كذبة وصدّقها».

في المقابل قالت غلوستر ان أبراموفيتش بدا متماسكاً وقدّم أجوبة مدروسة باللغة الروسية جرت ترجمتها من مترجمين متخصصين، وأعطى تفاصيل دقيقة عندما سُئل عن نقاط معينة، وكان يُصِّر على سماع ترجمات دقيقة للأسئلة التي كانت تطرح عليه، ليتأكد أنه فهم السؤال جيداً ويجيب عنه بالتفصيل، من دون تهّرب، ما جعله يبدو صادقاً.

وتنتظر وسائل الإعلام البريطانية والعالمية، خاصة الروسية منها، باهتمام شديد فتح ملف الدعوى أمام الرأي العام، نظراً للكمية الهائلة من المعلومات السياسية التي تضمنتها الوثائق التي قـُدِّمت للمحكمة أو الشهادات التي أدلى بها الشهود أمامها، مما يُعطي صورة فريدة عن الكيفية التي كانت تدار فيها دفة الحكم في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والطريقة التي تصرف بها الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن والمسؤولون في الكرملين.

فعلى سبيل المثال قال أبراموفيتش أنه تعرّف على بيريزوفسكي في عام 1994، حينما التقاه للمرة الأولى على ظهر يخت في منطقة الكاريبي، وواصل الالتقاء به في فنادق فاخرة في أماكن مختلفة من العالم. وقال أبراموفيتش ان بيريزوفسكي لم يكن شريكاً له في أعماله أبداً، وأن العلاقة بينهما تركزت حول نيل أبراموفيتش موافقة حكومة يلتسن على عرضه لشراء «سيب نفط»، حيث تعيّن عليه أن يدفع رشاوى لبيريزوفسكي الذي كان متنفذاً في إدارة حكم يلتسن، من أجل أن يُسهّل له الأمور والاستحواذ على الشركة. وكشف أنه كان يموّل نمط الحياة الباذخة التي عاشها بيريزوفسكي، فاشترى له اليخوت وطائرة خاصة وعقارات في فرنسا، موضحاً أنه صرف على بيريزوفسكي مبلغ 2.5 مليار دولار. فيما فشل بيريزوفسكي في تقديم أي دليل على وجود أي اتفاق خطي بينه وبين أبراموفيتش يتعلق بالشراكة في شركتي «سيب نفط» و«روسال».

وحضر بيريزوفسكي وأبراموفيتش جلسات المحكمة التي تابعتها وسائل الإعلام، حيث كان كلاهما يصلان إلى مبنى المحكمة في وسط لندن محاطين بثلتين من المرافقين والحرس الخاص باللباس المدني، وسط حراسة إضافية من قوة شرطة كبيرة، على نحو لافت للنظر، مما أضاف الكثير من الإثارة على الدعوى التي تعتبر الأكبر بين شخصين في تاريخ القضاء البريطاني. ولفت الانتباه أن وسائل الإعلام الروسية بأنواعها المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية كانت ممثلة في شكل واضح خلال جلسات المحكمة وقدَّمت للشعب الروسي تغطية واسعة لها.

ورغم حضور بيريزوفسكي جلسة الاستماع لقرار المحكمة، إلا أنه خرج من دون الإفصاح عن رأيه فيما إذا سيُقدِم على الاعتراض على القرار واستئناف القرار لدى هيئة قضائية أعلى.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي