فقه الطهارة / الغسل (3 من 3)

تصغير
تكبير
| الدكتور عبدالرؤوف الكمالي |

 

• والاغتسالات المسنونة كثيرةٌ, ومنها:

1 - غُسل الجمعة: لقوله صلى الله عليه وسلم: « مَن توضأ يوم الجمعة فبِها ونِعْمَتْ، ومَنِ اغتسلَ فهو أفضل » رواه الخمسة مِن حديث سَمُرةَ بنِ جُنْدَُب رضي الله عنه.

ويتأكَّدُ جِدًّا إذا كان هناك رائحةٌ كريهةٌ تؤذي المصلين؛ فعن عائشةَ رضي الله عنها أنها قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي، فيأتون في العباء، ويصيبهم الغبار، فتخرج منهم الريح، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا » رواه البخاري ومسلم.

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما وسأله رجلٌ عن الغُسل يوم الجمعة: أواجبٌ هو ؟ قال: لا، ومَنْ شاء اغتسل، وسأحدثكم عن بَدْءِ الغُسل: كان الناس محتاجين، وكانوا يلبَسون الصوف، وكانوا يَسْقُون النخل على ظهورهم، وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ضيِّقًا متقاربَ السقف، فراح الناس في الصوف فعَرِقوا، وكان منبر النبي صلى الله عليه وسلم قصيرًا، إنما هو ثلاث درجات، فعرِق الناس في الصوف، فثارت أرواحُهم، أرواحُ الصوف، فتأذى بعضُهم ببعضٍ، حتى بلغت أرواحُهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: « يا أيها الناس! إذا جئتمُ الجمعة، فاغتسلوا، ولْيَمَسَّ أحدُكم من أطيبِ طيبٍ إنْ كان عندَه» رواه أحمد.

• والاستحباب إنما هو لمن حضر الجمعة؛ لحديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال - وهو قائمٌ على المنبر -: « مَن جاء منكم الجمعة، فلْيغتسلْ » [ أي: مَن أراد منكم المجيء ] رواه البخاري ومسلم.

• ووقت الاغتسال يبدأ من الفجر؛ لأنَّ ابتداء اليوم يكون منه, ولكن الأفضل أن يكون عند الرَّواح إليها.

• ولو نوى غُسل الجنابة والجمعة معًا, واغتسل غُسْلاً واحدًا, أجزأه عنهما.

2 - غُسل العيدين: وهو سنةٌ بإجماع العلماء, وعن ابن عُمرَ رضي الله عنهما: أنه « كان يغتسل للفطر قبل أن يغدُوَ إلى المصلى » رواه مالكٌ في « الموطأ».

وعن علِيٍّ رضي الله عنه: أنه سأله رجلٌ عن الغُسل فقال: «اغتسل كلَّ يومٍ إن شئت, فقال: لا؛ الغُسل الذي هو الغُسل, قال: يومَ الجمعة, ويوم عرفة, ويوم النحر, ويوم الفطر » رواه البيهقي.

3 - غُسل الإحرام: أي أن يغتسل قُبيل الإحرام؛ فعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه: « أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم تجرَّد لإهلاله واغتسل» رواه الترمذي.

ومعنى « لإهلالِه »: أي: لإحرامه, والإهلال: هو رفع الصوت بالتلبية.

4 - الغُسل من تغسيل الميت: وهو قول الشافعي وأحمدَ وغيرُهما؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَن غسَّل ميِّتًا فلْيغتسلْ, ومَن حمله فلْيتوضَّأْ » رواه الخمسةُ وحسَّنه الترمذي.

والأمر هنا ليس للوجوب وإنما للاستحباب؛ بدليل ما ثبت عن عُمَرَ رضي الله عنه قال: « كُنَّا نَغْسل الميت, فمِنَّا مَن يغتسلُ ومِنَّا مَن لا يغتسل» رواه الدارقطني والخطيب البغدادي.

المسح على الجَبيِرة

• الجبيرة: هي أخشاب أو قُصُبٌ تسوّى وتُشَدُّ على موضع الكسر ليلتحم.

• والمسحُ عليها مشروع عند جماهير العلماء؛ بدليل قولِه صلى الله عليه وسلم: « فإذا أَمَرتكم بشيءٍ فأْتُوا منه ما استطعتم ...» رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أنه كان يقول: « مَن كان له جُرحٌ معصوبٌ عليه, توضأ ومَسح على العصائب, ويَغسل ما حول العصائب » رواه البيهقي وصحَّحه.

• ولا يخلو صاحب الجبيرة من حالتين:

1 - أن يستطيعَ التطهر بالماء ويكونَ الأكثر من جسده صحيحًا: فيغسل الأعضاء الصحيحة, ويمسح على جبيرته كلِّها حين يأتي موضعُها في الطهارة, ولا تَيَمُّمَ عليه على الراجح؛ لعدمِ ثبوت التيمُّمِ مع المسح في حديث صاحب الشَّجَّة, وإنما القدر الثابت فيه هو أمره صلى الله عليه وسلم له بالتيمم, أي: الانتقال من الغُسل للجنابة بسبب الجرح إلى التيمُّم.

2 - ألا يستطيع التطهُّرَ بالماء, أو أن يكونَ نصفُ جسدِهِ أو الأكثرُ منه مجبورًا: فيَعْدِلُ حينئذٍ عن الماء إلى التيمم؛ لما دلَّ عليه حديث صاحب الشَّجَّة.

• ولا يُشترط لجواز المسح على الجبيرة أن يكون قد وَضَعها على طُهرٍ؛ لعدمِ الدليل على هذا الاشتراط, ولأنَّها توضع غالبًا - عند الضرورة مِن دون اختيار الشخص.



أستاذ الفقه بكلية التربية الأساسية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي