د.يعقوب احمد الشراح / صدى الكلمة / العوار الدستوري

تصغير
تكبير
| د.يعقوب احمد الشراح |

يصاب الإنسان بالصداع والحيرة وهو يحاول التكهن أو توقع النتائج التي سيفرزها المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، خصوصا كيفية الخروج من عنق الأزمة الحالية المتمثلة في احتمالات تعديل الدوائر الانتخابية التي تركز عليها الحكومة حالياً وتريد الإسراع في إصدار مراسيم ضرورة في غياب مجلس الأمة. تساؤلات كثيرة تثار في هذا الاتجاه غالبية إجابتها غير معروفة تماماً، خصوصا من وجهة النظر القانونية رغم كثرة الحديث القانوني عنها وتضارب الآراء لدى القانونيين، ناهيك من غير المختصين في القانون... ويبدو أن الرغبة في تعديل الدوائر الانتخابية من الجانب الحكومي تتوقف على رأي المحكمة الدستورية في عدم قانونية الدوائر الخمس الحالية بأربعة أصوات لكل ناخب.

لا شك أن الرأي الدستوري على عدم قانونية الدوائر يعزز الموقف الحكومي لكن ما دستورية تعديل الدوائر في غياب مجلس الأمة؟ وحتى في صدور مراسيم الضرورة كيف يتحقق توافق الإرادة الشعبية مع التوجه الحكومي في تغيير الدوائر من دون استشارة الرأي العام؟ وهل ستسير الأمور بالشكل المطلوب مستقبلاً بصدور مراسيم الضرورة؟

الكل يعرف أن الانتخابات الماضية لمجلسي (2009)، (2012) تمت على أساس خمس دوائر بأربعة أصوات لكل ناخب وفق القانون رقم (42) لسنة (2006). وقد حدث ذلك بمباركة وموافقة السلطتين، التنفيذية والتشريعية، وبناء على ذلك استجاب الناخبون فهرعوا للانتخاب واختيار ممثليهم في المجلسين. فلم يكن احد يدرك بعدم قانونية الدوائر الخمس بأربعة أصوات. لقد كانت الاستجابة الشعبية للانتخابات ايجابية وهي تمارس حقها الدستوري، دون أن تدرك أنها دفعت لانتخابات باطلة بسبب الأخطاء الإجرائية.

إن عدم دستورية مجلس (2012)، أو عدم دستورية الدوائر الخمس بأربعة أصوات وغيرها هي قضايا تكشف حجم الأخطاء في الممارسة الديموقراطية والخروج عن الدستور، وبالتالي إدخال البلاد في أزمة حادة وخطيرة أبرزها التفكك الاجتماعي والاستقطاب السياسي والانقسامات بين الأفراد بما في ذلك التداعيات المؤثرة سلباً على النظام السياسي القائم، وبالذات علاقة الناس بالدولة. لا احد يستطيع أن يلوم نظام الدوائر بأنه المسؤول الوحيد عن كل الأزمات السياسية والطائفية، لكن الظواهر المختلة تتجاوز حدود الدوائر إلى عوامل داخلية وخارجية فاسدة، خصوصا أن الناس تشعر بضعف قيم الولاء والمواطنة، وبتحدي القانون، والتعدي على الحقوق، وغياب العدالة.

إن أي تحرك تجاه حل مشكلة الدوائر الانتخابية في غياب مجلس الأمة لن يكون حكيماً وعادلاً، وغير دستوري، وانعكاساته السلبية لن تنحصر في نطاق محدد، فالاستياء المستمر والاحتقان السياسي وعدم الاستقرار ستساهم في زيادة الفجوة بين السلطتين في المستقبل.

نتمنى أن نكون على خطأ في تصورنا بأن ما يدور هو شكل من أشكال الصراع بين الحكومة والمؤسسة التشريعية، فكل طرف يريد أن يؤكد انه على صواب، وقادر على التحدي وكسب المعركة، وان الدستور في جانبه من دون الرغبة في التفاهم والحرص على أن المصالح العليا للبلاد ليست مجالاً للمساومة أو التجاهل أو تغليب المصالح الأخرى، خصوصاً أن تداول الأزمات وارتفاع حدتها ينبغي أن تدفع إلى المزيد من التلاحم والتعاون، فما يحيط بنا من أخطار تنعكس على استقرارنا وأمننا، ويجب أن توقظ كل نائم، وتحفز على المزيد من العمل في اتجاه حماية الوطن والمحافظة عليه.



[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي