قنْص «سوري» على الهدنة المترنّحة في طرابلس وغارة تقتل أربعة لبنانيين في جوسية

الاضطراب الأمني في لبنان يصيب العلاقات الرئاسية

تصغير
تكبير
| بيروت ـ «الراي» |

في اليوم الخامس من آخر جولات الاشتباكات التي تشهدها مدينة طرابلس منذ الاحد الماضي، بدا المشهد السياسي والأمني في لبنان متجهاً نحو مزيد من الاضطرابات الفوضوية التي باتت تحكم البلاد على نطاق واسع.

وفي وقت شهدت طرابلس امس سقوط المزيد من الضحايا والجرحى (ما لا يقلّ عن 12 قتيلاً و100 جريح) بعد فشل اتفاق جديد لوقف النار أُعلن مساء الاربعاء، اعربت مصادر مطلعة مواكبة للتحرك الرسمي السياسي والامني الكثيف لوضع حد لهذه الاشتباكات عن شكوك عميقة في القدرة على احتواء مسلسل الاضطرابات اليومية المتنقلة في البلاد في ظلّ المعطيات التي برزت عبر احداث الاسبوعين الاخيرين.

وقالت هذه المصادرلـ «الراي» انه يبدو واضحاً وبما لا يقبل جدلاً ان ثمة ارتدادات حادة وعنيفة للأزمة السورية على الداخل اللبناني يدفع بها بقوة النظام السوري في شكل مباشر وغير مباشر، إما لاعتبارات سياسية تتعلق بمواقف ومؤشرات مزعجة له صدرت عن رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبعض القوى السياسية الاخرى في الحكومة وخارجها وإما لاعتبارات ميدانية تتصل بأزمته داخل سورية نفسها. ومن هذه المؤشرات ان المعطيات الميدانية في طرابلس كشفت ان معظم عمليات القنص التي مورست على الجيش في الساعات الاخيرة جاءت من منطقة بعل محسن الموالية للنظام السوري مما يعني وجود قرار لدى القوى المهيمنة على هذه المنطقة بإبقاء بؤرة التوتر مستمرة. كما ان مؤشراً آخر برز بقوة مع الغارة التي شنّها الطيران المروحي السوري مساء الاربعاء على منطقة الجوسية الحدودية المتداخلة مع الحدود اللبنانية في البقاع الشمالي حيث قُتل اربعة لبنانيين وجُرح عشرة في تطور لافت رفع منسوب التوتر والمخاوف في تلك المنطقة الى ذروته.

وتضيف المصادر نفسها ان الامر لا يقتصر على الواقع الامني، اذ ثمة ما يثير الريبة ايضاً في تصاعُد بوادر ازمة سياسية بين اركان الحكم والحكومة على خلفية تراكمات بدأت مع قضية توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بجرم نقل متفجرات من سورية في اطار مخطط ارهابي تم الادعاء فيه ايضاً على اللواء السوري علي مملوك وتصاعدت مع ملفيْ المخطوفين والقتال في طرابلس.

واستوقف هذه المصادر في الساعات الاخيرة عاملان اساسيان تمثلا في تصاعد السجال العلني بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي من جهة والاتجاه الى استبعاد عقد جلسة مجلس الوزراء هذا الاسبوع من جهة اخرى. واشارت في هذا السياق الى انه كان من المتفق عليه سابقاً عقد جلسة لمجلس الوزراء بين 23 و24 اغسطس ، لكن فجأة تم ارجاء موعد الجلسة الى ما بعد مطلع سبتمبر، ثم اعلن رئيس الحكومة تحديد موعد للجلسة في 29 الجاري، فيما افيد عن اتجاه بعض المراجع والوزراء الى اخذ اجازات في الفترة الفاصلة عن نهاية الشهر. وقد شكل ذلك عامل إثبات على ان ازمةً تعتمل داخل صفوف الحكومة من جهة وبين الرؤساء الثلاثة من جهة اخرى.

وتعتبر المصادر ان السجال الذي نشأ بين بري وميقاتي يعكس الى حد بعيد انتقال الواقع الامني المضطرب الى الداخل الحكومي وخصوصاً ان قوى «8 آذار» لم توفر انتقادات علنية لرئيس الحكومة فيما يأخذ عليها الاخير تغطيتها الضمنية لاعمال الخطف والفوضى التي سادت على طريق المطار الاسبوع الماضي. اما الجانب الاخر فيتعلق بأزمة صامتة بين قوى «8 آذار» والرئيس سليمان يربطها المطلعون بالمواقف المتجرئة التي اعلنها سليمان في ملف توقيف سماحة واعلانه المتكرر انه ينتظر اتصالا من الرئيس السوري بشار الاسد في هذا الصدد.

وتعتقد هذه المصادر ان ترحيل جلسة مجلس الوزراء الى 29 اغسطس، هو قرار ضمني بإرجاء انفجار الازمة السياسية علّ الفترة الفاصلة عن هذا الموعد تشكل «هدنة» لالتقاط الانفاس ومعرفة الاتجاهات التي ستسلكها الحكومة في المرحلة المقبلة، وهي فترة ستتكثف فيها الجهود العسكرية لوقف التدهور الامني في طرابلس، وكذلك الجهود الديبلوماسية لحل ازمة المخطوفين في سورية ولبنان.

وكان السجال «الناعم» بين بري وميقاتي تجلى في بيان لرئيس الحكومة رد فيه على المطالبين باستقالة الحكومة من جهة وعلى انتقادات وجهها رئيس مجلس النواب الى الحكومة من جهة اخرى. ورداً على قول بري إن ميقاتي «لا يريد أن يحكم»، قال ميقاتي: «في فمي ماء»، قبل ان يعتبر امام زواره «ان بري شريك وهو طرف سياسي في الحكومة، والمسؤولية تقع على جميع الاطراف، والرئيس بري في مقدمهم»، ملمحاً الى أن «أحداً لا يستطيع أن يغطي أمراً ويطلب من الحكومة العكس».

في المقابل، واذ اعطى بري اشارات امتعاض واضحة امام زواره من طريقة تعاطي الحكومة في معالجة الملفات، لا سيما الملف الأمني، متسائلاً عن الاسباب التي دفعت إلى عدم انعقاد مجلس الوزراء في هذه الفترة التي شهدت تطورات غير مريحة، قال في تصريحات صحافية ان «الحكومة «تمشي مع المرض الذي يهددها ولا توفر له العلاجات المطلوبة».

وعن مقاطعته لجلسة الحوار الاخيرة، شدد على انه «لا يعمل وفق اجندة اهواء «14 آذار» وانه لا يشارك في جلسات الحوار وفقاً لشروط رئيس تيار «المستقبل» فؤاد السنيورة»، موضحاً ان «الحوار ليس مذكرة جلب، وانا في مقدّم الساعين وما زلت لانجاحه».

وفي موازاة الانشغال بعملية «الكرّ والفرّ» السياسي بين مكوّنات «الصف الواحد»، بقيت الانظار شاخصة على طرابلس التي عاشت امس في ظل استمرار ترنّح وقف اطلاق النار الذي تم اعلانه عند الخامسة والنصف من عصر الاربعاء بعد «مبادرة» من الجيش اللبناني بإزاء مختلف الاطراف المتصارعة، ولكنه ما لبث ان سقط مع تجدد الاشتباكات المتقطعة وعمليات القنص ما ادى ليل الاربعاء - الخميس الى سقوط قتيلين ونحو 20 جريحاً، فيما لفت حصول اشتباك بين الجيش وجماعة رفعت عيد في جبل محسن.

والى جانب «يوميات» القنص والقصف، برزت امس أعمال حرق متبادلة بين جبل محسن وباب التبانة لمنازل ومقاه تعود لعلويين وسنّة. وفي حين عمد الجيش اللبناني المتواجدة عناصره بكثافة على الخط الفاصل بين المنطقتين في شارع سورية، الى الردّ على مصادر النيران وتسيير دوريات مؤللة، استوقف الدوائر المراقبة البيان غير المسبوق لقيادة الجيش والذي حذرت فيه البعض في طرابلس من صب الزيت على النار، واستغلال الاوضاع الاقليمية المتوترة لتصفية حسابات داخلية، مؤكدة ان قوى الجيش لم تنسحب لحظة من مناطق الاشتباكات او محيطها وهي تنفذ خطة عسكرية كاملة، لكنها تتعاطى مع الوضع بحكمة لمنع تحويل المدينة الى ساحة للفتنة الاقليمية.

واعلنت القيادة عن مبادرة الى اجراء حوار مباشر مع القيادات الميدانية المسؤولة في المدينة من اجل وأد الفتنة ونزع فتيل التفجير، مع تأكيد حسمها في ضبط الوضع.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي